رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثورة 30 يونيو ..والاستراتيجية الإقليمية والدولية «10»


هل يمكن لإيران إغلاق مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية وتجعـل منه كرة ملتهبة من النار كما أعلنت من قبل؟ أم سيتنازل الجميع ويقبلون بتخلى بشار الأسد عـن السلطة، حيث سيكون ذلك هو الإجراء الوحيد الذى يمكن أن يجنب سوريا مزيدا من الدمار والهلاك وحقن الدماء، حقا تعـيش البشرية زمن المؤامرات والمصالح، زمن المتناقضات والصراعات فى عالم العلاقات الدولية التى تحكمها القوة غالبا ويحكمها القانون الدولى أحيانا وتغـيب عـنها الأخلاق والقيم , ولله الأمر من قبل ومن بعـد.

على مدار تسعة أسابيع مضت تناولت تأثير ثورة يونيو عـلى المعادلتين الإقليمية والدولـية، حيث تناولت تأثيرها على القوى الفاعـلة سواء التى تدخل ضمن مكونات النسق الإقليمى للشرق الأوسط أو التى من خارجه، ثم تناولت بعـض الإجراءات التى يتعـين اتخاذها لتحقيق استقرار مصر فى ظل الصمت المتعـمد إزاء الإرهاب الدولى ضدها، حيث أوضحت أن أول وأهم هذه الإجراءات هو ضرورة أن يدرك جميع المصريين أبعـاد المؤامرة الدولية التى تحاك ضد دولتهم، أما الإجراء الثانى فهو ضرورة إدراك الحكومة بأنها ليست حكومة مؤقتة بل هى حكومة تدير شئون مصر فى مرحلة بالغة الدقة والتعـقـيـد، وعـليها أن تعمل كحكومة تأسيسية يمكن البناء على ما تتخذه من قرارات وأفعال، أما ثالث هذه الإجراءات فهو العـمل عـلى صياغة سياسات داخلية وخارجية متوازنة تتسق مع عـمق المتغـيرات التى أحدثتها الثورة، خاصة تلك التى تتعـلق بملفات الأمن والاقتصاد والعلاقات الدولية، ثم تناولت فى المقال المنشور بذات الجريدة يوم الاثنين 2 سبتمبر الجارى التهديدات التى ادعى أوباما أنها تواجه الولايات المتحدة ومن ثم الغرب، وتهدد الأمن والسلام الدوليين والبشرية جمعاء من جراء استخدام النظام السورى للأسلحة الكيماوية.

ويتمثل التهديد الحقيقى الذى يواجهه الولايات المتحدة والغـرب فى يقينى، فى الرعـب الشديد من انتقال مـركـز الهـيمـنة Focus of Hegemony من قلب الولايات المتحدة إلى روسيا التى تسعى إلى استعادة مكانتها الدولية كقطب موازن، أو الصين التى تحقق معـدلات تنموية فائقة فى جميع المجالات، وسعـيهما الدءوب إلى مشاركة الولايات المتحدة النفوذ فى قيادة تفاعلات العالم، خاصة فى مـنـطـقـة الـشـرق الأوسط التى تُعـد من أكثر المناطق أهمية وحساسية، حيث تحتوى على مصالح معـظم القوى العـظمى والكبرى والكيانات الاقتصادية العـملاقة فى العـالم، كما تتمتع بموقع جيوستراتيجى مهيمن على قلب العالم، أما التهديد الذى يخشاه أوباما على المستوى الشخصى فهو أن يصبح القائد السياسى الأكثر فشلا فى قيادة أقوى دولة فى العالم، خاصة إذا فشل فى إعادة هيكلة وتشكيل الشرق الأوسط الكبير، وهو الهدف الإستراتيجى المرحلى المطلوب تنفيذه فى فترتى حكمه، وبالتالى فلن يجد مكانا بين رؤساء الولايات المتحدة العـظام الذين حققوا مجدا لها، ولذلك يسعى إلى مسابقة الزمن لإدراك بعـض النجاح خلال السنوات المتبقية له فى البيت الأبيض، فوجد ضالته المنشودة فى التدخل العـسكرى فى سوريا بزعم استخدام نظامها الأسلحة الكيماوية، وقد أشرت فى المقال الأخير إلى الخيار الأرجح تنفيذه، وهو توجيه ضربة جوية مركزة يصاحبها ضربة صاروخية بحرية ضد أهداف إستراتيجية محددة، وقمت بتحديد أهداف ومدة هذه الضربة وتوقيتها المحتمل، حيث ذكرت أنه سيتم تركيزها على المطارات ومواقع الـدفـاعات المضـادة للطائـرات وعـلى منطقة «جمرايـا» التى تضم مركز أبحاث تصنيع المواد الكيماوية ومناطق تمركز الفرقـة الرابعة واللواء 104 واللواء 105 الأعلى كفاءة فى القـوات المسلحة السوريـة باعـتبارها الاحتياطى الاستراتيجى لسوريـا.

وقد فرضت هذه الأزمة المحتدمة التى تتميز بسرعة وكثافة وتراكم تفاعلاتها نفسها عـلى اجتماعات دول العشرين التى انعـقدت فى مدينة القديس بطرس الروسية، وألقت بظلال تداعـياتها ليس على منطقة شرق وجنوب البحر المتوسط فقط بل عـلى العالم بأسره، وتحولت إلى صراع دولى بين روسيا والولايات المتحدة، حتى أصبح العالم عـرضة للاستقطاب ومسرحا للحرب الباردة، والواقع أن هناك مسألتين تحكمان تسارع حالة الاستقطاب، الأولى السعى الدائم للولايات المتحدة إلى تأكـيـد تفوقها وتمتعها بالمكانة الأولى فى العالم سياسيا وعسكريا واقتصاديا واجتماعـيا، وتمسكها بالاحتفاظ بمركز الهيمنة منفردة، والثانية هى السعى الدءوب لروسيا إلى تأكيد استعادة دورها ومكانتها فى النسق العالمى كقطب موازن، الأمر الذى أدى إلى بروز حالة الانقسام بين المشاركين فى مؤتمر العـشرين إلى فريقين، الأول يؤيد التدخل العسكرى فى سوريا، بينما يرى الفريق الثانى «مجموعة الـ BRICS» المكون من البرازيل ـ روسيا ـ الهند ـ الصين ـ جنوب أفريقبا ومعها إيطاليا ضرورة تحويل القضية لمجلس الأمن وسط تبادل الاتهامات، فواشنطن تتهم موسكو بأنها تتخذ من مجلس الأمن رهينة كى تتمكن من استخدام حق الاعـتراض ضد أى قرار يصدر ضد سوريا، بينما توجه موسكو اتهامها لواشنطن بأنها ليست عـلى استعـداد لتقبل أى حل سياسى للأزمة وإصرارها عـلى توجيه ضربتها، وتستند واشنطن فى اتهامها على قرار الجامعة العربية المؤيد للـتـدخل، بينما تستند موسكو على قرار مجلس العموم البريطانى للاعـتراض على التدخل.

والآن بعـد أن استكملت القوات الأمريكية استعـدادها لشن الضربة العـقابية ضد نظام الأسد، وتمكنت القوات الروسية من فتح بعض قطع أسطول البحر الأسود فى مياه المتوسط، فهل تحدث المواجهة بينهما؟ خاصة بعـد أن تمكنت وحدة الاستطلاع البحرى الروسية من رصد جميع التحركات والتطورات فى مسرح العـمليات، ورصدت إطلاق صاروخين تم سقوطهما فى مياه البحر المتوسط قبالة السواحل السورية، الأمر الذى أدى بوزارة الدفاع الإسرائيلية أن تعلن قيامها بإطلاق صاروخين من طراز أنكور بالتعاون مع الولايات المتحدة، وفى اعـتقادى أن الهدف من هـذه التجربة هـو إحداث الردع المعـنوى للنظام والشعب والجيش السورى، كما تٌعـتبر رسالة واضحة للجميع بأن الولايات المتحدة ماضية فى تنفيذ ضربتها بالرغم من التواجد الروسى فى مياه البحر المتوسط، وهو ما أكده جون كيرى عـندما أعـلن أن قطع الأسطول الروسى لا تشكل تهديدا للقوات الأمريكية فى البحر المتوسط، وفى الوقت نفسه قرر أوباما رفع السرية عـن تنفيذ برنامج تسليح المعارضة السورية تأكيدا لهذا المعـنى، وجدير بالملاحظة أن مؤيدى الرئيس أوباما يدفعـونه إلى اتخاذ إجراءات عاجلة ومواقف أكثر صرامة ضد نظام الأسد حسبما تقتضى المسئولية الأخلاقية للولايات المتحدة، حيث أصبحت الأزمة السورية أزمة إنسانية فى المقام الأول، هكذا أصبحت الولايات المتحدة حامية حمى الأخلاق والإنسانية بعـد أن قتلت أكثر من 100 مليون من الهنود الحمر هم سكان أمريكا الشمالية الأصليين، وبعـدما نسى أوباما الذى أصبح سيد البيت الأبيض ما حدث لأجداده من ذل وهوان عـندما اختطف الأمريكيون أكثر من 180 مليون أفريقى لاتخاذهم عـبيدا، مات أكثر من 150 مليونا منهم وألقيت جثثهم فى المحيط ؟ وتذكر الأمريكيون المسئولية الأخلاقية بعـدما قذفوا القنابل النووية على اليابانيين الذين لا يزالون يعانون من آثارها حتى الآن.

ويبقى سؤال أود أن أوجهه إلى تحالف الممانعة، هل يمكن للحرس الثورى الإيرانى وصناديد حزب الله والجماعات الإسلامية الجهادية، وأشاوس حماس الذين يستعـرضون قدراتهم القتالية فى قطاع غزة عـلى الحدود المصرية، التحرك ضد مصالح الولايات المتحدة والغرب إذا تعـرضت سوريا لهذه الضربة المحتملة؟.

■ أستاذ العلوم السياسية - جامعة بورسعيد

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.