رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الانتخابات الرئاسية الأمريكية وكورونا.. لمن الغلبة

أمريكا
أمريكا

يبدو أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020، ستكون على موعد للمقارعة والصراع مع تفشي وباء فيروس "كورونا" عالميًا، خاصة بعدما فشلت خطة بقيمة تريليون دولار طرحت في مجلس الشيوخ لدعم الاقتصاد الأمريكي الذي يعاني من تبعات انتشار فيروس "كوفيد 19" المستجد؛ والتي لم تحظ بدعم أي من الديمقراطيين، بينما تغيب خمسة جمهوريين عن الجلسة لخضوعهم لإجراءات الحجر المنزلي.

ومن هنا بدا أن "كورونا" ستكون أداة محورية في الصراع بين الديمقراطيين والجمهوريين، خاصة بعد انتقاد الحزب الديمقراطي لأداء الرئيس ترامب في مواجهة هذا الفيروس، وبالتالي رأى الديمقراطيون أن الخطة التي قدمها الجمهوريون لا تؤمن حماية كافية لملايين العمال الأمريكيين، ولا دعمًا كافيًا للنظام الصحي الذي يعاني من سوء تجهيز لمواجهة تفشي وباء "كوفيد- 19".

وتنص الخطة الأمريكية على تخصيص ما لا يقل عن 1.7 تريليون دولار لدعم العائلات الأمريكية وآلاف الشركات التي تعاني وضعًا اقتصاديًا صعبًا، أو اضطرت إلى الإغلاق. ورغم المفاوضات المكثفة بين الجمهوريين والديمقراطيين وإدارة الرئيس دونالد ترامب، لم تحظ الخطة سوى بـ47 صوتًا مؤيدًا مقابل 47 صوتًا معارضًا، في حين أن إقرارها يتطلب ستين صوتًا.

- مؤشرات قوية للصراع:
ثمة مؤشرات عديدة على تنامي الصراع بين الحزبين الرئيسيين في أمريكا، ولم تعد المواجهة منحصرة بين مرشحي الحزبين، إنما أصبحت "كورونا" أحد المحددات الرئيسية على طاولة المواجهة ومن تلك المؤشرات ما يلي:

أولًا: تبدل الانتقاد الذي كان يوجهه نائب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، لخصمه داخل الحزب الديمقراطي ساندرز، إلى مهاجمة قيادة الرئيس دونالد ترامب في طريقته لمعالجة أزمة انتشار فيروس "كورونا" المستجد.

وكان بايدن أعلن إلغاء التجمعات وإغلاق المدن، والاكتفاء بحشد الناخبين والدعوة لجمع التبرعات لحملته عبر الإنترنت، خاصة بعد تأجيل الانتخابات التمهيدية في عدد من الولايات، الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات بشأن تأثيرات أزمة "كورونا" على الاستحقاق الرئاسي الكبير المقرر في نوفمبر المقبل.

وقال بايدن ضمن سلسلة من التغريدات: "البيت الأبيض ليس مكانًا للتدريب أثناء العمل، وقد أوضحت معالجة دونالد ترامب لفيروس كورنا ذلك. نحن بحاجة إلى رئيس مستعد لإنهاء الفوضى التي أحدثها ترامب وتحمل المسؤولية وقيادة البلاد إلى الأمام منذ اليوم الأول"،وأضاف قائلًا: "في أوقات الأزمة، يستحق الأمريكيون رئيسًا يقول لهم الحقيقة ويتحمل المسؤولية، لعدة أشهر قلل ترمب من خطر هذا الفيروس".

وتكشف هذه التغريدات أن "كورونا" أصبحت أحد الأسلحة الانتخابية المهمة في أيدي منظمي حملة بايدن الانتخابية التي عارضت مساعي ترامب لإلقاء اللوم على الصين في تفشي الفيروس ووصفه بأنه "صيني"، وأشارت حملة بايدن إلى أن الرئيس ترامب وكبار مساعديه تجاهلوا التحذيرات المبكرة والمتكررة التي قدمتها أجهزة الاستخبارات الأمريكية حول "كورونا" وتأخروا في التعامل مع هذا الفيروس إلى أن انتشر داخل الولايات المتحدة بصورة رهيبة.

وكان بعض المحللين الأمريكيين قد انتقدوا بالفعل تأخر إدارة ترامب في التعامل مع الفيروس، حيث أفادت تقارير بأن الرئيس ترامب لم يكن يتوقع هذا التفشي الواسع لفيروس "كورونا".

ثانيًا: بدأ القلق يتسرب إلى الديمقراطيين من انتشار وباء "كورونا" على خلفية تأجيل العديد من الانتخابات التمهيدية في عدد من الولايات الأمريكية، حيث قامت سبع ولايات بتأجيل الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي من مواعيدها في شهري مارس وأبريل إلى شهر يونيو المقبل، وشملت ولاية أوهايو ولويزيانا ومريلاند وكنتاكي وكونتيكيت وإنديانا، كما أجلت ولاية جورجا انتخاباتها إلى 19 مايو مع النصائح بالتصويت عبر البريد.

ويخشى مراقبون أن يتسبب استمرار العزل الاجتماعي وإغلاق المدن، في إعاقة ترشيح جو بايدن المرشح الديمقراطي المتصدر السباق، ولذا طلبت اللجنة الوطنية الديمقراطية الأسبوع الحالي من الولايات عدم إعادة جدولة الانتخابات التمهيدية وبدلا من ذلك تطبيق نظام التصويت عبر البريد على الأقل خلال المدى القريب.

ثالثًا: الحالة التي تعاملت بها الإدارة الأمريكية مع فيروس "كورونا"، فبعد حالة الاستخفاف التي غطت على حملة الرئيس ترامب، والسخرية من حالة الانقسام في الحزب الديموقراطي لصعوبة اختيار مرشح يواجه ترامب، تغير الوضع جذريا منذ انتشار الإصابات بفيروس كورونا المستجد على الأراضي الأمريكية، وباتت الولايات المتحدة تعيش على وقع القيود المفروضة على السفر وإجراءات العزل، وتراجع اقتصاد أول قوة في العالم، وحل الخوف محل التفاؤل، وأجبرت مكافحة الوباء ترامب على قطع حملته الانتخابية والتخلي عن التجمعات التي كان يسود فيها الحماس بين مؤيديه.

ووفقًا لتقارير أمريكية، فإن الرؤساء الأمريكيين السابقين لم يشاركوا في قضايا الصحة العامة بالطريقة نفسها التي انغمس فيها الرئيس الحالي دونالد ترامب، في جهود مكافحة فيروس "كورونا" المستجد؛ حيث كانت هذه القضايا تُترك عادة للعاملين في الصحة العامة على مستوى الولايات.

أما ترامب، فقد أسس قوة مهام خاصة بمكافحة فيروس "كورونا"، ويقود جلسة الإحاطة اليومية الخاصة بها في البيت الأبيض، وقد وصف نفسه بأنه رئيس "لزمن الحرب" في مواجهة "عدو غير مرئي"، مسؤولًا عن مئات القتلى وآلاف الإصابات في الولايات المتحدة، حيث تستعد السلطات لتعزيز إجراءاتها لمكافحة الوباء، مع إنشاء مستشفيات ميدانية بشكل طارئ، تبلغ سعتها الإجمالية أربعة آلاف سرير.

وأغلقت كاليفورنيا ونيويورك - الولايتان الأكبر عدديًا في أمريكا - كل المحلات غير الأساسية، وأمرتا سكانهما بلزوم منازلهم، كما فرضت إيلينوي ونيوجرسي وكونيتيكت وبنسلفانيا ونيفادا قيودًا صارمة على سكانها.

وعلى الرغم من ذلك، فإن ترامب يواجه انتقادات من جانب عدد من المواطنين للرد الأول لحكومته على الوباء؛ حيث بدأ في بداية الأزمة وكأنه يقلل من حجم الخطر، مؤكدًا خصوصًا أن الفيروس ليس أخطر من الإنفلونزا الموسمية، وسيختفي في أحد الأيام.

ويرى مراقبون للشأن الأمريكي أن اهتمام ترامب غير العادي باتخاذ الإجراءات الاحترازية، جاء متزامنًا مع تصريحات لمنافسه "بايدن" بالتذكير بتجربته كنائب للرئيس باراك أوباما عندما شارك في مكافحة وباء إيبولا وتولى إدارة خطة لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي بعد الأزمة المالية في 2008.

يُشار إلى أن نائب الرئيس السابق جو بايدن والمرشح لمنافسة ترامب، حقق عودة كبيرة بفوزه في 19 من أصل 27 عملية اقتراع في إطار الانتخابات التمهيدية للحزب الديموقراطي التي تأثرت أيضا بوباء كورونا، وتمكن من لم شمل المعتدلين وتفوق على "الاشتراكي" بيرني ساندرز في السابق إلى
الرئاسة.

رابعًا: يرى محللون أنه في حالة استمرار أزمة "كورونا" من المرجح أن يتم تأجيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وفي هذه الحالة لابد من تشريع جديد لإقرار تلك الحالة ويستمر ترامب في الرئاسة لحين تسمح الظروف بإجراء الانتخابات.

الجدير بالذكر أنه حين يتوجه الناخب الأمريكي في الثامن من نوفمبر إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس جديد، فإنه عمليًا لا يختار رئيسه مباشرة، بل يمنح صوته لأحد المندوبين في الولاية التي يصوت فيها، وذلك لأن نظام انتخابات الرئاسة الأمريكية يعتمد على ما يُسمى بالمجمع الانتخابي، لذا فإن عملية الانتخابات الرئاسية تكون كالتالي: يصوت الناس، ثم يصوت الناخبون، ثم يقوم الكونجرس بفرز الأصوات، ثم يتولى رئيس جديد منصبه.

وستكشف الفترة القليلة القادمة سيناريوهات مشهد الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020، في ضوء تطورات ومستجدات فيروس "كورونا" المستجد.