رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إسرائيل.. والسبق الرئاسى للولايات المتحدة


شهدت العلاقات الأمريكية الإسرائيلية تطورا ملحوظا فى الأيام القليلة الماضية من خلال الزيارات المتلاحقة لكبار المسئولين الأمريكيين لإسرائيل، كانعكاس صريح للسباق المحموم بين مرشحى الرئاسة، ففى أقل من أسبوع زار إسرائيل «ميت رومنى» المرشح عن الحزب الجمهورى، ثم وزير دفاع إدارة أوباما «ليون بانيتا»، وقد بادر الرئيس أوباما بالتوقيع على قانون تدعيم القدرات العسكرية الإسرائيلية قبل وصول رومنى إلى إسرائيل بعدة ساعات.

ويقضى هذا القانون بتزويد إسرائيل بمعدات إلكترونية متقدمة «بتكلفة 450 مليون دولار» يمكنها التعامل مع الطائرات الأمريكية التى تعمل دون طيار ذات مدى العمل الاستراتيجى الكبير، وكذلك يمكنها التعامل مع أحدث الطائرات الأمريكية التى يقضى هذا القانون بتوريدها «19 طائرة إف35» تبلغ قيمتها 2.7 مليار دولار، الأمر الذى يؤدى إلى اعتماد إسرائيل على نفسها فى إصلاح وصيانة وتوجيه هذه الطائرات الحديثة التى لا يمكن اكتشافها بالرادارات، والتى تمتلك قدرات هائلة على المناورة الواسعة أثناء الطيران وأثناء الإقلاع والهبوط، وتتميز بمدى عمل استراتيجى كبير، والسؤال الذى يطرح نفسه الآن هو: لماذا تكون إسرائيل هى الدولة الوحيدة فى العالم التى تمتلك هذه الطائرات بعد الولايات المتحدة؟!

وهل يعد ذلك تمهيدا لتوجيه الضربة الجوية ضد المنشآت النووية الإيرانية؟ وإذا كان القانون الذى وقعه أوباما يقضى باستكمال صفقة طائرات إف 35 إلى 75 طائرة، فهل سيكون توقيت توجيه هذه الضربة الجوية حال استكمال هذه الصفقة؟! وقد وصف أوباما هذا القانون بأنه يعكس التزام الولايات المتحدة الثابت بتحقيق الأمن المطلق لإسرائيل، والذى كان قد أعلن من قبل أنه على استعداد تام أن يضع إسرائيل تحت المظلة النووية الأمريكية لحمايتها من التهديد النووى الإيرانى. وقد انتقد ميت رومنى الرئيس أوباما بعد تصديقه على القانون أثناء زيارته لإسرائيل، حيث اعترف بالقدس عاصمة أبدية للدولة اليهودية، وأعلن «أن الوقوف إلى جانب إسرائيل لا يعنى فقط تزويدها بالمساعدات العسكرية، وإنما يعنى حماية تل أبيب من نوايا الدولة الإيرانية الحاقدة، وأعتقد أن هذا هو الواجب المقدس والثابت لواشنطن تجاه إسرائيل»، وفى سياق التصريحات المتبادلة، انتقد المتحدث الرسمى للبيت الأبيض «جوش إرنست» تصريحات رومنى حث أعلن «أنها أحدثت كثيرا من الالتباس لدى الإدارة الأمريكية حيث تتعارض مع مواقف الإدارات السابقة التى اعتمدها رؤساء سابقون مثل بيل كلينتون ورونالد ريجان».

وبالرغم من تصريحات رومنى المبالغ فيها لتأييد إسرائيل، إلا أن إيهود باراك - وزير دفاع إسرائيل - امتدح التعاون الأمنى الأمريكى فى ظل إدارة أوباما باعتبارها الإدارة الأفضل فى التاريخ المعاصر، التى عملت أكثر من أى إدارة أمريكية أخرى لصالح أمن إسرائيل، وهو ما يعتبر توجيها صريحا للجالية اليهودية ومنظماتها فى الولايات المتحدة لإعادة انتخاب أوباما.

وبتحليل التصريحات المتبادلة، فقد يخطئ من يظن أن هناك تناقضا فى مواقف مرشحى الرئاسة الأمريكية، فالمرشحان قد عملا على أن تظل سياسة واستراتيجية الولايات المتحدة فى منطقة الشرق الأوسط ثابتة لا تتغير، وأن هذه التصريحات إنما تدخل ضمن المزايدات الانتخابية لضمان أصوات اليهود، فقد اتفقا على إعادة ترتيب الأهداف حسبما تقتضى المصلحة العليا للولايات المتحدة، حيث جاء ضمان أمن وسلامة إسرائيل على رأس قائمة أهدافها باعتبارها الأداة الرئيسية لتحقيق أهدافها الأخرى، حيث تعتبر إسرائيل حاجزا زمنيا يحول دون تقدم العرب وفاصلا أرضيا يمنع وحدتهم، بما يضمن استمرار تدفق البترول العربى إليها وإلى حلفائها فى الغرب واليابان بالمعدلات التى تضمن تحقيق الرفاهية الصناعية، حيث يلعب البترول بضخامة إنتاجه، واحتياطيه المؤكد الضخم، ورخص تكاليف استخراجه، وكبر فوائض عوائده، دورا مهما فى صياغة الاستراتيجية الأمريكية، ويأتى الهدف التالى فى الأهمية بعد ذلك وهو الحيلولة دون قيام قوة إقليمية فى المنطقة معادية تهدد مصالحها، وتكون قادرة على التحكم فى مقدرات وثروات المنطقة، وهو الهدف الاستراتيجى الذى تتمحور حوله جميع التفاعلات الراهنة بين إيران وبين كل من الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل لمنع امتلاك إيران للرادع النووى الذى قد يحدث التوازن الاستراتيجى من خلال الرعب النووى الذى قد ينشأ، كما تعمل الولايات المتحدة على ضمان الوصول والتحرك بحرية والانتشار والوجود فى جميع بحار ومحيطات العالم، بما يضمن استقرار موقع الهيمنة وعدم زحزحته إلى خارجها، وتأتى منطقة الشرق الأوسط فى مقدمة المناطق الإقليمية من حيث الموقع، إذ يلعب موقع معظم دول المنطقة دورا رئيسيا فى الاستراتيجية الأمريكية، ثم يأتى فى مؤخرة قائمة أهدافها ضمان الوصول إلى مصادر المعادن الاستراتيجية فى وسط أفريقيا، خاصة الكوبالت، والبلاتينيوم، والنيكل كروم.

ولتوجيه الضربة ضد المنشآت النووية الإيرانية كنت قد أوضحت فى مقالين متتالين فى نفس المكان بالجريدة تحت عنوان الخيار الأسوأ فى القضية النووية الإيرانية «29 نوفمبر، 6 ديسمبر 2011» خلصت فيهما أنه يمكن تفعيل الخيار العسكرى بالضربات الجوية المركزة، وذكرت أن هناك أربعة سيناريوهات لتنفيذها، وكان أسوأ هذه السيناريوهات هو السيناريو الرابع والأخير الذى يمكن تنفيذه بالوكالة، أى بواسطة إسرائيل، إلا أن القدرات الإسرائيلية لا تمكنها من القيام بذلك اقتصاديا وسياسيا، دون دعم الولايات المتحدة، كما أن قدرتها العسكرية لا تمكنها من تنفيذ هذه الضربات منفردة إذ تحتاج إلى مساعدة لوجستية أمريكية، كما تحتاج إلى التحديد الدقيق لمناطق تمركز المنشآت النووية الإيرانية المنتشرة انتشارا جيدا كأهداف استراتيجية مدافع عنها بعناية فائقة، وتحتاج إسرائيل أيضا إلى تكنولوجيا متقدمة للتشويش على المعدات الإلكترونية الإيرانية، فهل يعنى تزويد إسرائيل بأحدث المعدات الإلكترونية وأحدث الطائرات فى العالم أن الولايات المتحدة قد أذنت لها بتوجيه الضربة العسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية؟ وهل تعنى هذه الزيارات والتصريحات المتلاحقة أن على إسرائيل أن تنتظر فقط تحديد توقيت توجيه هذه الضربة من الولايات المتحدة؟

صفوة القول إن النسق الإٍقليمى لمنطقة الشرق الأوسط أصبح على ما يبدو إزاء لحظات فارقة، تعاد فيها صياغة العلاقات السياسية، بل تعاد فيها صياغة خريطة للمنطقة بأسرها، حيث رضخت الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل لتجعل منها قوة إقليمية عظمى تشاركها الصفقات، وتعقد معها المعاهدات لمهاجمة قوة إقليمية أخرى، إذ يبدو لى أن الملف النووى الإيرانى سيظل دائما يحمل فى طياته الكثير من المخاطر ليس فقط على منطقة الخليج العربى، بل أيضا على المنطقة بأسرها، كما يبدو أنه يحمل أيضا الذريعة الرئيسية لتحقيق أحد الأهداف الاستراتيجية للهيمنة الأمريكية لبناء مشروع الشرق الأوسط الكبير، الأمر الذى يمكن أن نخلص معه إلى أن سياسة وأهداف واستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط «التى تتطابق حدودها مع حدود ومكونات العالم الإسلامى»، ستظل ثابتة لا تتغير بتغير الإدارات، ولكن الذى ممكن أن يتغير هو تقييم هذه الأهداف، وإعادة ترتيب أولوياتها، بما يتسق مع تحقيق المصلحة العليا الأمريكية.

والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل.

■ أستاذ العلوم السياسية بجامعة بورسعيد