رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى وداع سفير الفن القبطى




رحل عن عالمنا بداية هذا الأسبوع الفنان «عادل نصيف» صاحب الفرشاة المبدعة، والجداريات والأيقونات الدينية، الذى طاف فى العديد من عواصم العالم يضعها على جدران كنائسها ومتاحفها ومعارضها، مبشرة ومؤكدة على فهم ورؤية جديدة لمبدعها، لأن الفن القبطى، كما كان يراه فناننا المصرى العالمى، ظل عبر التاريخ فنًا شعبيًا، يمارسه الشعب بعيدًا عن الإدارات العامة والحكومية وبأموال بسيطة، دون دعم منها ولذلك تميز بالبساطة والزهد فى التكاليف، والمسيحيون لم يمارسوا سلطة سياسية طوال تاريخهم.
الفن المسيحى، كما كان «نصيف» يراه، لا يبالى بقواعد الواقعية والمنظور، بل إنه يرسم روح الشخصية ويبتعد تمامًا عن الواقعية، وتحتفظ الأيقونة القبطية بالحجم الأكبر فى النسب للشخصية الأساسية مثل المسيح والقديسين وباقى الشخصيات أصغر حجمًا وهذا امتداد للفن المصرى، إذا كان الفن قادرًا على التعبير وتوصيل القيم والمعتقدات، فهو إذن يسهم مساهمة فعالة فى تشكيل مضمونها وغرسها فى الأفراد، وتوجيهها فى أى اتجاه يرغب به من يبدعها.
وعليه إذا كان العلم قد تعامل مع الواقع المادى وطوره فى صالح الإنسان، فإن الفن قادر على تطوير ثقافة الإنسان وقيمه وإعادة صياغة منظومة القيم السائدة فى المجتمع. وهذا يعنى إعادة بناء الوعى الذاتى، وتطوير البعد الاجتماعى للفرد أو للمجتمع بشكل عام. فلو نظرنا مثلًا لمنظومة القيم السائدة فى أوروبا فى العصر الوسيط؛ سنجد أن الأساس الذى قامت عليه كان دينيًا، فتم توظيف الفنون فى خدمة المعتقد السائد وقيمه.
وفى إطار نشر تلك المفاهيم التى آمن بها «نصيف»، لن أنسى توجيه نيافة الأنبا مكاريوس، أسقف عام المنيا، للفنان الكبير الراحل- وهو صاحب أشهر الجداريات الكنسية بالعديد من العواصم الأوروبية، وعضو العديد من لجان التحكيم العالمية، ورافع شعار «لا لفرنجة الفن القبطى ولا لبرنيطة زائفة مشوهة لروعة وأصالة فنوننا القبطية المصرية»- لإلقاء محاضرة تنويرية حول التراث القبطى على أرض المنيا بصعيد مصر بمطرانية المنيا.
رائع أن يبادر ذلك الأسقف المستنير لسماع وجهة النظر الأخرى لتصويب العلاقة بين الكنيسة ومفاهيمها التقليدية النمطية عن الفنون القبطية، ليجلس ومعه حشد من رجال الإكليروس والعلمانيين بالإيبارشية لمتابعة حصة مهمة من حصص التربية الفنية ويدخلون فى حوار رائع مع المحاضر بريادة ذلك الأسقف القدوة.. والملحوظة الأروع حول ذلك اللقاء أن نسبة الحضور من النساء الصعيديات هائلة ومثلت الأغلبية.
حرص فناننا المحاضر على تقديم مقترحات للمساعدة للحفاظ على الهوية والفنون القبطية، وفى وداعه أود التذكير ببعضها، فهى بعض منه:
- الدفع بالمتخصصين للتحدث والشرح للإكليروس والشعب وإظهار عظمة وأهمية وروعة تراثهم وتميزه بقصد إزالة إحساس الدونية والنقص وعدم الثقة فى هويتهم.. ونتيجة لتلك الأفكار المغلوطة يروجون لنشر الفن الغربى اعتقادًا منهم أنه الأفضل.. وتلك كارثة.
-تشكيل لجنة تهتم بشئون العمارة والفنون، على أن تكون من ضمن لجان المجمع المقدس وتكون توصياتها ملزمة بخصوص ما يستجد من معمار.. على أن يكون التنسيق كاملًا بين الفنانين والمعماريين من بداية العمل.. ويعد تقرير مكتوب تسلم منه نسخة للمكان والنسخة الأخرى تكون بالبطريركية.. ولا يزيد العدد على 5 أو 7 أشخاص من المتخصصين المؤمنين بقيمة الفن القبطى.
-الاهتمام بخصوصية وقيمة الفنون القبطية فى دروس مدارس الأحد حتى يتشبع الأطفال بفنهم وتراثهم، وأيضًا بالاعتماد على الأيقونة القبطية عند تقديم الهدايا باسم الكنيسة أو البابا والأساقفة بالداخل والخارج.
- الاهتمام بجودة الفنون القبطية من حيث الخامات والرسم والعمل على جذب الفنانين المبدعين للاهتمام بالأيقونة، لأنها الفن السهل فى الرؤية والصعب فى التنفيذ، حيث يحتاج إلى تمكن لتلخيص الأشكال دون تشويهها. - إقامة معارض للأيقونات والفنون القبطية بهدف الدفع بالمواهب الشابة ودعمها.
- تقديم الفن القبطى على المستوى العالمى بالتبادل بين الكنائس من خلال محاضرات أو ورش لفن الأيقونات وتقدم الكنيسة أفضل ما عندها للتأكيد على اعتداد الكنيسة القبطية بتراثها العظيم الخالد لكى يعرف العالم قيمته وحضارته.
- الاهتمام بالعمارة القبطية الأصلية التى تتميز بالروحانية وبالتجديد والابتكار ومراعاة ظروف الجو فى مصر- فليس معقولًا أن تزداد فتحات النوافذ فى تقليد لا يتناسب مع شدة الضوء ودرجة الحرارة لدينا، وأن تكون الإضاءة بالكنيسة بسيطة للتأكيد على الإحساس بالروحانية، كما فى الكنائس بالأديرة بسيطة وروحانية.
-إضافة مادة للفن القبطى والعمارة القبطية على الدارسين بالكلية الإكليريكية، ليكون لديهم الوعى فى الحفاظ على الهوية والتراث عند رسامتهم كهنة.
فى عام 2017 اختير عادل نصيف لتحكيم المسابقة العالمية لفن الأيقونة الأرثوذكسية بمشاركة 18 دولة و70 فنانًا بأثينا فى اليونان، وقدم العديد من الجداريات لرحلة العائلة المقدسة لمصر «بالزقازيق 38 مترًا مربعًا، بمرسى مطروح 12 مترًا وبارتفاع 4 أمتار»، وبالخارج «بباريس 10 أمتار وبارتفاع 3.5 متر، بنيويورك 13 مترًا وبارتفاع 2 متر، وبكندا بميسوساجا 6 أمتار وارتفاع 4 أمتار، وبأمستردام هولندا 5 أمتار وبارتفاع 4 أمتار»، وأيضًا بالأيقونات لتقديم واجهة مصر وحضارتها، من خلال هذا الموضوع المتميز لمصر، وله العديد من الأعمال داخل مصر وخارجها.
الفن قادر على تطوير ثقافة الإنسان وقيمه وإعادة صياغة منظومة القيم السائدة فى المجتمع