رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«فتنة» و«رخص الحياة».. قصة مقالين هاجم فيهما طه حسين الجماعة الإرهابية

طه حسين
طه حسين

لم يتعرض الدكتور طه حسين لجماعة الإخوان الإرهابية إلا بعد محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها الزعيم جمال عبد الناصر، فيما عرف إعلاميًا بحادث المنشية، أثناء إلقائه لخطابه في ذلك الميدان الشهير في 26 أكتوبر العام 1954.

وهنا سن طه حسين قلمه ليكتب مقالين بصحيفة الجمهورية ندد فيهما بالحادث ووجه لهذه الجماعة عبارات تليق بالقتلة، ففي مقاله الأول بتاريخ 30 أكتوبر 1954 أي بعد أربعة أيام فقط من الحادث وتحت عنوان "فتنة" كتب طه حسين يقول: "كانت مصر أكرم على الله من أن يرد ابتهاجها إلى ابتئاس وسرورها إلى حزن، ومن أن يحيل أعيادها البيض إلى أيام حداد سود، ومن أن يجزي الخير بالشر، والإحسان بالإساءة والمعروف بالمنكر، ومن أن يكافئ الوفاء بالغدر، والإخلاص بالخيانة، والحياة بالموت، فصرف عن رئيس وزراء مصر "جمال عبد الناصر" ما كيد له من كيد، وما أُريد له من مكروه".

وتابع: "والحمد لله على أن هذا الكيد الذي كِيدَ له قد رد في نحور كائديه فلم تلق مصر منه شرًا، وإنما كان امتحانا مرًا ثقيلًا، خرجت منه ظافرة مطمئنة".

ثم ينهي مقاله بتحذيرهم من مغبة عملهم السيئ فيقول: "فليحذر المصريون أن يتعرضوا لمثل هذا الشر، وليذكر المصريون أن الله يحرم عليهم دماءهم وأنفسهم إلا بالحق وأن الله يأمر بالعدل والإحسان وينهاهم عن الفحشاء والمنكر والبغي، وأن الله يأمرهم أن يجزوا الإحسان بالإحسان وينهاهم عن العقوق والجحود والغدر وينذرهم بأن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله".

أما مقالته الثانية في صحيفة الجمهورية أيضًا، فكانت تحت عنوان "رخص الحياة"، بتاريخ 13 نوفمبر 1954، وجاءت كذلك في أسلوب أدبي لا يتقنه إلا طه حسين، يقول في بعضها: "كان الناس يتحدثون فيكثرون الحديث عن المجرمين الذين يستحبون القتل ولا يحسون عليه بعد اقترافه ندما، ولا يحسون منه قبل اقترافه رهبة أو خوفًا، كانوا يرونهم شذاذا قد أفلتوا من قوانين الطبيعة الانسانية التي تكبر الحياة الإنسانية، وتعظم الاعتداء عليها عن عمد أو خطأ، وربما دفع بعض الناس إلى شىء من الإمعان في إكبار الحياة حتى تجاوزوا بها حياة الإنسان إلى حياة الحيوان نفسه".

ثم يتساءل العميد مندهشا: ما هذه الأسلحة؟ وما هذه الذخيرة التي تدخر في بيوت الأحياء وفي قبور الموتى؟ ما هذا المكر الذي يمكرون؟ وما هذه الخطط التي تدبر؟ وما هذا الكيد الذي يكاد بكل هذا الشر؟ ولم كل هذا النكر، ولم رخصت حياة المصريين على المصريين؟

وتابع: "هذا بعض من كل، ألا يحق لهذه الجماعة الإرهابية بعد كل هذا الكشف عن جرائمهم وتصويرها بما هي عليه من الجرم والفحش، أن يكون لهم موقف من الكره الشديد؟!".. جاء ذلك حسبما ذكر الدكتور محمد فتحي فرج في كتابه "من قضايا العقاد الفكرية"، والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.