رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل بات العنف أسلوب حياة؟!


للأسف، فإن المتابع مواد صفحات الحوادث المتخصصة مؤخرًا، يحزنه أنها باتت محتشدة بالجرائم العنيفة، الممزوجة بالدم والعنف، والمتسمة أحيانًا بالفجور والبشاعة والعصية على التصديق فى تفاصيلها وكواليسها.
نتابع إحداها، على سبيل المثال، قتل مواطن قريبه فى بنى سويف رميًا بالرصاص بعدة طلقات نارية، بسبب «بوست» على الفيسبوك، فلم يتخيل أهالى القرية البسيطة التى يقطن بها الجانى والقتيل، أن السوشيال ميديا التى أطلت برأسها على الريف يمكنها تقود أحدهم لجريمة قتل، بمجرد أن تحدث شخص عن آخر عبر السوشيال ميديا، ليكون الانتقام سريعًا وجاهزًا، وتتحول المعركة من التلاسن عبر «ضغطة زر» على الكميبوتر لـ«ضغطة زناد» بندقية آلية.
ذكر لنا تعريف بربارا ويتمر Barbara wetmer للعنف بأنه «خطاب أو فعل مؤذ أو مدمر يقوم به فرد أو جماعة ضد أخرى»، ويرى أن العنف موجود داخل الذات البشرية ومع وجود العقل كحائل دون أن ينجر نحو حيوانيته، لذلك يلجأ الناس إلى تقديم مبررات إما لإيهام النفس أو الغير على صدق ما يقومون به.
لم يرتبط العنف بالعادات والتكنولوجيات فقط، بل نجده فى الفن والأدب الإنسانى، فمنذ القدم كان العنف فى الأساطير الفرعونية والميثولوجيا اليونانية وغيرها من الحضارات الإنسانية فى وصفها لذلك الصراع الدائم بين الخير والشر وحالات العنف من قتل وبتر وغير ذلك. نجد أن الشعر العربى ملىء بالأبيات الشعرية التى تدعو للعنف وتبرر استخدامه، ومن هذا فالتاريخ لم يخل يومًا من العنف سواء فى حالات السلم أو الحرب.
للأسف، العنف قد بات الملاذ الأخير عند البعض.. ربما تكون ثقافة العنف قد صارت أسلوب حياة يمارسها المجتمع أحيانًا من خلالها طقوسه الاجتماعية اليومية عبر تكريس أنماطها المختلفة وتجعله متقبلة بل ومطلوبة بشكل أو آخر، منها أسطورة البطل بشكلها السلبى على سبيل المثال، وتاريخ الشعوب وتراثها القائم على تمجيد العنف أكثر من الداعمة للسلام والتسامح للأسف.
ولكن ثمة رؤى فكرية يرى أصحابها أن العنف سلوك غريزى مستمد من وجود صراع على البقاء والسيطرة ومحاولة التماهى مع التغيرات الزمانية والحضارية، ويشكل ذلك كيانات معنوية فكرية ومشاعر عاطفية تحول غرائز العنف إلى صور ورموز وقصص وبطولات جذابة هى فى حقيقتها دوافع عدوانية أو سلوك عنيف.
ويمكن للعنف الأسرى أن يكون عنفًا جسديًا كالضرب أو الدفع، أو نفسيًا كالسب والشتم أو المراقبة أو الحبس فى المنزل أو التهديد بالعنف أو التكبر على الضحية وإذلالها، أو جنسيًا كالتحرش الجنسى أو الاغتصاب أو إجبار الشريك على أشكال معينة للجماع، أو اقتصاديًا كحرمان أحد أفراد الأسرة من الحصول على المال أو منعه من العمل كى لا يستقل ماليًا أو سلبه أمواله الخاصة.
ومعلوم أن العنف الأسرى يؤدى فى النهاية إلى تبعات ومضاعفات سلبية كارثية على الفرد، سواء من الناحية النفسية أو الجسدية، ومن ثم على الأسرة وعلى المجتمع.
ويؤكد العديد من مراكز البحوث والدراسات الاجتماعية أن أهم تبعات ممارسة العنف بكل أشكاله الشعور بالقلق والاضطراب، نتيجة الهيجان الداخلى وعدم الحصول على قدر كافٍ من الحنان والأمان والمحبة، والمعاناة من حالات الاكتئاب والانطوائية والعزلة نتيجة التعرض للاحتقار والتهميش، وفقدان الثقة بالنفس وتقليل الاحترام للذات نتيجة كثرة التقريع التى تفقد الجرأة على إبداء الرأى والتعبير عن النفس أمام الآخرين.
كل هذا فى النهاية يدفعنا للتأكيد على الاعتقاد بأهمية التعامل مع ما يمكن تعريفه بــ«ثقافة العنف»، فهى سلوكيات إنسانية مارسها البشر منذ بدء الخليفة وفقًا للكتب السماوية المقدسة، وأكد على تعريفها علماء النفس والاجتماع بدءًا من «العنف النفسى»، صعودًا إلى «العنف السلوكى» من الفرد إلى الجماعة إلى الدولة، والذى نطلق عليه «الحرب».
ولأن «الحرب أولها كلام» كما حذرنا «نصر بن سيار» منذ عشرات الحقب والقرون، ينبغى ألا ننسى أبيات الشاعر الكبير الراحل صلاح عبدالصبور تنبيهه لخطورة الكلمة.. «ولأنك لا تدرى معنى الألفاظ/ فأنت تناجزنى بالألفاظ/ اللفظ حَجَر/ اللفظ منيّة/ فإذا ركّبت كلامًا فوق كلام/ من بينهما استولدت كلام/ لرأيت الدنيا مولودًا بشعًا/ وتمنيت الموت/أرجوك../ الصمت../ الصمت!».
وفى النهاية لا بد من إبداع ونشر ودعم منظومة ثقافية مضادة للعنف، نواجه بها ثقافة العنف السائدة جنبًا إلى جنب مع العمل الدءوب على تحسين كل الظروف التى تفرخ العوامل المؤدية لانتشار العنف لدى قطاعات المجتمع.