رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أطفالنا فى زمن الجائحة



نعم، لا ينكر إلا جاحد الجهود الهائلة المبذولة من جانب كل قطاعات الدولة المعنية بشئون رعاية أطفالنا وحمايتهم من ويلات تبعات فيروس كورونا اللعين، ولعل أبرزها ما بذل قبل هبوط شبح «كورونا» على أرض الكنانة عبر الذهاب الجاد والعملى بخطوات مهمة لتطبيق آليات «التعليم عن بُعد»، وتوزيع أجهزة «التابلت» وإمداد المدارس بوصلات إلكترونية وتحميلها بموسوعات معرفية إلكترونية عالمية كمرجعية معلوماتية شاملة، بالإضافة لتخصيص قنوات تليفزيونية تعليمية تقليدية رصينة..إلى غير ذلك من مشاريع علمية وتربوية قام على إعدادها خبراء على قدر هائل من الخبرات العملية والمعارف الأكاديمية الحديثة.
وقد كانت لتلك الإنجازات، فى زمن سبق اجتياح عاصفة الجائحة الغادرة العالم وبلادنا، الدور الرائع فى المساهمة الفاعلة فى تجنيب فلذات أكبادنا أخطار ممارسة العملية التعليمية فى تجمعات هائلة يصعب معها وقف انتقال العدوى بينهم، ثم بالتالى إلى أهاليهم ومجتمعاتهم الأخرى فى النوادى وبيوت العبادة والشوارع والمتاجر وغيرها.
ولكن، معلوم أن الجائحة فى دورتها الأولى كانت- وفق توصيف الجهات العلمية- أقل تأثيرًا على الأطفال وفى حدود وطاقة وقدرات أجهزتهم المناعية، وهو ما ظهر فى إحصاء أعداد المصابين ومراحلهم العمرية، على عكس المتوقع من تبعات غزو الفيروس فى دورته الثانية التى ضمت الأطفال إلى قوائم المتوقع استهدافهم بانتقال العدوى إليهم، وقد تم بالفعل رصد حالات لأطفال أصابهم الفيروس وهم فى شهورهم الأولى.
وعليه، ومن جانبها، أطلقت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف» برامج دعم متعددة، قالت المديرة التنفيذية لـ«يونيسف»، هنرييتا فور: «إن عملنا المنقذ للحياة لتوفير الصحة والتعليم والتغذية والحماية للأطفال كان أكثر أهمية من أى وقت مضى»، ومع اقتلاع الملايين من الأطفال، وتضررهم من الحروب والموت لأسباب يمكن الوقاية منها، والخروج من المدرسة أو فقدان اللقاحات الأساسية، أصبحت الحاجة إلى الدعم أكبر من أى وقت مضى.
وقد استدعى الأمر أن تناشد الـ«يونيسف» الجهات المانحة أن تقدم ٦٥١.٦ مليون دولار لتوسيع نطاق استجابتها لفيروس كورونا، ما يسمح للصندوق بتوفير معلومات منقذة للحياة حول غسل اليدين والتعقيم، وتوريد معدات الحماية الشخصية والأقنعة والنظارات الواقية والقفازات، وتوزيع مجموعات التعليم فى حالات الطوارئ، وعرض فرص التعلم عن بُعد ودعم الأطفال المتأثرين بالإرشاد النفسى والاجتماعى.
نعم، الإرشاد النفسى والاجتماعى هو ما دفعنى لكتابة تلك السطور، فلو- لا قدر الله- كانت الغزوة الكورونية الثانية على هذا القدر المتوقع من الشراسة وسرعة الانتشار، فإن ذلك الواقع المؤلم يطرح بقوة ضرورة أن نتحسب ونكون جاهزين بخطط علمية وبوعى هائل لدرء المخاطر النفسية والاجتماعية التى من شأنها إيذاء وجدان ومشاعر وعواطف أطفالنا، وترك آثار وخيمة على أحوالهم ومستقبلهم يصعب مداواتها للأسف.
وعليه، أرى أهمية شحن الوعى الجماهيرى عبر كل وسائط الميديا بحملات لا تقل إلحاحًا ولجاجة من حملات التوعية بدور الكمامة وغيرها من إجراءات احترازية.. دور البيت قبل وأثناء وبعد التعرض لتبعات تلك الجائحة الماكرة بات ضرورة، وكذلك دور المدرسة والنادى والمسجد والكنيسة وكل المواقع التى تشهد تجمعات أطفال.
وفى هذا الصدد تعالت أصوات الخبراء فى أجهزة مختلفة فى الأمم المتحدة تناشد الأسر فى كل مكان، والقادة على جميع المستويات: «احموا أطفالنا»، ويؤكدون أنهم بصدد إصدار تقرير يسلط الضوء على المخاطر التى يواجهونها نفسيًا واجتماعيًا.
يؤكد أساتذة علم النفس أن الطفل فى ظل معايشتنا لتبعات الجائحة معرض عند استرجاع ذكريات الأحداث «Flashback»، أن يعيش الحدث فى فكره وكأنه يعيش الحدث بشكل حيوى متكرر يعاد أمامه، الذى يكون بالطبع مخيفًا ويشعر الطفل بالرهبة.
إن طفل زمن الجائحة، عند تعالى شدتها وسرعة انتشارها، يكون مستفزًا ويقفز منتفضًا لأقل ضوضاء واستثارة بسيطة.. هذه الانفعالات أو الاستجابات قد تستمر لفترة طويلة وتؤثر على الفعاليات الاعتيادية اليومية للطفل بشكل كبير، وقد لا يستطيع التركيز على دروسه، ويجد صعوبة فى الاستمتاع بهواياته واللعب مع أقرانه.. وفى بعض الحالات تستمر هذه الاضطرابات مع الطفل إلى أن يكبر ويصبح شابًا.
نحن فى انتظار الإعلان عن برامج توعوية لحماية الصحة النفسية لأطفالنا استكمالًا لخطة الدولة الناجحة فى مواجهة ذلك الوحش اللعين.