رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حقوق الإنسان وأمواله المنهوبة

التأثير السلبى لعدم استرداد الأموال المنهوبة على التمتع بحقوق الإنسان، كان موضوع ندوة عقدها مكتب مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، شارك فيها العديد من ممثلى الدول وخبراء المنظمات الدولية والمجتمع المدنى، بمبادرة مصرية تونسية ليبية، دعمتها وأيدتها المجموعتان الإفريقية والعربية. 

المشاركون فى الندوة أوضحوا أن حجم الأموال المنهوبة، الذى يتزايد باضطراد، يفوق المساعدات التنموية، التى تقدمها الدول المتقدمة إلى الدول النامية، وشدّدوا على ضرورة معالجة تلك المعضلة فى أسرع وقت ممكن فى ظل مرور العديد من دول العالم بمراحل انتقالية، بالإضافة إلى التداعيات السلبية لوباء «كورونا المستجد». كما تناول ممثلو الهيئات المعنية باسترداد الأموال من مختلف دول العالم، ومن بينها مصر، تجاربهم فى عمليات استرداد الأموال المنهوبة والعوائق التى يواجهونها، التى تحول دون استردادها.

ما يؤكد وجود تلك العوائق، وضخامتها، هو أن الأساطير الكثيرة، التى جرى تداولها، طوال سنوات، عن نجاح تونس، مثلًا، فى استرداد أموالها المنهوبة، أثبت الواقع عكسها، وقالت الأرقام إن الحكومات التونسية المتعاقبة، منذ سنة ٢٠١١، لم تسترجع إلا نسبة ضئيلة جدًا من تلك الأموال. وفوق ذلك، أعلن المجلس الاتحادى السويسرى، فى يناير ٢٠٢١، عن انتهاء تجميد الأموال المهربة من تونس إلى جنيف، لأن مدة التجميد وصلت إلى الحد الأقصى، دون أن تستكمل السلطات التونسية الإجراءات القانونية اللازمة لاستعادتها.

المهم، هو أن بعثة مصر لدى الأمم المتحدة فى جنيف، تناولت الصعوبات، التى تواجهها الدول النامية فى استعادة أموالها المنهوبة من الخارج، وانتقدت عدم تعاون السلطات المعنية، فى الدول المختلفة، وغياب الإرادة السياسية فى هذا الشأن. كما أوضحت أن خسارة الدول النامية أموالًا ضخمة من مواردها، تحد من قدراتها على تعبئة مواردها المحلية من أجل التنمية المستدامة، وتمنعها من إعمال حقوق الإنسان، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما يهدد استقرارها ويقوض قيم الديمقراطية وسيادة القانون. 

بيان مصر، الذى ألقاه السفير أحمد إيهاب جمال الدين، مندوبنا الدائم فى جنيف، شدّد على أن هذه الأموال مطلوبة بشكل عاجل، أكثر من أى وقت مضى، خاصة فى الدول التى تمر بمراحل انتقالية. وطالب الدول، التى تحتضن ملاذات آمنة للأموال المنهوبة، بإعادة تلك الأموال دون شروط، وفقًا للاتفاقيات الدولية ذات الصلة. كما حث تلك الدول على تشديد الرقابة على بنوكها ومؤسساتها المالية، وضمان تعاونها واستجابتها للطلبات المقدمة بتجميد واسترداد الأموال المتأتية من مصادر غير مشروعة. واقترح صياغة قواعد إرشادية دولية، موضحًا أن غياب تلك القواعد يتيح لبعض الدول التهرب من الوفاء بالتزاماتها، سعيًا إلى تحقيق مصالح قصيرة الأجل، ما يعيق جهود مكافحة الفساد، ويعرقل جهود تعزيز حقوق الإنسان، خاصة فى الدول النامية.

فى هذا السياق، أشار مندوبنا الدائم إلى استضافة مصر، فى ديسمبر الماضى، الدورة التاسعة لمؤتمر الدول الأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ذلك الحدث الأكبر على المستوى الدولى، الذى يجمع الدول والمنظمات الدولية والإقليمية وغير الحكومية والمجتمع المدنى، لبحث القضايا المتعلقة بمكافحة الفساد. وأوضح أن المؤتمر حث الدول على إيلاء أولوية لجهود استرداد الأموال المنهوبة، لضمان محاسبة مرتكبى جرائم الفساد على هذا السلوك وحرمانهم من التمتع بعائداته.

مصر استضافت، أيضًا، فى يونيو ٢٠١٩، أعمال «المنتدى الإفريقى الأول لمكافحة الفساد». وفى حضور ٥١ دولة إفريقية، و٤ دول عربية آسيوية، دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال الجلسة الافتتاحية، إلى تعزيز جهود التعاون بين دول القارة السمراء لمواجهة الفساد، وتعهّد بأن تواصل مصر دعمها الجهود المشتركة لمكافحته، انطلاقًا من إيمانها بحتمية العمل الإفريقى المشترك، لمواجهة تحديات التنمية والاستقرار.

.. وتبقى الإشارة إلى أن تقريرًا للبنك الدولى، أكد أن ٤٠٠ مليار دولار من أموال القارة السمراء تم تهريبها إلى الخارج، خلال العقد الأخير من القرن العشرين. كما قدّر تقرير لمركز «النزاهة المالية الدولية» الأمريكى، حجم الأموال الإفريقية المهرّبة، أو المنهوبة، خلال السنوات الأربعين الماضية، بتريليونى دولار. والأرقام، كما هو واضح، تفوق بكثير حجم المساعدات المالية التى تقدمها الدول المتقدمة، لتخفيف حدة الفقر والجوع والأوبئة، وتفوق، أيضًا، حجم مديونيات دول القارة، التى يعيش أكثر من نصف مواطنيها تحت خط الفقر.