رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الخصخصة... مشانق إعدام العمال!!


تحولت الفرحة لديها إلى كابوس.. ولكنها فى يوم ما وأكيد ستعود الطبقة العاملة حرة كما كانت رغم كل القيود والأغلال.. إننا نحيىـ شهداء العمال الذين سقطوا بين تروس المكن وميدان الثورة.. إننا حقا سنقول لبعضنا وليس مع غيرنا كل عام وإحنا بخير.

استطعت الحصول على وثيقة موقعة بين الحكومة وصندوق النقد الدولى فى منتصف التسعينيات وكانت تحتوى على قوائم بيع الشركات العامة بالإضافة إلى خصخصة الاقتصاد المصرى كله من التعليم والصحة حتى مياه الشرب والكهرباء وكانت هذه الوثيقة هى المقبرة التى دفن فيها نظام «مبارك» نفسه!! كانت القوائم تتضمن بيع شركات القطاع العام خلال برنامج زمنى ، وتقدمت بأقوى استجواب لرئيس الوزراء وكانت أشهر المعارك تحت قبة البرلمان، وكانت دهشة الحكومة كيف حصلت على هذه الوثيقة؟ وبعد ذلك تغيرت القوانين والتشريعات وتوالى بين الشركات وظهر إلى الوجود أول كلمة عن «المعاش المبكر»، ولكن العمال ابتدعوا تسمية أخرى وأصبح يمثل لهم «الموت المبكر»! أصبحت مصر تعيش فى أكبر مناقصة وليس مزاداًَ لبيع الشركات بأرخص الأثمان، وضاعت أكبر الشركات خاصة التى تملك الأراضى داخل كردون المدن، ولم يتم حتى الآن معرفة أين ذهبت أموال الخصخصة؟ وفى كل مناسبة كانت تعلن الحكومة عن أموال هزيلة ذهبت إلى الخزانة العامة! وكانت قيمة هذه الشركات الحقيقية تصل إلى مئات المليارات حيث كانت هذه الأرقام تعلن فى أعمدة الصحف، وكانت أغلب لجان البيع سرية وموجهة سياسيا.. وتمزق القطاع العام، وفقد الشعب المصرى تحويشة عمره الاقتصادية حيث كان يمثل هذا القطاع الحماية الأمنية والاجتماعية للملايين من المصريين، وكان البطل الحقيقى فى حرب أكتوبر، حيث تم الاعتماد عليه كليا فى بناء القوات المسلحة وعبور القناة وتحمل القطاع العام كل الأعباء الوطنية والاجتماعية.. وبدأت جيوش المعاشات المبكرة تتكون فى جميع المحافظات، بعد أن منحوا كل واحد منهم عدة آلاف مقابل ترك عمله الذى عاش فيه سنوات عمره، ووعدوه بأنه سوف يصبح رجل أعمال!! وازدادت المأساة ووصل عدد العمال إلى عدة ملايين، مع معاشات ضئيلة للغاية لا تكفى حتى ضروريات الحياة.. وكان سن الخروج للمعاش المبكر لا يتناسب مع سوق العمل خاصة إن البطالة بين الشباب شديدة للغاية، بعد أن أعلنت الحكومة وقف التعيينات من خلال القوى العاملة وترك ذلك للعرض والطلب.. واستمرت جيوش المعاشات المبكرة تزداد بأعداد كبيرة بعد صدور قانون العمل الموحد والذى حول العمال إلى حوافز للاستثمار ونزع منهم كل الحماية الاجتماعية والتأمينية وأصبحوا عبيداً لدى صاحب العمل .. لقد انتهت الخصخصة بتدمير الاقتصاد الوطنى والحياة الاجتماعية، ووجود طبقة من أغنياء الخصخصة محلية وأجنبية كانت هى الفائزة، واستولت على كل شىء ولم تترك شيئا، كانت هذه النهاية هى التى أطاحت بنظام «مبارك» الإجرامى الذى مارس علينا كل هذه البشاعة عندما حول الملاك إلى إجراء، ومازلنا نعيش ننزف الدماء والدموع وهذا يكفى للرد على الذين يبكون هذا النظام وهم يعلمون كيف تم تمزيق الأمن الاجتماعى لكل المواطنين وشرد الملايين التى أصبحت بلا مأوى اجتماعى.. إننا نحتفل فى مايو بـ«عيد العمال» ونحن نعيش فى أيام لا يمكن أن تمثل لنا أى عيد!! لقد خطفت الغربان شركات العمال، وأصبحت التشريعات والقوانين زنازين للطبقة العاملة التى أصبحت الطبقة الوحيدة السجينة دون جريمة ارتكبتها سوى أنها لم تجد أى حماية لها تدافع عنها بل تركوها بلا أى درع وهى الآن مبعثرة فى ربوع الوطن كله تعمل كالعبيد فى أرض الرومان تبحث عن من يحررها ويحطم أغلالها ويطلق سراحها !! إننا نحيى الطبقة العاملة المصرية فى عيدها رغم أنه ليس ككل عيد ؛ فقد تحولت الفرحة لديها إلى كابوس.. ولكنها فى يوم ما وأكيد ستعود الطبقة العاملة حرة كما كانت رغم كل القيود والأغلال.. إننا نحيىـ شهداء العمال الذين سقطوا بين تروس المكن وميدان الثورة.. إننا حقا سنقول لبعضنا وليس مع غيرنا كل عام وإحنا بخير.

■ رئيس اتحاد أصحاب المعاشات