رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عندما يتحدث الرئيس



اعترف أنني في مستهل حياتي كنت معجبا بالرئيس جمال عبد الناصر، وكنت أستمع لخطاباته مخدرا، فقد كنا وقتها مشبعين بحب مصر، وكان هناك تنظيم الاتحاد الاشتراكي وجناحه الشبابي، يلقي علينا كل يوم بذور الحب لمصر واشتراكيتها الجديدة، التي ستجلب الخير لمصر. وقتها تصورنا أن مصر هي الرئيس جمال عبد الناصر، كنا نصفق لكل ما يقوله الرئيس مخدرين بفعل قوة سحرية لا طاقة لنا على اعتراضها. كنا نستمع بالساعات، دون ملل ومن كان وقتها يجرؤ على اعتراض أفكار الزعيم الذي لا يخطئ. كنا ننتظر خطاباته لنعرف ما يدور حولنا منه شخصيا.
ولما جاء السادات. كنا نقارنه بعبد الناصر، والرجل لم يقل إنه يختلف عن عبد الناصر، ولكنها أعلنها بوضوح أنه يسير على نهج عبد الناصر، وصفقنا له، ولكنه كان يخطط، للسير على كل خطوات عبد الناصر بممحاة جيدة أمريكية الصنع، ولا تترك أثرا. ومع ذلك صدقناه وصفقنا طويلا وبحرارة منقطعة النظير، حتى عندما وضع رجال عبد الناصر في السجن في مايو 1971. وقتها خرجت المظاهرات تؤيده وصفقت له كل فئات الشعب، وقتها قام الرئيس بمغازلة مصر كلها. بإلغاء فكرة زوار الفجر، ومنع التنصت، وفي حركة مسرحية بالغة التأثير قام بحرق مجموعة رمزية من الشرائط المسجلة التي لا نعرف محتواها وسط تصفيق رجاله.
غير أن تأثرنا بكلمات وخطابات الرئيس السادات، لم يطغ تماما على كاريزما صوت وخطابات عبد الناصر، فاختصر من السادات من تلقاء نفسه ساعات الخطب. وتقلصت ساعات الخطاب إلى ساعة وأقل .
وبعد النصر زادت شعبيته، وقللها اختياره للسلام الذي أنكره العرب ثم عادوا ومارسوه، وتبادلوا العلاقات مع إسرائيل دون ثمن يذكر.
وجاء الرئيس مبارك في ظروف حزينة، فقلل من خطاباته التي تكن يوما ما حماسية. وليس فيها جديد، وظل يخطب في المناسبات ونصفق له بدون حماس، حتى قامت ثورة يناير2011. و30 يونيو2013. فتلاشي تماما التصفيق للرؤساء. سيتوقف طويلا أمام ثورة، غير أننا توقنا كثيرا أمام شجاعة الرجل التي أطاحت بجماعة الإخوان، ولفتت نظرنا كلماته البسيطة المرتجلة.
كانت كلماته المرتجلة تأتي في مناسبات قومية. في افتتاح مشروعات اقتصادية كبرى، نقلت مصر خلال سبع سنوات من مرحلة التوقف التام، إلى مرحلة الديناميكية والحركة.
كان كلمات الرجل المرتجلة والصادقة، من مكان جلوسه، وليست خلف منصات عالية. كما كان يفعل الرؤساء قبله. ترسم بوضع أهدافه التي يعلنها في كل مناسبة، وهي وضع مصر في مكانها الصحيح. لم تكن هناك جماهير غفيرة لتصفق للزعيم، كما كان يحدث من قبل، فقد انهمك الناس في أعمالهم، وتحول الشعب إلى العمل. كل في مجاله.
غير أنه لفت نظري احتداد الرئيس في ثلاث مواقف. كان يجب يحتد فيها. وأيدناه وقتها.
الأول. عندما أنه أعلن بوضوح في فبراير 2019، خلال كلمته في مؤتمر تدشين رؤية مصر 2030″، أنه لن يسمح بالمساس بتراب مصر، قائلا: قسما بالله اللي هي قرب من مصر هشيله من على وش الأرض. وكانت وقتها تحضيرات للعودة أغلى مهارات الإخوان.
الثانية: في أغسطس 2020 عندما أعلن أن "سرت- الجفرة خط أحمر" خلال زيارته للمنطقة الغربية العسكرية، بحضور قادة الجيش المصري . وقتها كانت فوهات بنادق الإرهاب وقوافلهم تنتظر إشارة البدء للتحرك نحونا، بعد تصريح الرئيس تهدلت بنادقهم، وتراجعت كل كلمات التهديد وحل محلها سلام. والآن بعد عام أصبح الليبيون يحكمون أنفسهم وبدأ خروج الإرهابيين منها. وقتها كانت مصر تتعرض لتهديد إرهابي على حدودها الغربية.
والثالثة: في 29 مارس 2012. بسبب تعنت الأثيوبيين في موضوع مياه نهر النيل. وكان ذلك على هامش زيارته لقناة السويس يوم 29 مارس 2012، عندما أعلن بهدوء ووضوح لا لبس فيه أنه "لن يستطيع أحد سلب نقطة مياه واحدة من مصر، ولا أحد بعيد عن قدراتنا". في اليوم التالي تحول الموقف الأثيوبي وطالبوا بالمفاوضات.
في كل مرة من تلك المرات السابقة، كنا بحاجة إلى أن نطمئن من رئيسنا، ونسمع منه ما يبعث فيها روح نشتاق إليها، وإن كنا لا نلجأ إليها. ولكن نحتاج إليها فقط لنهدأ ونطمئن.