رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السفير الأرمينى فى القاهرة: تركيا بلد لا يجلب معه سوى الدمار (حوار)

السفير الأرمينى كارين
السفير الأرمينى كارين كريكوريان

اتهم السفير الأرمينى فى القاهرة، كارين كريكوريان، تركيا بدعم أذربيجان عسكريًا وسياسيًا، واستغلال علاقاتها الوثيقة بجماعات الإرهاب والتطرف حول العالم فى جلب مرتزقة من سوريا وليبيا للقتال لصالح باكو.
وقال «كريكوريان» إن الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، يسعى من وراء تدخله العسكرى فى الصراع بين أرمينيا وأذربيجان إلى تحقيق أى انتصار يغطى به على خسارته نفوذه فى إفريقيا وشرق المتوسط.
وندد بخطابات الساسة والعسكريين الأذريين، متهمًا إياهم بتنشئة الأجيال الشابة على فكرة الاستيلاء على إقليم «ناغورنى قره باغ»، وإبادة سكانه الأرمن من خلال التطهير العرقى، على حد قوله.
■ هل لك أن تطلعنا على آخر مستجدات الوضع فى الإقليم؟
- التزمنا بإعلان وقف النار المؤقت، لكن هناك خروقات كثيرة من الجانب الأذرى، لذلك تتولى قواتنا الرد على تلك الخروقات.
نحن دائمًا منفتحون على الحوار، كما أننا بحاجة إلى جهود المجتمع الدولى بأسره لوقف هذه الحرب، لذلك قبلنا وقف إطلاق النار من أجل تبادل الجثث والأسرى، والتزامنا بها يتوقف على مدى التزام الجانب الأذرى.
وأود أن أشير إلى أنه لا يوجد سوى إطار عمل واحد معترف به دوليًا للتعامل مع النزاع، وهو الرئاسة المشتركة لمجموعة «مينسك» التابعة لمنظمة الأمن والتعاون فى أوروبا، فهى المعنية فى الأساس بوقف هذا الصراع، والدول المشاركة فى رئاسة «مينسك»، روسيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.
وفى الوقت ذاته أؤكد تقديرنا جهود المجتمع الدولى لوقف الأعمال العسكرية، وهنا ينبغى التأكيد على أن كلًا من «قره باغ» و«أرمينيا»، كانا دائمًا من المؤيدين لحل الصراع عن طريق المفاوضات السلمية حتى فى أوقات الحرب.
ويجب أن نتذكر أن الهدف الأساسى من وقف إطلاق النار هو استئناف المحادثات السياسية من أجل الوصول إلى حل سلمى، وهذا ما تمت مناقشته فى روسيا مع وزير الخارجية الأذربيجانى.
وإجمالًا الوضع على الأرض مأساوى، فالأطفال يختبئون فى الملاجئ خوفًا من القصف المدفعى، ويقف آباؤهم بحزم ضد العدوان الأذرى فى خط المواجهة.
■ ما المعوقات التى تعطل الوصول لوقف شامل لإطلاق النار؟
- هناك عقبة كبيرة أمام المفاوضات فى روسيا، فهناك وجود لقوات تركية ومرتزقة فى المنطقة، لذلك يجب سحب هذه القوات لأنها تسببت فى خرق قرار وقف إطلاق النار حين شنت هجمات على مواقع جيش «قره باغ» وقصفت البنية التحتية فى أرمينيا.
كما أن تصريحات القيادات الأذرية والتركية تقول صراحة إن المفاوضات لا معنى لها، وإنهما قادران على حل النزاع بالقوة، لذلك فجمهورية «ناغورنى قره باغ» طرف مدافع، وبالتالى إذا بادر جيشها بإلقاء السلاح كما تريد أذربيجان فسيتم ذبح السكان الأرمن أو نفيهم.
■ لماذا تجددت المواجهات العسكرية بين أرمينيا وأذربيجان بالأساس؟
- أذربيجان لم تُخفِ أبدًا هدفها الاستراتيجى المتمثل فى حل نزاع «ناغورنى قره باغ» باستخدام القوة، وإبقاء التوتر مرتفعًا على طول خط التماس بيننا، كما أن خطابات الساسة والعسكريين فى العاصمة الأذرية «باكو» تحرض دائمًا على الكراهية والعنف ضد الأرمن.
لذلك نشأت عدة أجيال مفتونة بفكرة الاستيلاء على «ناغورنى قره باغ»، وإبادة سكانها الأرمن من خلال التطهير العرقى، علاوة على ذلك، ستندهش من إعلان الزعيم الحالى لأذربيجان أن «يريفان»، عاصمة أرمينيا، هى أرض لأجدادهم، فمثل هذه التصريحات المضحكة تثير استياء مواطنينا، كما أنها دليل واضح على سعى أذربيجان التوسعى.
نخوض حربًا ضد أذربيجان وتركيا، لأن سياسة أنقرة اليوم تجاه أرمينيا تشبه إلى حد بعيد السياسة العثمانية قبل قرن من الزمان، إضافة إلى طموحات «أردوغان» التوسعية بسبب خسارة تركيا مؤخرًا بعض المواقع فى شمال إفريقيا وشرق البحر الأبيض المتوسط، وهو ما يمثل ضربة لصورته فى الداخل والخارج، لذلك يسعى بكل السبل إلى تشتيت انتباه العالم.
تركيا تسعى لتحقيق انتصارات والحصول على موارد جديدة فى منطقة أخرى، وأعتقد أنه من دون الدعم السياسى والعسكرى غير المشروط من جانب تركيا لما تجرأت أذربيجان على شن حرب يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة على المنطقة بأسرها.
■ لكن أذربيجان لديها ٤ قرارات أممية بخصوص انسحاب القوات الأرمينية مما تصفه بـ«المناطق المحتلة».. كيف ترى ذلك؟
- شكرًا على سؤالك.. هذا جزء من الدعاية الأذرية، لذلك يقول المسئولون فى «باكو» إن أرمينيا تحتل ٢٠٪ من أراضيها، وإن أرمينيا لا تطبق قرارات مجلس الأمن الدولى بالانسحاب، هذا هو الفرق بين نهج جمهورية «ناغورنى قره باغ» وأذربيجان، فبالنسبة للأرمن الذين يعيشون هناك تعتبر «قره باغ» وطن الآباء المقدسين، لكنها بالنسبة لأذربيجان مجرد أرض.
الأرمن سكنوا إقليم «ناغورنى قره باغ» منذ آلاف السنين، وبالمناسبة طوال هذه الفترة شكّل الأرمن هناك غالبية ساحقة، لكن السؤال الجيد هنا هو: كيف تخلق أذربيجان عدوًا لها؟ ونحن لدينا مجموعة «مينسك» التابعة لمنظمة الأمن والتعاون فى أوروبا أيضًا لفض هذا النزاع، فالوضع النهائى لـ«ناغورنى قره باغ» لم يتم تحديده بعد، لذلك لماذا يتحدثون عن وجود احتلال لأراضيهم؟
أما بالنسبة لقرارات مجلس الأمن الدولى أرقام ٨٢٢ و٨٥٣ و٨٧٤ و٨٨٤، التى يذكرها دائمًا الممثلون الرسميون لأذربيجان، فى هذا السياق، لسوء الحظ فإن قلة من الناس فقط من يقرأون هذه الوثائق، فالحقيقة أن القرارات لا علاقة لها بما تدعيه أذربيجان.
كانت وثائق ظرفية تم تبنيها بشكل خاص فى عام ١٩٩٣، لذلك لا يمكن اعتبارها أساسًا لحل النزاع، خاصة بعد إبرام اتفاق وقف إطلاق النار فى عام ١٩٩٤.
وقد ورد ذكر جمهورية أرمينيا فى نصوص القرارات فى سياق نفوذها على «ناغورنى قره باغ»، ولا توجد التزامات مفروضة على مسئولينا فيما يتعلق بالأعمال العسكرية أو تحركات القوات.
ولا تشير القرارات الأممية إلى أراضى جمهورية «ناغورنى قره باغ»، ولكن فقط إلى المنطقة الأمنية المحيطة بها، لذلك فإن التفسير الانتقائى للقانون الدولى هو أداة تقليدية للدبلوماسية الأذرية.
■ هل يمكن أن تحدثنا بشكل أكبر عن دور تركيا فى هذا الصراع؟
- دور تركيا فى الصراع هو سبب مهم للتطورات الحالية بكل تأكيد، وهو دور له جذور أعمق وتاريخ من العداء، لذلك ينبغى هنا ذكر التصريحات التركية الرسمية المؤيدة لأذربيجان التى أطلقها قادة عسكريون وساسة أتراك، إلى جانب الزيادة الكبيرة فى حجم المشتريات العسكرية لأذربيجان من تركيا.
ومع ذلك، ولفهم الحرب الحالية، يجب أن نتذكر تطلعات العثمانيين الجدد لتركيا، فمن الواضح أن أنقرة الرسمية مستعدة لإعادة إنشاء الإمبراطورية العثمانية وارتكاب إبادة جماعية جديدة للأرمن، على غرار ما فعله أجدادهم خلال الحروب التى شنتها تركيا ضد أرمينيا بعد الحرب العالمية الأولى، وعمليات التطهير العرقى المتعددة التى ارتكبتها القيادة الأذرية فى الثمانينيات والتسعينيات ضد مواطنينا.
وأود الإشارة إلى العلاقات والتحالفات التاريخية بين الأتراك والتتار «أجداد الأذريين واسمهم حتى ثلاثينيات القرن الماض»، كل هذا يوضح أن التحالف العسكرى السياسى التركى- الأذرى يهدف للقضاء على وجود الأرمن ليس فقط فى «ناغورنى قره باغ»، ولكن أيضًا فى أرمينيا.
وإجمالًا تركيا بلد لا يجلب معه سوى الدمار وزعزعة الاستقرار حيثما يخطو، ولا يمكن أن يكون له أى مهمة تاريخية فى أى منطقة.
■ هل يمكن الربط بين التصعيد العسكرى وأنابيب الغاز التى تمر بين أذربيجان وتركيا؟
- الحقيقة أنه لا توجد أى علاقة بين هذه الحرب وخطوط الغاز، ومع ذلك فإن المسئولين فى أذربيجان يحاولون استغلال حقيقة وجود هذه الأنابيب فى دعايتهم بأن أرمينيا قصفت خطوط الطاقة لكنها فشلت فى تدميرها.
وهنا أود أن أؤكد أن أرمينيا و«ناغورنى قره باغ»، لديهما قدرة عسكرية كافية لتدمير خطوط الطاقة الأذربيجانية، لكننا فى الوقت نفسه لم نحاول فعل ذلك أبدًا، علاوة على أننا لم نهدد بقصف هذه الخطوط على الإطلاق.
■ هناك أنباء عن مشاركة مرتزقة سوريين فى الحرب مع الجانب الأذرى.. ألديك معلومات تؤكد ذلك؟
- فى البداية كنا حذرين للغاية فى التعامل مع هذه المعلومات، لأننا نهتم بالمصداقية، ومع ذلك أشارت كثافة وحجم التقارير إلى وجود مصداقية تغلف هذه الأنباء.
ونحن أيضًا نقدم البراهين من الخطوط الأمامية حول ذلك، فحتى الآن أكد عدد كبير من الدول، بما فى ذلك الرؤساء المشاركون لمجموعة «مينسك» التابعة لمنظمة الأمن والتعاون فى أوروبا «روسيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية»- وجود مرتزقة من مجموعات إرهابية مختلفة فى أذربيجان.
هؤلاء المرتزقة استقطبتهم تركيا إلى جنوب القوقاز، من سوريا وليبيا وغيرهما من الدول، للقتال مع الجيش الأذرى ضد جمهورية «ناغورنى قره باغ»، لأن تركيا لديها علاقات قوية بالتنظيمات الإرهابية لذلك تلجأ إليها فى مثل هذه الحروب.
الحقيقة أن تركيا اليوم حاضرة فى الحرب بدعمها السياسى والعسكرى غير المشروط والهائل لأذربيجان، لذلك يجب ألا ننسى التدريبات العسكرية التركية الأذربيجانية المشتركة التى كانت تجرى قبل الحرب مباشرة، ومن هنا لا يمكن لتركيا أن تلعب أى دور فى عملية التفاوض.
■ فى المقابل تتهمكم أذربيجان بجلب عدد من المرتزقة من بعض الدول الأوروبية ومن سوريا أيضًا.. ما تعليقك؟
- هذا غير صحيح، ومن الصعب، بل من المستحيل، إثبات صحة ذلك، لأن أذربيجان فقط وأقرب حلفائها يتحدثون عن هذا الهراء، والحقيقة أن تركيا هى من جلبت المرتزقة إلى أذربيجان.
■ هل هناك احتمال لتدخل روسى فى هذه الحرب؟
- أرمينيا وروسيا هما أقرب الحلفاء، وتحالفنا تؤكده المعاهدات، فنحن وروسيا أعضاء فى اتفاقية دفاع مشترك، التى بدورها تحتوى على التزامات معينة من جانب الطرفين.
وفى الواقع العلاقات الأرمينية- الروسية لا تتعلق فقط بالمعاهدات، فنحن لدينا فترات من التاريخ المشترك، كما أن روابطنا الثقافية قوية جدًا، وبالتالى ليس لدينا سبب للشك فى حليفنا الروسى.
وكما ذكرت من قبل فإن روسيا هى رئيس مشارك فى مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون فى أوروبا، لذلك جرت مفاوضات وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية فى موسكو، فى الفترة من ٩ إلى ١٠ أكتوبر.
■ حصلتم مؤخرًا على اعتراف بمجازر الأرمن من عدة دول.. هل هذه بداية لمحاسبة تركيا على جرائمها التاريخية؟
- اعتراف المزيد والمزيد من دول العالم بالإبادة الجماعية للأرمن هو عملية إيجابية وطبيعية وحتمية، أما بالنسبة لتركيا فنحن نتحدث الآن فقط عن ضرورة اعتراف أنقرة الرسمية بالإبادة الجماعية.
وأحب أن أوضح أن خطواتنا واضحة فى هذا الاتجاه، ونسعى لانتزاع اعتراف كامل بهذه الإبادة، ولا تعنينا سياسة الابتزاز التقليدية لتركيا، التى لم تعد تجدى نفعًا، فالدول حازمة بما يكفى للاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن وتجاهل التهديدات التركية، وبالتالى تضيق مساحة المناورة المتاحة لأنقرة يومًا بعد يوم، ولهذا يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار هذا الظرف أيضًا لفهم الحرب الحالية فى الإقليم، واعتراف عدد من الدول بمذابح الأرمن.
■ هل تتوقعون اعترافًا قانونيًا بهذه المجازر؟
- فى الواقع لدينا اليوم ما نقول إنه «اعتراف كامل»، فجميع دول العالم اعترف بالإبادة الجماعية للأرمن بحكم الأمر الواقع، باستثناء تركيا وحلفائها، أما عن الاعتراف القانونى الكامل فإنه مجرد مسألة وقت.

يريفان
قلتم إن تركيا تريد إعادة الدولة العثمانية.. فهل ما يحدث فى شرق المتوسط وليبيا جزء من هذا الصراع؟
- بالطبع، ليس هذا فحسب، فنحن اليوم نرى عدوان تركيا فى شرق البحر الأبيض المتوسط وليبيا وسوريا والعراق وأرمينيا و«ناغورنى قره باغ»، كما أننا نشاهد ابتزازها الاتحاد الأوروبى والدول الأعضاء بقضية المهاجرين، إضافة إلى رعايتها وتدريبها وتجهيزها المنظمات الإرهابية والوجود العسكرى فى عدد من الدول الأخرى.
دور تركيا مزعزع للاستقرار ليس فقط على المستوى المحلى، ولكن أيضًا على المستوى العالمى، فقد أصبحت تشكل خطرًا على العالم بسبب دعمها التطرف والإرهاب، فكل هذه التطلعات من علامات التركية العثمانية الجديدة.



غدًا.. سفير باكو يرد على كل الاتهامات ويكشف آخر تفاصيل الحرب