رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثـورة 30 يونـيـو.. والتـوازن الدولى «17»


وترتيبا على ذلك، تسعى الصين إلى تعـظيم مقدرتها العـسكرية، إذ قامت بتخصيص 808 مليارات يوان أى ما يعادل 96 مليار يورو كموازنة للإنفاق العسكرى عن عام 2014، حيث تُعـد هى الأضخم فى تاريخها، وتُعـد ثانى أكبر موازنة فى العالم بعـد الولايات المتحدة، وبذلك تُعـد أيضا أحد التحولات الدولية التى تطرأ على بنيان النظام الدولى الراهن،

على مدى ستة عـشر أسبوعاً مضت، تناولت المحتـوى الفكرى لمسارات المنظور الجيوبوليتيكى للولايات المتحدة، فكان محتوى المسار الأول هو إدراكها بنشأة حالة استقطاب جديدة تقود إلى حرب باردة، وتؤدى إلى بناء تحالفات وتحالفات مضادة وهدم توازنات وبناء توازنات أخرى، وهو ما يبرر لنا سعـيها الحثيث إلى بناء تحالف يضم القـوى غـير العربية ودولة قطر العـربية لتضفى عليه صفة التحالف الإقليمى، وكان محتوى المسار الثانى هو حتمية تواجدها فى منطقة الشرق الأوسط التى أصبحت لا غـنى عـنها فى بناء هذه التحالفات وتلك التوازنات، وتمثل المسار الثالث فى حتمية تفكيك الدول العـربية المركزية باعـتبارها المكون الرئيسى للمنطقة لتتمكن من تشكيل ما يسمى بالشرق الأوسط الكبير، أما محتوى المسار الرابع فتمثل فى عـرقلة حركة القوى العالمية المنافسة «روسيا والصين»، وفى المقال السابق تناولت موقف روسيا من الأزمة الأوكرانية، واليوم أتناول موقف الصين حتى نؤسس للإجابة عن التساؤلات التى انتهى به المقال وهى: هل يمكن لأوكرانيا منفردة مواجهة روسيا؟ وهل يمكن لحلف الناتو أن يغامر بحرب لا تبقى ولا تذر مع وريثة القـوة السوفييتية العـظمى؟ وهل ستسعى جميع الأطراف إلى التوصل لحلول وبدائل تؤدى إلى تجاوز الأزمة؟ وهل يمكن أن تكون الصين بمنأى عن هذه الحلول والبدائل؟

وبداية أود أن أؤكد أنه من الطبيعى أن تتخذ الصين موقفا داعـما للتوجه الروسى ليس فقط فى أزمة أوكرانيا ، بل وفى غـيـرها أيضا ، فالصين تضع فى جميع حساباتها الإستراتيجية اعـتبارين رئيسيين، الأول هو أن السلوك السياسى للولايات المتحدة تحكمه القوة والمصالح غالبا والأخلاق والقيم نادرا، ولذلك لم تلتزم بتعهداتها السابقة بعـدم سعـيها إلى ضم دول حلف وارسو إلى حلف الناتو ، حين أعـلن الأمين العام الأسبق لحلف الناتو عـشية المؤتمر الذى انعـقـد فى موسكو عام 1991 والذى تم الإعلان فيه عن تفكيك حلف وارسو «أن حلف الناتو لا ينتوى التقدم خطوة واحدة أبعـد من حدوده القائمة فى المانيا الغـربية» إلا أن حلف الناتو قام فعـلا بضم معـظم دول شرق ووسط أوروبا، ويسعى أيضا إلى ضم دول الاتحاد السوفيتى السابق خاصة «أوكرانيا ـ جورجيا» حتى يحكم حصار الاتحاد الروسى، والاعـتبار الثانى هـو أن الصين تدرك يقينا أن هدف الولايات المتحدة والغرب فى هذه المرحلة هو تفكيك روسيا الاتحادية لتلقى نفس مصير الاتحاد السوفيتى السابق، ثم التفرغ لها والانفراد بها بعـد ذلك.

وترتيبا على ذلك، تسعى الصين إلى تعـظيم مقدرتها العـسكرية، إذ قامت بتخصيص 808 مليارات يوان أى ما يعادل 96 مليار يورو كموازنة للإنفاق العسكرى عن عام 2014، حيث تُعـد هى الأضخم فى تاريخها، وتُعـد ثانى أكبر موازنة فى العالم بعـد الولايات المتحدة، وبذلك تُعـد أيضا أحد التحولات الدولية التى تطرأ على بنيان النظام الدولى الراهن، والتى قد تؤدى إلى تطويره إلى نظام تتعـدد فيه الأقطاب، إذ يشير الواقع إلى أن الصين قد بدأت فى تعـظيم قدرتها العسكريـة بعـد أن قامت بتنمية قدراتها الاقتصادية والاجتماعـية بما يُحقق توازن مكانتها أولا ويُحقق توازنها الاستراتيجى ثانيا، وتسعـى حثيثا الآن إلى تعـظيم جميع عناصر قوتها الشاملة ووضعـها فى موضع تأجج القوة، حتى تصبح قائـدة لتفاعلات نسقها الإقليمى أولا، وبما يمكَنها من مشاركة الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية النفوذ على الساحة الدولية ثانيا، وهو ما يبرر لنا سعيها أيضا إلى الوجود الكثيف فى أفريقيا تحديـدا بهدف الحصول على المعادن الاستراتيجية، حتى تتمكن من تطوير وتعـزيز قاعـدة صناعاتها الحربية وتحسين قدراتها التكنولوجية، ويضمن تلبية احتياجاتها العسكرية خاصة تلك التى تتعلق بقـوتها البحرية، حيث أدركت مؤخرا أهمية امتلاك أسطول بحرى متفوق يصون مصالحها، وقد نجحت فعلا فى امتلاك أول حاملة طائرات.

وصفوة القول، أن الصين قد أدركت مدى الخلل بينها وبين الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبى واليابان، فبدأت بتطبيق استراتيجية اقتصادية عـملاقة أولا، ثم تخلصت من جميع تقاليدها الاجتماعـية البالية ثانيا، وحشدت جميع جهودها واندفعـت بكل قواها نحو تنمية عـناصر قوتها الشاملة ووضعها فى موضع تأجج القوة ثالثا، لتـصبح قوة عالمية عظمى قادرة على منافسة القوى العالمية الأخرى والمشاركة فى النفوذ على الساحة الدولية.

هذا هو موقف الصين الذى أردت توضيحه حتى نؤسس للإجابة عما سبق من تساؤلات فى الأسبوع القادم بإذن الله.

■ أستاذ العلوم السياسية - جامعة بورسعيد