رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثورة 30 يونيو.. و الاستراتيجية الإقليمية والدولية " 13"


للتدليل عـلى ارتباط حماس بقطر، يمكن الإشارة إلى الزيارة التى قام بها أمير قطر السابق للقطاع، والدعم المادى الذى قدمه إلى حماس متجاهلا الضفة الغـربية، والتذكير بمحاولة إقامة المنطقة الحرة التى سبق اقتراحها بين القطاع ومصر وتكون نواة لغـزة الكبرى حسبما تقتضى الاستراتيجية الأمريكية ذات الأهداف الإسرائيلية والتمويل القطرى والتنفيذ التركى.

تناولت على مدى اثنى عـشر أسبوعا أحداث 30 يونيو التى أثارت جدلا واسعا حول ما إذا كانت تندرج تحت مفهوم الثورة الشعـبية أم الانقلاب العـسكرى، وخلصت إلى أنها ثورة شعـبية مكتملة الأركان، ثم تناولت تأثيرها عـلى القوى الفاعـلة فى المعادلتين الإقليمية والدولـية سواء تلك التى تدخل ضمن مكونات منطقة الشرق الأوسط أو من خارجها، ثم تناولت بعـض الإجراءات اللازمة لتحقيق استقرار مصر، وكان الإجراء الأول هو ضرورة إدراك المصريين أبعـاد المؤامرة الموجهة لدولتهم، والثانى كان ضرورة إدراك الحكومة أنها ليست حكومة مؤقتة، بل هى حكومة تـديـر شئون مصر فى أدق وأعـقـد مراحل تاريخها، وعـليها أن تتخذ من القرارات والأفعال التى يمكن التأسيس عـليها، أما الإجراء الثالث فهو أهمية صياغة سياسات متوازنة تتسق مع عـمق المتغـيرات التى أحدثتها الثورة، خاصة المتعـلقة بملفات الأمن والاقتصاد والعـدالة الاجتماعـية والعـلاقات الدولية، ثم تناولت تفاعـلات أزمة استخدام النظام السورى للسلاح الكيماوى، كما أوضحت التهديدات الحقيقية التى تواجه أوباما على المستوى الشخصى وتلك التى تهدد الولايات المتحدة كدولة، فعـلى المستوى الشخصى تشير الحقائق إلى أن أخشى ما يخشاه «أوباما» هو أن يصبح القائد السياسى الأكثر فشلا فى قيادة أقوى دولة فى العالم عـندما يفشل فى إعادة هيكلة الشرق الأوسط الكبير، وهو الهدف المرحلى المطلوب تنفيذه فى فترتى حكمه، وبالتالى لن يجد له مكانا بين عـظماء الولايات المتحدة ، أما التهديد الحقيقى الذى تخشاه الولايات المتحدة فيتمثل فى خوفها من انتقال مـركـز الهـيمـنة إلى روسيا التى تسعى إلى استعادة مكانتها كقطب موازن، ورغـبتها الأكيدة فى مشاركة الولايات المتحدة النفوذ فى قيادة العالم، وفى المقال الأخير تناولت تأثير ثورة يونيو على بنيان الوطن العـربى باعـتباره المكـون الرئيسى للنسق الإقليمى للشرق الأوسط أيَا كان وصفه، حيث يكون الشرق أوسط أو أدنى أو أقصى بالنسبة للقوى الاستعـمارية، كما يضيق ويتسع فيكون صغـيرا أو كبيرا وفقا لمصالح واستراتيجيات القوى العـظمى والكبرى، وأوضحت البعـد السلوكى لقطر وبيَنت الأسباب الحقيقية عـن انتهاجها سلوكا سياسيا مناهـضا للسلوك العـربى ومتعارضا مع التفاعلات المصرية ، وفى مقال اليوم سأقوم بتحليل موقف حركة المقاومة الإسلامية «حماس» من خلال الإجابة عـن سؤالين، الأول هو لماذا تسلك هذه الحركة نفس السلوك السياسى لقطر؟ وما الأسباب التى تدعـوها لذلك؟

وللإجابة عـن ذلك ينبغى الإشارة إلى نشأة حركة المقاومة الإسلامية التى تأسست فى غـزة عام 1987 كحركة جهادية إسلامية، تنادى بتحرير الوطن القومى التاريخى للفلسطينيين وعاصمته القدس، وارتبطت حماس بجماعة الإخوان المسلمين فى مصر ارتباطا عضويا إلى حد اعـتبارها امتداداً للجماعة فى فلسطين، أما المحتوى الفكرى لحماس، فإنها تعـتبر مفاوضات السلام مع إسرائيل غـير ذات جدوى، كما تعـتبر مسيـرة التسوية تحت المظلة الأمريكية خديعة كبرى، حيث ترى أن الولايات المتحدة وإسرائيل إذا كانتا ترغـبان فى إجراء تسوية حقيقية وعادلة فيتوجب عـليهما الاعـتراف أولا بالحقوق التاريخية للفلسطينيين خاصة حق العـودة إلى أراضيهم، وبالتالى فقد تمثل التوجه الاستراتيجى لحماس فى العمل العـسكرى لمواجهة المشروع الصهيونى الأمريكى الذى يهدف إلى التوسع فى الوطن العـربى ثم فى العالم الإسلامى «وهو ما يبرر لنا لماذا جعـلت الولايات المتحدة حدود الشرق الأوسط الكبير تتطابق مع حدود العالم الإسلامى» وقد قامت حركة حماس بعـدة عـمليات عـسكرية محدودة «ذرا للرماد» عـن طريق كتائب «عـز الدين القسام» جناحها العسكرى حيث قامت بانتفاضة الأقصى«سبتمبر 2000»، وتمكنت «حماس» من الفوز فى الانتخابات التشريعـية بـ 76 مقعـدا من 132 مقعـدا حيث نشب خلاف حاد بين الفلسطينيين بعـد هذه الانتخابات، سيطرت حماس عـلى أثره عـلى قطاع غـزة بينما سيطرت فتح عـلى الضفة الغربية.

وللتدليل عـلى ارتباط حماس بقطر، يمكن الإشارة إلى الزيارة التى قام بها أمير قطر السابق للقطاع، والدعم المادى الذى قدمه إلى حماس متجاهلا الضفة الغـربية، والتذكير بمحاولة إقامة المنطقة الحرة التى سبق اقتراحها بين القطاع ومصر وتكون نواة لغـزة الكبرى حسبما تقتضى الاستراتيجية الأمريكية ذات الأهداف الإسرائيلية والتمويل القطرى والتنفيذ التركى، هذا المشروع الذى كان سيتم بمباركة جماعة الإخوان المسلمين فى مصر بعـد أن قام الرئيس المعـزول بالدور الأساسى لعـقـد اتفاق هدنة طويلة الأجل بين حماس وإسرائيل، ومازال الطرفان يلتزمان به باحترام شديد، بل وجهت «حماس» جميع جهودها العسكرية فى مواجهة مصر، حيث قامت بإيواء الجماعات الإرهابية وتقديم الدعم اللوجستى لهم لإنهاك القوات المسلحة المصرية، وفى هذا السياق أعـلنت جماعة «كتائب الفرقان» مسئوليتها عـن عملية تفجير مديرية أمن محافظة جنوب سيناء، وتعـتبر هذه الجماعة هى إحدى الجماعات الجهادية التابعة لتنظيم القاعـدة والمتمركزة داخل غـزة فى كنف «حماس»، مهمتها الأساسية هى تنفيذ مخططات التنظيم الدولى للجماعة، وتستهدف من عـملياتها تدمير منشآت الأجهزة الأمنية وتنظيم أعـمال الكمائن ضد أفراد ومركبات القوات المسلحة فى سيناء لإضعاف قدراتها، والتأثير المعـنوى وبث الرعـب بين جموع الشعـب المصرى، ونشر الفوضى حتى تقع الدولة بين مطرقة عـدم رضا الشعـب عن أداء الحكومة الحالية غـير المقنع، وسندان القرارات الانفعالية أو المتسرعة التى قد تتخذها الحكومة ضد الجماعة، حتى تبدو هذه القرارات وكأنها قرارات انتقامية صادرة من حكومة تقمع المظاهرات السلمية بكل الوسائل والترويج لها أمام الرأى العام الداخلى والخارجى، وتعمل هذه الجماعة بالتعاون مع جماعة «أنصار بيت المقدس» المسئولة عن حادثة القمر الصناعى، ومع الجماعات الجهادية التكفيرية، وتعـمل جميع هذه الجماعات تحت الإشراف المباشر لحركة حماس بالنيابة عـن قيادة التنظيم الدولى للجماعة، وتعـتبر قناة السويس هى الهدف الأهم الذى يستهدفه التنظيم الدولى للجماعة من عـملياتها الإرهابية لهذه الجماعات، حتى إذا تمكنت منها فى إحدى عملياتها، استطاع هذا التنظيم أن يروج إعلاميا أمام الرأى العام العالمى أن الدولة المصرية باتت عاجزة عـن حماية الملاحة الدولية فى هذا الممر المائى المهم، واستطاع أن يهيئ الرأى العام العالمى لاستدعاء القوى العظمى والكبرى للتدخل، ليس لحماية الملاحة الدولية، ولكن لاستعادة الأوضاع إلى ما كانت عـليه قبل ثورة 30 يونيو واسترداد نفوذهم دعـما للشرعـية التى يتشدقون بها.

■ أستاذ العلوم السياسية- جامعة بورسعيد

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.