رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أنياب شبكات التواصل




مجزرة قامت بها شبكات التواصل الاجتماعى ضد حسابات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وحملته الانتخابية ومؤيديه، مع أنها لم تقترب من حسابات الرئيس التركى أو الإيرانى أو رئيس الوزراء الإسرائيلى أو قيادات جماعة الإخوان وتنظيمى داعش والقاعدة، ومئات الآلاف من الحسابات التابعة والداعمة، لتلك التنظيمات الإرهابية وغيرها.
شبكات التواصل الاجتماعى توحّشت، وظهرت أنيابها ومخالبها، بعد أن تحولت، حرفيًا وليس مجازًا، إلى مستنقعات ومنصات للتحريض على العنف والكراهية. ولعلك تتذكر أن «أبوبكر البغدادى»، زعيم تنظيم داعش شخصيًا، ظهر قبل أن يذهب إلى الجحيم بقليل، فى مقطع فيديو على «إنستجرام»، ثم على «فيسبوك» و«تويتر». كما أن عددًا غير قليل من الإرهابيين، الذين يحملون الجنسية المصرية، لم يتوقفوا عن نشر تدوينات، وتغريدات ومقاطع فيديو، تتضمن تحريضًا مباشرًا على القتل.
نذكرك، لو كنت نسيت، بمقطع فيديو، لا يزال متداولًا، يحرض فيه المدعو محمد ناصر على قتل ضباط الجيش والشرطة المصريين. ولم يعد هناك أدنى شك فى أن شعوبًا كثيرة عانت، وما زالت، من أزمات سياسية، بسبب تلك الشبكات، التى كان لها الدور الأكبر فى نشر الشائعات، والأخبار الكاذبة، والصور والفيديوهات المفبركة طوال السنوات الماضية. وليس سرًا أنها لا تزال تبيع إعلانات لجهات خارجية معادية، تتناول شئوننا الداخلية.
مقابل حذف حساب الرئيس الأمريكى بشكل نهائى، قامت شبكة «تويتر» بحجب تغريدة واحدة من حسابات المرشد الإيرانى على خامنئى، باللغات الإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية والعربية، تشكك فى اللقاحات الأمريكية والبريطانية المضادة لفيروس «كورونا المستجد»، ووضعت مكانها عبارة «لم تعد هذه التغريدة متوافرة لأنها خالفت قواعد تويتر». والنكتة، أن موقع تويتر، المحجوب رسميًا فى إيران، عليه حسابات موثقة لعدد من كبار المسئولين الإيرانيين، أبرزهم الرئيس حسن روحانى ومحمد جواد ظريف، وزير الخارجية!
صيغة التعامل الأمريكية الرسمية مع شبكات التواصل الاجتماعى، اختلفت منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ليس فقط بسبب ما أشيع عن الاستخدام الروسى لها، فى التأثير على نتائج انتخابات ٢٠١٦ الرئاسية، ولكن أيضًا لأن الرئيس الأمريكى كان يعتمد بشكل أساسى على حسابه فى «تويتر»، للترويج لجدول أعماله وإعلان سياساته وقراراته ومهاجمة منتقديه، فى إطار ما يعتبره استغناءً عن وسائل الإعلام التقليدية التى تناصبه «أو يناصبها» العداء.
بعد شهرين من توليه الرئاسة، تحديدًا فى ١٦ مارس ٢٠١٧، اعترف ترامب بفضل شبكة «تويتر» فى وصوله إلى السلطة. وقال لقناة فوكس نيوز: «لولا تويتر لما كنت هنا». لكن سرعان ما بدأ يهاجم الشبكة وكل شبكات التواصل ويتهمها بأنها تمارس تمييزًا ضد الجمهوريين. وحاولت إدارته تجريد تلك الشبكات من الحماية، التى توفرها المادة ٢٣٠ من قانون تنظيم الاتصالات الأمريكى، التى نصت على عدم مسئوليتها عن المحتوى الذى ينشره مستخدموها.
بالفعل، قام ترامب فى مايو الماضى، بتوقيع أمر تنفيذى يهدف إلى إلغاء بعض جوانب تلك الحماية، ويفتح المجال أمام ملاحقة شبكات التواصل قضائيًا. وهو ما نراه منطقيًا، بعد أن جعلت تلك الشبكات من نفسها طرفًا فى المحتوى، ومنحت لنفسها حق الرقابة على المحتوى. وبالتالى، صار عدم قيامها بحذف أى محتوى إقرارًا منها بأنه يتفق مع معاييرها وضوابطها.
بعد أن واجهت انتقادات واتهامات عديدة، يتعلق بعضها باستغلال بيانات المستخدمين سياسيًا، وركز بعضها الآخر على المحتوى الذى يحض على الكراهية، قامت شركة «فيسبوك» بتشكيل «مجلس حكماء»، أو فريق رقباء، للبت فى المحتوى، وضمت الدفعة الأولى من أعضاء هذا المجلس، أو الفريق ٢٠ عضوًا، من بينهم اليمنية توكل كرمان، التى تم استعمالها فى تخريب بلدها، وشاركت فى تخريب دول أخرى، وقامت بتأسيس كيان إرهابى اسمه «المجلس العربى للدفاع عن الثورات»، مع المعتوه التونسى منصف المرزوقى، والمرتزق أيمن نور، وغيرهما من قيادات الجماعات الإرهابية وعملاء أجهزة مخابرات دول عديدة.
فى يونيو الماضى، انطلقت حملة ضد شبكات التواصل الاجتماعى، كان أبرز مطالبها إنشاء مكتب دائم للحقوق المدنية داخل تلك الشبكات، والخضوع لمراجعات مستقلة لخطاب الكراهية والمعلومات الخاطئة، وإزالة المجموعات العامة والخاصة التى تنشر مثل هذا المحتوى. وكنوع من الضغط، أوقفت شركات دولية كثيرة إعلاناتها على تلك الشبكات، بشكل مؤقت، من بينها شركة الأزياء الشهيرة «ليفى شتراوس»، التى طالبت بـ«عدم تضخيم المعلومات الخاطئة، ووقف خطاب الكراهية والتعامل بشكل أفضل مع الإعلانات السياسية».
.. وأخيرًا، قد تظهر منصة خاصة بـ«ترامب»، فى المستقبل القريب، كما وعد أو تعهد. ونرى ضرورة أن يكون لنا نحن أيضًا، المصريين أو العرب، منصتنا الخاصة، وأن تقوم الشركات المصرية، العامة والخاصة، بوقف إعلاناتها، فى المنصات أو الشبكات القائمة، حتى تقوم بتطبيق معاييرها، وسياساتها وقواعدها، على ما يخصنا من «هبد» الهابدين، البلهاء، العملاء والإرهابيين.