رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثـورة 30 يونـيـو والتـوازن الدولى «14»


الدور الإيرانى فيتمثل فى استعادة حالة التوازن الإستراتيجى مع القوى العربية، حيث ادعت الولايات المتحدة أن المملكة السعـودية اشترت السلاح النووى لها ولحليفـتها مصر من باكستان فى مايو 2011، لكن الواقع يشير إلى أن الولايات المتحدة قد أيقنت عدم جدوى فرض عـقوبات جديدة على إيران،

تناولت فى المقال السابق مسارات المنظور الجيوبوليتيكى للولايات المتحدة، الذى يتمثل مساره الأول فى إدراكها بقرب نشأة حالة استقطاب جديدة مع تحول النظام الراهن إلى نظام تتعـدد فيه الأقطاب، وقـد تؤدى حالة الاستقطاب إلى بناء تحالفات وتحالفات مضادة، وهدم توازنات وبناء توازنات جديدة، وهو ما يبرر تسارع حركتها لبناء تحالف يضم القوى غـير العربية فى المنطقة ( تركيا وإيران وإسرائيل وإثيوبيا ) ويضم قطر أيضاً حتى تضفى عـليه صفة التحالف الإقليمى، ويتمثل المسار الثانى فى حتمية تواجدها فى منطقة الشرق الأوسط التى تعـتبر من أهم المناطق الإقليمية وأكثرها حساسية وتعـقـيـداً، فقامت بالحصول على تسهـيلات فى أهم مـوانيها أولاً، ثم قامت بغـزو واحتلال أفغانستان والعـراق ثانياً، ثم أنشأت مخازن طوارئ للأسلحة الثقيلة فى إسرائيل وتركيا والأردن ثالثـا ويتمثل الدور التركى فى هذا التحالف فى أن تواصل أنقرة تشويه ثورة 30 يونيو التى حالت دون تحقيق المشروع الأمريكى لإعادة هيكلة وتشكيل الشرق الأوسط الكبيـر، وحالت أيضاً دون تحقـيـق المشروعات القـومية لكل من تركيا (إحياء الخلافة العثمانية) وإيران (إحياء الإمبراطورية الفارسية) وإسرائيل (أرض الميعاد)، فاستضافت أنقرة مؤتمر رابطة عـلماء أهـل السنة الذى اختتم أعماله فى3 فبراير الجارى بتوصية تمنح غـطاء شرعـياً لعـمليات القتل التى يمارسها غائبو الوعى والضمير من أنصار الجماعة، وتقضى هذه التوصية بشرعـية التصدى لكل من يخرج على حاكم شرعى اختارته الأمة حتى يرجع عـن غـيه ويعـود إلى رشده، وأن ما شهدته مصر فى 3 يوليو يُعـتبر انقلاباً وخروجاً على الحاكم الشرعى، وهو ما يفسر لنا وحشية وتسارع عمليات الإرهاب الأخيرة.

أما الدور الإيرانى فيتمثل فى استعادة حالة التوازن الإستراتيجى مع القوى العربية، حيث ادعت الولايات المتحدة أن المملكة السعـودية اشترت السلاح النووى لها ولحليفـتها مصر من باكستان فى مايو 2011، لكن الواقع يشير إلى أن الولايات المتحدة قد أيقنت عدم جدوى فرض عـقوبات جديدة على إيران، خاصة بعـد أن تأكدت امتلاكها الفعـلى للرادع النووى، أو على الأقل بعـد امتلاكها تكنولوجياً وإمكانات تصنيعه، فقامت بتسوية القضية، ولتأكيد حسن النوايا قام الرئيس الأمريكى بالتهديد باستخدام حق الفيتو فى مجلس الأمن والكونجرس الأمريكى إذا قام أحدهما أو كلاهما بفرض عـقوبات جديدة عـلى إيران، وقام مؤخراً بسحب حاملة الطائرات الأمريكية الوحيدة «هارى ترومان» من الخليج العربى، بما يضمن حرية حركة إيران للسيطرة على مضيق هورمز وهو ما يتسق مع المنظور الأمريكى.

ويشير الواقع إلى أن زيارة المشير السيسى والوزير نبيل فهمى لموسكو قد فرضت نفسها كواحدة من أهم القضايا التى طُرحت على الساحة الدولية إن لم تكن أهمها على الإطلاق، إذ لا بد وأن تؤثر نتائج هذه الزيارة ليس فقط على التوازن الإستراتيجى الدولى بل أيضاً على التوازن الإقليمى، حيث تؤكد هذه الزيارة إدراك مصـر الكامل بالمتغـيرات الدولية والإقليمية التى طرأت عـلى بنيان النظام الدولى الراهن لتحوله إلى نظام تتعدد فيه الأقطاب وإن لم تتبلور ملامحه بعـد، كانعكاس صريح لتراجع الدور الأمريكى فى مقابل تصاعـد الدور الروسى فى منطقة الشرق الأوسط وترقب الصين للمشاركة فى النفوذ على الساحة الدولية، وأدركت أيضاً الضرورة الإستراتيجية الملحة لبناء سياسة تتسق مع عمق هذه المتغـيرات، وإقامة علاقات متوازنة مع الولايات المتحدة وأقطاب الغـد على حد سواء لتحقيق توازنها الإستراتيجى، إذ لا يتحقق التوازن المنشود بالاعتماد على قـوة وحيـدة.

ولكى نتناول تأثير هذه الزيارة على التوازن الإستراتيجى الدولى والإقليمى، ينبغى أولاً تناول الأسباب التى أدت إلى توتر العلاقات الأمريكية المصرية، حيث وقعـت واشنطن فى عـدة أخطاء فى حق مصر، فلم تتعامل معها أولا على أنها محور تفاعلات المنطقة، وقامت بمنع المساعـدات وحجب صفقة أسلحة متعاقد عـليها، ولم تُقـدر موقف جماعة الإخوان تقديراً سليماً ثانياً، عندما قدموا أنفسهم كبديل مثالى عن نظام مبارك الذى اصطدم بالإرادة الشعـبية الرافضة لعـملية التوريث، فساعدوهم فى الوصول لحكم مصر، إلى أن تمكن الإخوان من الولايات المتحدة بوعـودهم وتعهداتهم بحماية أهدافها فى المنطقة بما فى ذلك أمن إسرائيل، حتى أصبحت غـير قادرة على الاستغـناء عـنهم، وأنها ثالثاً لم تستوعب أزمة صفقة الأسلحة التشيكية عام 1955، مما جعلها تنتظر أكثر من 20 عاماً لإستعـادة هذه العلاقات..

وفى المقال القادم بإذن الله نتناول تأثير الزيارة على التوازن الدولى والإقليمى.

■ أستاذ العلوم السياسية - جامعة بورسعيد

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.