رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محاولات بعض المشايخ للوساطة لصالح التنظيمات المتطرفة



كان من الطبيعي أن تستفز حالة العنف المتبادل بين الجماعات المتطرفة والدولة أطرافًا أخرى من الإسلاميين المعتدلين وعددًا من المثقفين المحسوبين على التيار الإسلامي لتحاول التدخل بأي مبادرة لإيقاف نزيف الدم.
وظلت الفكرة تراودهم حتى أواخر عام 1989، حيث قام عدد من علماء المسلمين بإصدار بيان يدينون فيه العنف وقد أتفق العلماء في بيانهم على أن تغيير المنكر باليد واجب شرعي على ولي الأمر وعلى كل إنسان في حدود ولايته، وأن تغيير المنكر إذا أدى الي مفسدة أشد كان التوقف واجبًا، لان إباحة تغيير المنكر بغير ضوابط يؤدي إلى شيوع الفوضى في المجتمع ويضر بمصلحة الدين والوطن، ولأنه من الثابت شرعا أن تنفيذ الحدود إنما هو من حق الحاكم أو من ينيبه.
وأعلنوا "نحن على استعداد بوصفنا دعاة إلي الله أن نجلس مع كل من لديه شبهة أو فكر مخالف لكي نوضح له الحق ونرشده إلي الطريق القويم، وثقتنا كبيرة في دولتنا أن تزداد حرصًا على إحقاق الحق وإبطال الباطل وتدعيم الفضائل والقيم الدينية والخلقية لأن ذلك يؤدى إلي سعادة الفرد والجماعة.
وقد وقع على البيان كلا من الشيوخ محمد الشعراوي، محمد الغزالي، د. يوسف القرضاوي، عبدالله المشد، محمد زكي إبراهيم، د. عبدالمنعم النمر، د. محمد الطيب النجار، عطية صقر.
ولكن الحكومة لم تستجيب لفكرة البيان، ولم ييأس الشيخ محمد متولي الشعراوي وشارك مع آخرين في حوار آخر تحت رعاية اللواء محمد عبدالحليم موسي، وزير الداخلية.
وكان الدكتور عبدالصبور شاهين عضوًا معينًا بمجلس الشورى، حين فكر في القيام بالوساطة‏ عام‏1987‏, ومعني أن يكون عضو المجالس البرلمانية عضوًا معينًا في تلك المجالس أن العضو يعد من رجال الدولة ومحسوبًا على تيارها العام.  
في البداية أتفق الدكتور عبدالصبور شاهين مع الدكتور عبدالمنعم النمر وزير الأوقاف على تقديم خدمة للدولة من شأنها إزالة التوتر القائم بين الجماعة الإسلامية والدولة,‏ وفض الاشتباك بينهما، وأقنع الدكتور النمر بضرورة مقابلة اللواء زكي بدر وزير الداخلية آنذاك.  
وبالفعل تمت المقابلة إلا أن الدكتور النمر في تلك المقابلة فوجئ بأن الوزير يتهكم عليهم ويقول:‏ العيال اللي تتكلموا عنهم ـ يقصد الجماعة الإسلامية ـ قبضنا على مجموعة منهم بالأمس ووجدنا معهم كشفًاً بالأشخاص المطلوب تصفيتهم جسديًا‏,‏ وقال الوزير للدكتور النمر‏:‏ إسمك أنت والدكتور عبدالصبور شاهين علي رأس القائمة، بعد تلك المقابلة طلب الدكتور عبدالمنعم النمر من الدكتور عبدالصبور السكوت عن هذا الموضوع مؤقتًا‏,‏ حتى يتم التأكد من صحة هذا الكلام الذي قاله الوزير.
وفي إحدى جلسات جلس الشورى جلس الدكتور عبدالصبور شاهين بجوار اللواء زكي بدر وسأله عن صحة ما قاله د‏.‏ النمر فضحك زكي بدر ثم هز رأسه قائلا له‏:‏ سوف تلحق بالشيخ الذهبي‏، وصرح له وزير اللواء ذكي بدر وزير الداخلية بترخيص مسدس للدفاع عن نفسه وأخبره بضرورة الصمت، وعدم الحديث في هذا الموضوع مرة ثانية، وأكد له الوزير أن "أفراد الجماعة لم يجتمعوا على أحد سوى أنت والشيخ محمد الغزالي".
والكلام لا يزل بلسان الدكتور عبدالصبور شاهين في مجلة الأهرام العربي في 6 يوليو 2002 قائلًا: "بأنه بعد هذا اللقاء بأيام أخبرني صديقي الإذاعي التهامي منتصر بأن زكي بدر استدعاه في مكتبه وقال له ساخرًا بالحرف الواحد‏:‏ أنت عمال تستضيف عبدالصبور شاهين‏,‏ هو حضرته عايز يفض الاشتباك بين الدولة والجماعة، وتم منعي من الحديث في الإذاعة في ذلك الوقت".
غير أن فكرة الوساطة التي قام بها الشيخ من تلقاء نفسه لم تعجب الدولة وقتها، وكان من نتيجة ذلك أن الدولة أستبعدته من مجلس الشورى في التشكيل الجديد ومنعته من الحديث في الإذاعة والتليفزيون‏ وذلك حسب رواية الدكتور عبدالصبور شاهين في مجلة الأهرام العربي.
وفشلت محاولة الدكتور عبدالصبور شاهين الذي أكتشف بعد ذلك أن هناك مراكز قوي داخل الدولة كانت تري مصلحتها في استمرار التوتر وعدم وقف العنف‏,‏ ولم يكن أمامه سوي التزام الصمت والسكوت.
وفي عام ‏1993 وبعد تنحية اللواء ذكي بدر عن وزارة الداخلية دعي الشيخ الشعراوي الدكتور عبدالصبور شاهين لتجديد فكرة الوساطة.
‏وبالفعل ألتقت مجموعة من العلماء والمفكرين وأتفقوا على مقابلة عبدالحليم موسي وزير الداخلية آنذاك‏,‏ ودخلوا معه في نقاش أنتهي بإقتناعه بالحوار مع الجماعة‏,‏ وبعد فترة أخبرهم الوزير بلقاء تم بينه وبين الشيخ عمر عبدالرحمن‏,‏ وأن الأخير طلب مقابلته لوضع حد لهذا العنف.
فلم يحتمل الدكتور عبدالصبور شاهين كلام اللواء عبدالحليم موسي‏ وزير الداخلية,‏ فقال له‏:‏ يا سيادة الوزير حضرتك طلبت من مصطفي مؤمن أن يزورك ومعه د‏.‏ عمر عبدالرحمن وبإختصار فإن الأمن ساعد د‏.‏ عمر كثيرًا وربما تكون لعبه سياسية.
فصمت الوزير ولم يرد، وحاول الحضور إدارة دفة الحوار إلى المهمة التي جاءوا من أجلها‏,‏ وخرجوا من مكتب الوزير واثقين من ترحيبه بفكرة الوساطة لكنهم فوجئوا بإقالة اللواء عبدالحليم موسي في صباح اليوم التالي للقاء.. وخيم الصمت تمامًا على هذه الفكرة، ولم تتم الوساطة وقتها لأسباب تتعلق بالدولة.‏