رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر التى فى خاطرك


معظم من قال «نعم» للدستور لم يقرأه ومن باب أولى لم يقارن بينه وبين الدستور السابق. لكن «نعم» بتلك النسبة المرتفعة كانت لما هو أبعد من وثيقة دستورية. «نعم» كانت للحلم بنظام حكم يوفر العدل والكرامة للجميع. ولم تكن الزغاريد التى أطلقتها النساء فى اللجان الانتخابية سوى ترنيمة أمنيات بالتحرر من القهر الاقتصادى والاجتماعى الطويل. تمايلت وزغردت ورقصت وشدت عنقها لأعلى كل الآمال فى الخبز والمساواة والتعليم والعلاج والسكن.

آمال قائمة مثل صخرة صلبة فى شعب لا يعرف اليأس. الآن وقد تم إقرار الدستور عليك أن تضخ الحياة إلى نصوصه وأن تطالب بنصيبك من ثروة بلادك التى راكمها كدح الملايين وأنت واحد منهم. وعندما تسأل «أين حقى؟» سيقودونك عبر متاهات حتى تلتبس عليك الأمور. سيقولون لك إن الثقافة هى ثروتنا القومية الأولى. قل لهم شكرا. هى ثروة حقا لكنها معنوية وأنا أريد نصيبى من ثروة مصر المادية. احتفظوا لأنفسكم بالمنفلوطى وأمير الشعراء وقائمة الأفلام الطويلة وكل الأغانى والتمثيليات وأعطونى نصيبى من الدخل القومى، حينها سيكون لدى ما أشترى به الجرائد والكتب لأتعرف إلى ثقافتى. وقل لهم إن ثروة الأمم تقاس بإجمالى الناتج القومى، بحجم إنتاجها الزراعى والصناعى، بعدد المصانع، وحجم الموازنة، ومستوى التعليم والعلاج ونسبة البطالة وعدد العلماء والمعامل والمدارس والجامعات والقدرة على استخدام الذرة. أضف إلى ذلك أن الوطن هو الذى يخلق الثقافة، وأن وطنا مقسما بالجوع والثراء غير وطن يتوحد المساواة فتطلق قدراته الإبداعية. قل لهم إنك لا تريد ثقافة تكون هى كل ثروتنا القومية، لكنك تريد ثروة مادية توزع بالعدل فتصبح أساسا لتطوير الثقافة. عندما تتمسك بأن تحصل على حقك سيعيدون على سمعك «مصر التى فى خاطرى وفى فمى» لكى تذوب حقوقك فى نشيد وطنى عام. إذا فعلوا، قل لهم إن مصر التى فى خاطرك غير التى فى خاطرهم. عندهم لابد أن تبقى مصر بلد الثمانين بالمئة من السكان الذين تحت خط الفقر بدخل دولارين فى اليوم، وأن يظلوا هم ثلاثين ألف مليونير ينعمون بحياة بذخ خرافى. فى خاطرك أنت أن الشعب هو صانع الثروة وأن لك بالحتم نصيبا منها. فى خاطرهم مصر هى «عيشوا كراما تحت ظل العلم»، وفى خاطرك أنت «عيشوا كراما تحت سقف السكن». سيكرون على أذنيك لحن «ما نقولش إيه ادتنا مصر؟». قل لهم طبيعى ألا تسألوا ماذا أعطتكم مصر بعد أن أصبح عشرون بالمئة منكم يتحكمون فى ثمانين بالمئة من ثروة مصر، وواحد بالمئة من بينكم يتحكم فى خمسين بالمئة من ثروات طبقتكم. أما الغالبية العظمى التى لم تحصل على أى شىء فإن من حقها أن تسأل بعد إقرار الدستور «ماذا أعطتنا مصر؟»، وأن تتساءل «وماذا ستعطينا؟»، لأن الملايين لم يحصلوا على شىء بعد رغم أنهم هم من يفتحون صدورهم للنيران، ومن يديرون المكن فى المصانع، ويعرقون فى الحقول، ويشكلون عماد الجيش فى الحروب. آن الأوان لكى يكون الدستور خطوة على طريق لوقف النهب التاريخى. ولكى تزول إلى الأبد صورة الأمة التى رسمها ذات يوم إسماعيل المفتش حين قال لنوبار باشا: «إن مصر مثل زكيبة الدقيق تسحب منها الدقيق ولكن إذا ضربتها بالعصا يمكنك الحصول باستمرار على مزيد من الدقيق»!

■ كاتب وأديب