رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيناء فى عـيـد النصر الأربعـيـن.. حقائق غـائبة


وبدراسة وتحليل تفاعلات الأحداث التى تعـرضت لها سيناء يمكن استخلاص العـديـد من الحقائق، إذ تشير الحقيقة الأولى إلى أن جميع العـمليات الإرهابية التى تمت قبل حكم جماعة الإخوان قد اتسمت فى أغـلبها بدقـة التخطيط واحترافية التنفيذ.

على مدى اثنى عـشر أسبـوعا تناولت ثورة يونيو التى أثارت جدلا واسعا وردود أفعال متباينة حول ما إذا كانت تندرج تحت مفهوم الثورة الشعـبية أم الانقلاب العـسكرى، ثم تناولت تأثيرها عـلى المعادلتين الإقليمية والدولـية، والقوى الفاعـلة الداخلة ضمن مكونات النسق الإقليمى للشرق الأوسط أو تلك التى من خارجه، ولما كانت جموع الأمة المصرية ستحتفل هـذا الأسبوع بالعـيد الأربعـين لنصر أكتوبر العـظيم، فأرجو أن يسمح لى القارئ العـزيـز أن أشارك فى هذه الذكرى التى يفخر بها كل مصرى، على أن أعـود إلى موضوعـنا فى الأسبوع المقبل بإذن الله .

والواقع فإن الأمل كان معـقودا عـلى أن يأتى العـيد الأربعـون لنصر أكتوبر العـظيم وقد انتهينا كمصريين إلى وضع مصر عـلى نهاية طريـق الحرية والـديمقراطية والعـدالة الاجتماعـية، وأن نكون قد انتهينا أيضا من إحداث تغـيـيـر جوهرى وجذرى فى بنيتها الاستراتيجية، وتم إحداث التنمية الشاملة لجميع مقدراتها وأصبحت قوة إقليمية عـظمى فى نسقها الإقليمى، لكن غالبا ما تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، إذ شهدت مصر فى هذه الفترة تفاعلات متباينة أدت إلى بروز أزمات كثيرة حالت دون تحقيق هذا الأمل، خاصة تلك التى شهدتها مصر فى سنواتها الثلاث الأخيرة بعـد ثورة 25 يناير 2011 وثورة تصحيح مسارها فى 30 يونيو 2013 وما بينهما، وكانت أبرز هذه الأزمات هى عـدم إدراك الأنظمة الحاكمة لأهمية سيناء كمسرح دائم للعـمليات، حتى أصبحت موطنا للجماعـات الإرهابية ومسرحا لعـملياتها، ففى نظام حكم الرئيس الأسبق تعـرضت سيناء لتفجـيـرات طابـا يوم 6 أكتوبر 2004 وتفجـيـرات شـرم الشيخ يـوم 23 يوليو 2005 وتفجيرات دهـب فى 24 أبريـل 2006، وفى فترة المجلس العسكرى تم تنفيذ عـملية رفح الأولى ضد جنودنا وهم يتناولون إفطارهم فى شهر رمضان فى يوليو 2012، وفى نظام جماعة الإخوان المسلمين تم توطين الجماعات الإرهابية التى تتبنى الفكر الجهادى التكفيرى تحقيقا لأهداف الجماعة فأصدرت قرارات العـفـو الرئاسى ومكنت الجماعات الإرهابية الآتية من خارجها التى تتبع أغـلبها تنظيم القاعدة من الاستيطان بها ، فقامت بتنفيذ عمليات إرهابية تُعـد هى الأكبر من حيث الحجم عـلى مدى تاريخها، حيث تقوم قواتنا المسلحة الباسلة بتصفيتها لتحرير سيناء كما تم تحريرها فى أكتوبر 73، فما الأسباب والحقائق التى أدت إلى وقوع سيناء تحت نير الإرهابيين؟ وكيف يتم صيانة الأرض المقدسة بعـد تحريرها؟

وبدراسة وتحليل تفاعلات الأحداث التى تعـرضت لها سيناء يمكن استخلاص العـديـد من الحقائق، إذ تشير الحقيقة الأولى إلى أن جميع العـمليات الإرهابية التى تمت قبل حكم جماعة الإخوان قد اتسمت فى أغـلبها بدقـة التخطيط واحترافية التنفيذ، فقد تم اختيار توقيتاتها بعـناية وارتبطت هذه التوقيتات بمناسبة وطنية أو دينية، وكانت تهدف إلى إفساد ذكرى هذه المناسبات بل وطمسها، فكانت تفجيرات طابا فى 6 أكتوبر 2004 «عـيد النصر» وشرم الشيخ فى 23 يوليو 2005 «ثورة يوليو» ودهب فى 24 أبريـل 2006 «عـيد تحرير سيناء» ، وعـملية رفح الأولى لإفساد ذكرى العاشر من رمضان، بينما اتسمت العـمليات الإرهابية التى تمت إبان حكم الجماعة وما بعـدها بالخسة والانحطاط واللاإنسانية إلى حد قتل العزَل والتمثيل بجثثهم بهدف إنهاك الوطن واستنزاف قدراته، وتشير الحقيقة الثانية إلى أن جميع العـمليات الإرهابية قامت بها جماعات إسلامية تؤمن بالعـنف وسيلة للتفكير والتعـبير والتغـيير، وانتهجوا نهج الخوارج وانحرفوا بالإسلام عـن جوهره وغايته وأصبحوا مارقين من دين الله، فبدلا من أن يتدبروا القرآن جعـلوه أداة للرجعـية والتخلف ، وتجاهلوا تعاليم آخر رسالات السماء لهدى الأرض التى تنزلت على النبى الخاتم ، وتشير الحقيقة الثالثة إلى عدم إدراك الارتباط الروحى بين سيناء وبين التراث الإنسانى، حين اختصها الله لتكون موطنا لـ «مصرايم بن حام نوح» فسميت باسمه، وتكون طريقا لـ«إبراهـيم» ليتزوج بإحدى أميراتها لتكون أمَا للعرب، وتكون ملاذا آمنا ليوسف حين خذله إخوته ليكون أمينا عـلى «خزائـن الأرض» وموطنا لشعـيب فى « دين»، وكلم الله موسى تكليما «بالوادى المقدس طوى» وتكون ملجأً آمنا للمسيح وأمه البتول حين آواهما الله «إلى ربوة ذات قرار ومعـين» واختارها الله لتكون كنانته فى أرضه فحفظت دينه وصدَرته إلى ربوع الدنيا، هكذا أصبحت سيناء منبعا للتراث الروحى للإنسان، وبالرغـم من ذلك فقد جعـلها الإنسان مسرحا للحرب والإرهاب، والحقيقة الرابعة هى عـدم إدراك أهميتها الاقتصادية بما تمتلكه من موارد طبيعـية يمكنها الإسهام بقدر كبير فى تعـظيم المقدرة الاقتصادية المصرية بقطاعاتـها المختلفة سواء القطاع الاستخراجى كالزراعة فى السهل الساحلى والثروة المائية من البحرين المتوسط والأحمر وخليجى العـقـبـة والسويس بالإضافة إلى الـنفـط والفحم، والقطاع الإنتاجى بما يتوفر لديها من معـادن فى منطقة الجبال والهضاب فى وسطها، والقطاع الخدمى بدءا بالخدمات اللوجستية من ميناءى شرق بور سعـيد والعـريش وموانئ السويس وصولا إلى صناعة السياحة فى جنوبها عـلى شواطئها وخلجانها، أما أهميتها من الزاوية العسكرية والأمنية، فهى تمثل حجر الزاوية فى بنيان الأمن القومى المصرى بحكم موقعـها وبحكم كونها الجزء الأهم فى مكونات الاتجاه الاستراتيجى الشرقى، فضلا على احتوائها على أهم ممر مائى دولى

ويبقى الإجابة عـلى التساؤل الثانى وهو ما الذى يتعـين عـمله لتحرير سيناء من الإرهاب؟ فى يقينى أن هناك إجراءين يتعـين اتخاذهما فورا، الأول يتعـلق بالزاوية الأمنية، إذ ينبغى استمرار الإجراءات التى تقوم بها القوات المسلحة لتطهير سيناء من الدرن الذى أصابها إبان حكم الجماعـة، مع وجوب إعادة النظر فى الملاحق الأمنية لاتفاقية «كامب ديفيد» بما يمكَن مصر من فرض سيادتها عـلى كامل أراضيها ،والسعى إلى إقناع إسرائيل بضرورة تحقـيق الأمن المتكافئ لصيانة المصالح المتبادلة فى منطقة الحدود إن كانت تريد سلاما حقيقيا مع مصر، ولا بـد من إيجاد الحلول والصيغ المشتركة للقضايا الأمنية بما يضمن ضبط الحدود عـلى نحو متكافئ.

أما الإجراء الثانى الذى يلزم اتخاذه فورا فهو أنه يتعـين على مصر الإسراع فى إحياء وتفعـيل المشروع القومى لتنمية سيناء كحاجة إستراتيجية ملحة بحيث تحقق أربع وظائف رئيسية، الأولى هى زيادة موارد مصر الطبيعـية والاستغلال الأمثل لها ، والثانية هى زيادة مساحة القاعـدة الإنتاجية باستثمار تنوع موارد سيناء الطبيعـية المتاحة، والوظيفة الثالثة هى توفير قدر مناسب من فرص العـمل الحقيقـية لتشارك فى حل مشكلة البطالة التى تعانى منها مصر كثيرا، أما الوظيفة الأخيرة فتتمثل فى إسهامها فى توزيع المراكز الاقتصادية والأهداف الاستراتيجيـة بما يضمن تأمينها بحكم اتساع رقعـتها ، ويمكن تحقيق هذه الوظائف بإنشاء كيان إدارى فعال، لـه سلطاته القانونية والإدارية والمالية الملزمة للجميع، بما يكفل له الإشراف على التنفيذ والمتابعة والمحاسبة، مع الوضع فى الاعـتبار عـدم تجاهـل التخطيط الاستراتيجى السابق وما تم إنجازه باعـتباره ينتمى إلى عـصر ولَى وانقضى، بل يمكن تعديله وفقا للمتغـيـرات والمستجدات التى طرأت، فمثل هـذا المشروع القومى العـملاق بمكوناتـه واستثماراتـه الضخمة يمكن أن يلعـب دورا حيـويـا فى المشاركة فى تعـظيم القـوة الشاملة لمصـر وتعـزيز مكانتها الإقليمية.. والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل.

■ أستاذ العلوم السياسية- جامعة بورسعيد