رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التسخيـن لسبـاق 30 يونيـو


إن أراد الرئيس إصلاحا، وتجنيب شعـبه ويلات مواجهة لا يعلم مداها إلاَ الله وحده، فعليه أولا إلغاء الإعلانين غير الدستوريين، وما ترتب عليهما، ولعل ذلك تكون نقطة البداية السليمة للاستقرار اللازم لنهضة الدولة، وللحديث بقية بإذن الله، والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل.

دخلت جماعة الإخوان سباقا مع الزمن لمواجهة مظاهـرات 30 يونيو المرتقـبة، فعملت عـلى إعـداد وتجهيز الخطط التى تهدف أولا إلى إقناع جميع الجماعات السلفية بضرورة المشاركة فى فعاليات تأييد الرئيس، من خلال وساطة الأحزاب الإسلامية والهيئات الدعـوية التى خرجت من رحمها، كما تهدف ثانيا إلى دعـوة وتعـبئة وحشد جميع قوى التيار الإسلامى للنزول إلى الميادين للسيطرة عـليها قبل هذا الموعـد، لحرمان المتظاهرين من الاحتشاد فيها، ثم استدراجهم إلى المواجهة، لتبـريـر ما قد ترتكبه الميليشيات المسلحة سواء التابعـة لتنظيمها، أو تلك التابعـة لحلفائها من الشرق «حماس وكتائب القسام» أو من الغـرب «تنظيم القاعـدة» من عـنف مدبر لفض وإفشال هذه المظاهرات المرتقـب حشدها فى جميع المحافظات، وفى إطار هذا السياق عـقدت الجماعة مؤتمرا حاشدا فى الصالة المغـطاة لإستاد القاهرة تحت عنوان «الأمة المصرية تدعم القضية السورية» حيث استقبل مرسى استقبال الفاتحين، إذ قام بالطواف مترجلا أمام الحاضرين من أهله وعـشيرته رافعا عـلمى سوريا ومصر وسط هتافات تأييد مدوية، فتحول المؤتمر إلى نصرته بدلا من نصرة سوريا، حيث تخوض الجماعة معركتها الأخيـرة للدفـاع عـن أهـل السنة ضـد الشيعـة العـلويـة والشيعة الاثنى عـشـريـة ومقاتلة وطرد مقاتلى حزب الله الشيعى من جميع الأراضى السورية للحفاظ عـلى وحدة أراضيها.

ويخطئ من يتصور أننى أدافع عـن بقاء نظام بشار الأسد الذى تجاوز كل حدود الإجرام ضد شعـبه وأرضه، ولكنى أتعـجب فقط من تناقض مواقف ذلك التنظيم الدولى للجماعة، الغامض فى تنظيمه وتمويله وسياساته وأهدافه، ففى الوقت الذى يدعـو فيه التنظيم مصر إلى قطع علاقاتها مع النظام السورى ومواجهة الشيعة العـلوية والاثنى عـشـريـة، ومقاتلة وطرد مقاتلى حزب الله الشيعى من جميع الأراضى السورية للحفاظ عـلى وحدتها، إلاَ أنه لم يدع إلى مثل هذه الإجراءات ضد قوات العـدو الصهيونى التى ما زالت تحتل هضبة الجولان وتسيطر منها على قلب الأراضى السورية، ولم تتخذ أى إجراء لقطع علاقات مصر بإسرائيل، بل ولم تُحرك فردا واحدا من الملايين الذى وعـد بها صفوت حجازى لتحقيق شعاره الزائف على القدس رايحين شهداء بالملايين، بل عـملت الجماعة على منع حليفتها فى قطاع غـزة من توجيه طلقة واحدة ضد قوات الاحتلال الذى يمارس أقسى أشكال التنكيل بالشعـب الفلسطينى الذى مازال تحت الحصار ما دام هناك أنفاق تدر مليارات الدولارات إلى قادة حماس الأشاوس ما داموا فى خدمة الجماعة ومخططاتها.

وبتحليل المحتوى الفكرى للخطاب التاريخى الذى ألقاه الرئيس فى المؤتمر الذى ضم أهـله وعشيرته، وهم يضعـون العـصَابات عـلى جباههم كما تفعـل عـصابات حماس وكتائب القسام، يمكن لغـير المتخصص أن يتعـجب ويتساءل عـن الأسباب الحقيقية التى أدت إلى تغـيير الموقف المصرى إلى النقيض، حيث أعـلن الرئيس قطع العلاقات مع سوريا وسحب القائم بالأعمال من دمشق، خاصة أنه أعـلن من قبل أن موقف مصر يتوافق كثيرا مع موقف روسيا إزاء المسألة السورية أثناء زيارته لموسكو، كما يمكنه أيضا اكتشاف الرسائل التى يرغـب الرئيس توجيهها وأهـدافها ولمن يريد توجيهها، ومن المناسب أن نتعـرَض لموقف الإدارة الأمريكية لنبلغ أسباب هذا التغـيير، إذ يبدو أنها قررت التدخل العسكرى فى سوريا، فأعـلنت عـلى لسان وزير خارجيتها أن النظام السورى قـد استخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعـبه، وبالتالى فإنها لم تلتزم بما جاء فى الوفاق الودى الروسى- الأمريكى الذى يتضمن بعـض المبادئ الرئيسية، وأهـمها هو عـقـد مؤتمـر دولى للتوصل إلى حل سياسى للأزمة السورية، وهى الذريعـة نفسها التى استندت إليها الإدارة الأمريكية لغزو العـراق، حيث أعـلنت آنذاك أن العـراق عـلى وشك امتلاك الرادع النووى إن لم يكن قد امتلكه فعـلا، فقامت بحشد أكبر تحالف دولى شهده الإنسان ضد نظام صدام حسين وأسقطته، ودمرت أقوى جيش فى منطقة الخليج، وقسمت العـراق وأغرقته فى أتون الفوضى العارمة، وفى يقينى أن العـراق لن يفـيـق من هذه الفوضى أبدا، وبالتالى فإن الاستراتيجية الأمريكية تسعـى حثيثا للتخلص من القوة السورية كما تم التخلص من القوة العـراقية، خاصة بعـد تزايد المكاسب العـسكرية التى حققها الجيش السورى مؤخرا عـلى حساب الجيش الحر والمعارضة السورية، وبعـد أن تعاظم الدور الذى يضطلع به حزب الله، وبذلك يمكن إدراك أن الهدف الحقيقى من هذا التدخل هو ضمان أمن إسرائيل.

وفى هذا السياق يمكن ملاحظة بعـض المؤشرات التى تدلل عـلى قرب حدوث هذا التدخل، حيث قررت الولايات المتحدة فجأة أن تجعـل الأردن مخزنا للطوارئ، فقامت بتخزين بطاريات صواريخ باتريوت وطائرات إف 16 التى شاركت بها فى المناورة واسعـة النطاق «الأسد المتأهَب» التى شاركت فيها 18 دولة من ضمنها مصر والسعـودية، فأصبح الأردن هو ثالث دولة فى المنطقة التى تستخدمها الاستراتيجية الأمريكية كمخزن للطوارئ بعـد تركيا وإسرائيل، حيث استبقت فيهما أسلحة ومعـدات عسكرية كانت قد شاركت بها فى حرب الخليج الثانية قُدرت آنذاك بنحو4 مليارات دولار، حتى توفر على نفسها جهد ووقت وتكاليف النقل الاستراتيجى الباهظة، ويمكن اعـتبار قيام إسرائيل بنشر بطاريات القبة الحديدية عـلى حدودها مع سوريا ولبنان تحت ستار تنفيذ مناورة حربية، لحمايتها من أى صواريخ أرض أرض قد توجه إليها من سوريا أو حزب الله أحد مؤشرات هذا التدخل، فإذا أضفنا مؤشر نشر بطاريات صواريخ الباتريوت التى تم نشرها عـلى طول حدود تركيا مع سوريا لأدركنا على الفور كم أصبح هذا التدخل وشيكا

وكالعادة تسعى الولايات المتحدة قبل قيامها بعـمل مثل هذا إلى حشد الرأى العام الإقليمى والدولى، فأوعـزت الى أكبر دولة عـربية للقيام بذلك من خلال الدعـوة للجهاد المقدس، إذ أدركت الولايات المتحدة مدى تطابق أهداف التنظيم الدولى للجماعة مع أهدافها، فالولايات المتحدة تهدف إلى التخلص من القوى العربية التى يمكنها تهديد أمن إسرائيل، والجماعة تهدف إلى السيطرة على سوريا بعـد هدم أركانها، إذ يعـنى سيطرة جماعة الإخوان المسلمين على سوريا، أن تنعم إسرائيل بالأمن من الشمال كما أمنته من الجنوب، فى مقابل كسب الجماعة للتأييد الخارجى من القطب الوحيد فى النظام الدولى، وكسب التأييد الداخلى من تأييد جماعات الدعوة السلفية بإعلان الجهاد المقدس ضد الشيعة العلوية فى سوريا والشيعة الاثنى عشرية فى حزب الله، بعـد أن كاد التقارب مع إيران أن يسبب التباعـد بينهما، ولعـل تعـدد مبادرات جماعات التيار الإسلامى والدعوة للمصالحة الوطنية، وحركة المحافظين الأخيرة، واحتوائها على أحد أقطاب أحداث الأقصر 1997 تعتبر براهين على ذلك، إذ تهدف هذه التفاعلات خاصة حركة المحافظين إلى تشتيت جهود حركة «تمرد»، وتحويل انفعالات الجماهير الغاضبة إلى الاعتراض على تعـيين بعـض المحافظين الذين ينتمون للتيار الإسلامى، بدلا من الاعتراض على الرئيس الذى فقد الشرعية والمشروعية بعد أن فقد أهم أدواتها وهى رضاء الشعـب.

■ أستاذ العلوم السياسية - جامعة بورسعيد

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.