رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نعـيـق البوم فى تحقيق المخطط المشئـوم


عـندما تأتيكم الإساءة والمذمَة من ناقص، فلا تهنوا ولا تحزنوا فأنتم الأعلون لأنكم خير أجناد الأرض بشهادة من لا ينطق عن الهوى، ويكفيكم فخرا أن الله أراد لكم أن تحققوا نصرا مؤزَرا أعاد إلى مصر عزتها وكرامتها، وغـدا سنكون جميعا بين يدى رحمة الرحمن «ليجزى الذين أساءوا بما عملوا، ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى».

يخطئ من يظن أن ملف إعادة هيكلة المناطق الإقليمية فى العالم بما يتسق مع الأهداف الاستراتيجية الأمريكية قـد فتر أو تأجل بما فى ذلك منطقتا الشرق الأوسط والقرن الأفريقى موضع اهتمام الأمن القومى المصرى، بل إن هناك سعـيا حثيثا إلى إعادة تشكيل وترسيم خرائطها الجيوسياسية وفقا لمخطط مشئوم بمفردات أمريكية، يقوم على تقسيمات جغـرافية أو قومية أوعرقية أودينية لتحقيق مصلحتها العـليا، وقد نوَعـت الولايات المتحدة أساليب وأدوات تحقيق هذه التقسيمات، فإمَا أن يكون بإسلوب النهب والسلب والاستحواذ، أو بأسلوب الاستعـداء والاستقواء والإقصاء، أو عـن طريق الترويع والانتهاك العـلنى لحقوق الإنسان، أو عن طريق التخدير بالتعـهد بإحداث التنمية فى هذه الدول، أو تحقيق الحماية للدول القزمية ذات الموقع الجيوستراتيجى المتميز أو التى تتمتع بفوائض مالية ضخمة، أو من خلال تعهداتها بمسانـدة الأنظمة المستبدة التى تهيمن على وحداتها السياسية بتقديم المعـونات الاقتصادية والعـسكرية، حتى تضمن تكريس نفوذها فيها نظير تلقيها هذه المعـونات التى يصعـب الاستغـناء عـنها، أو بأسلوب حماية ودعـم الجماعات الدينية أو الإثنية أو الطائفية أو الأيديولوجية الخارجة عـن أنظمة الحكم القائمة والتى تُؤثر فى القرار السياسى أو الاقتصادى أو الأمنى فى الدول التى تعـج بمشاكلها الإثنية والطائفية والدينية لنشر الفوضى وعـدم الاستقرار، بما يؤدى فى النهاية إلى فرض أوضاع استراتيجية جديدة فى هذه المناطق الإقـليمية، فهل تدرك دول هذه المناطق أهداف وأساليب هذا المخطط المشئوم؟

للإجابة عن هذا التساؤل فإنه يتعـين أولا دراسة وتحليل المحتوى الفكرى للاستراتيجية الأمريكية من وثائق الولايات المتحدة نفسها، فقد جاء فى تقرير لجنة التخطيط الاستراتـيجى لوزارة الخارجية الأمريكية لعام 1988النص التالـى: «أما وقـد انتهت الحرب الباردة بيننا وبين الاتحاد السوفييتى، فإن دول الأصولية الإسلامية والأنظمة السياسية الاستبدادية غـير المستقرة ستكون هى مصادر التهديـد البـديلة، وعلى حلف الناتو والغـرب أن يكونا مستعدين لمواجهة هذه المصادر» كما جاء فى وثيقة أخرى تحمل التصور الاستراتيجى لبرجنسكى -مستشار الأمن القومى للرئيس كارتر- لإدارة مرحلة ما بعـد توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل النص التالى «بعـد أن انتهت الحرب بين مصر وإسرائيل فربما يسود الاستقرار منطقة الشرق الأوسط، وهو الأمر الذى يتعـين على الولايات المتحدة والغـرب مناهـضته خاصة ذلك الاستقرار الذى قد ينشأ فى المنطقة العربية، حيث تقتضى المصلحة الأمريكية أن تسودها فوضى عارمة لا يدركها حكامها ولا تعـيها شعـوبها.

وهو الأمر الذى سيكلف الولايات المتحدة تكاليف باهظة، ولذلك يتعـين عـليها تعـظيم قدرات القوى غـير العـربية حتى تتحمل هذه النفقات فى مقابل تقسيم مناطق النفوذ بينها، وقد عـبَرت كوندليزا رايس عن ذلك بالفوضى الخلاقة عام 2004، وبتحليل ما جاء بالوثيقتين إلى عناصرها الأولية يمكن أن نخلص إلى أن الولايات المتحدة أولا تسعى دائما إلى تحديد عـدو جديـد لتوحيد وحشد الرأى العام فى مجتمعها غـير المتجانس عرقيا وثقافيا ودينيا، وأنها ثانيا قد وجدت ضالتها المنشودة فى دول الأصولية الإسلامية التى بـدأت تتبلور كمصدر تهديد بديل للاتحاد السوفييتى منذ عام 1988، وإن منطقة دول الإسلام الأصولى ثالثا لا ينبغى لها أن تشهد استقرارا سياسيا قد يؤدى إلى وحدتها أو تنمية قدراتها بما يمكنها من تهديد المصالح الأمريكية أو تهديد الأمن الإسرائيلى، وأن الولايات المتحدة رابعا لا تستطيع أن تتحمل التكاليف الباهظة لتحقيق ذلك، ولذلك يتعـيـن عليها تعـظيم قدرات القوى غـير العـربية لتتحمل عـنها هذه التكاليف فى مقابل تقسيم مناطق النفوذ بينها وتحقيق التعاون الأمنى والاستراتيجى معها، فالولايات المتحدة تدرك يقينا المشروعات القومية للقوى الإقليمية الثلاثة فى الشرق الأوسط، فهى على إدراك تام بمشروع العثمانيين الجُدد فى تركيا.

وهى ترى بعـيـن اليقين رغـبة إيران فى تحقيق حلمها الدائـم لإحـياء الإمبراطورية الفارسيـة تحت الرايـة الشيعـية، وبالطبع فإنها على دراية كاملة بمشروع أرض الميعاد الذى وهبه الرب لإسرائيل، وبالتالى فليس لديها مانع من تحقيق أطماع هذه القوى وبسط نفوذها على إقليم الشرق الأوسط الكبير لتحقيق الهيمنة الأمريكية عـليه بالوكالة، ولذلك تسعى الولايات المتحدة إلى إضعاف قدرات القوى العـربية إلى الحد التى لا تمكنها من تهديد مصالحها أو تهديد أمن إسرائيل، حيث قررت مؤخرا التخلص من القوة السورية وتدمير قدراتها بدعـوى أن النطام استخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعـبه، وهى الذريعـة نفسها التى ادعتها لغـزو العـراق، حين أعـلنت أنه عـلى وشك امتلاك الرادع النووى إن لم يكن قد امتلكه فعـلا، فقامت بحشد تحالف دولى لم تشهده البشرية من قبل وأسقطته ودمرت جيشه الذى كان يُـعـد الأقوى فى منطقة الخليج، ثم قسمته وأغرقته فى فوضى عارمة من الصعب أن يفـيـق منها.

ولكى توفر الولايات المتحدة الجهد والوقت وتكاليف النقل الاستراتيجى الباهظة، قامت بتخزين بطاريات صواريخ الباتريوت والطائرات «إف 16» التى شاركت بها فى مناورة «الأسد المتأهَب» بمشاركة 18 دولة فى الأردن، وبذلك يُصبح الأردن ثالث دولة فى المنطقة تستخدمها الولايات المتحدة كمخزن طوارئ بعـد تركيا وإسرائيل، التى سبق أن خزَنت فيهما أسلحة ومعـدات حربية شاركت بها فى حرب الخليج الثانية قُدرت آنذاك بنحو 4 مليارات دولار، وتهدف الولايات المتحدة بعـد تدمير قدرات سوريا وتجريدها من جيشها إلى تسليمها لجماعة الإخوان المسلمين، حتى تكون سوريا بمثابة دولة محايدة «Buffer State » بـيـن أنقرة السنية وطهـران الشيعـية برعاية أمريكية ، مثلما سيكون قطاع غـزة الكبير بعـد ضم 720 كيلو متر مربعاً من سيناء دولة محايدة مجردة من السلاح بين مصر وإسرائيل، وبالمثل ترتب الاستراتيجية الأمريكية لإثيوبيا دورا إقليميا متعاظما بما يمكنها من الاستئثار بالنفوذ فى القرن الأفريقى الكبير، وتوجيه أدوات تأثيرها لدول القرن بامتلاكها أكبر حجم من الطاقة الكهرومائية وتصديرها إلى هذه الدول التى هى فى مسيس الحاجة لهذه الطاقة المنتجة من سدود إثيوبيا عـلى نيلها الأزرق.

ويشير الواقع إلى أن الولايات المتحدة قد أدركت الهدف الحقيقى للتنظيم الدولى للجماعة، عـندما أيقنت أن هذا التنظيم لا يؤمن بالأوطان، بل يؤمن بالهيمنة الكاملة على مؤسسات وأجهزة الدول بعـد هدم أركانها ونشر الفوضى فى أرجائها، فتلاقت الإرادتان فى وجوب نشر الفوضى فى البلاد، حتى يتحقق تمكين الجماعة من جميع أركان ومفاصل الدول التى نجحت فى أن ترأس أنظمة الحكم فيها بمساعدة الولايات المتحدة، وحتى تتمكن الولايات المتحدة أيضا من إضعـاف قدرات هذه الدول خاصة قدراتها العسكرية، وتحويل الصراع العربى- الإسرائيلى إلى صراع إسلامى إسلامى، وهو ما يبرر لنا التصريحات والاجتماعات المستمرة لسفيرة جهنم مع القائد الفعـلى للجماعة فى مصر، ويبرر أيضا إهانات البوم الناعق ضد المؤسسة العسكرية المصرية، خاصة تلك التى جاءت أخيرا عـلى لسان غـير المسمى أو المكنَى، بعد أن أهانها كبير لهم من قبل.

■ خبير سياسى واستراتيجى

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.