رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الوفاق الروسى الأمريكى فى المسألة السورية


الوفاق الروسى الأمريكى فى المسألة السورية.. وبداية تشكيل نظام دولى جديـد

وهو الأمر الذى قد يـؤدى إلى بروز أزمات سياسية واقتصادية وعـسكرية خـطيرة، خاصة فى منطقـة الشرق الأوسط التى تتشابـك فيها مصالح الولايـات الـمـتـحـدة مع مصالح هـذه الأقطاب إذ لاينتظم النسق الدولى فى ظل هيمنة قوة وحيدة، هكذا فضلت الولايات المتحدة أن يتطور النظام الدولى الراهـن برغـبتها طوعا مع تحكمها فى تفاعـلاته، بدلا من أن يتطور بعـيـدا عـنها كرها وغـصبا .

لا شك أن الضربات الجوية المركزة الإسرائيلية ضد أهداف عـسكرية سورية قد فتحت الباب عـلى مصراعـيه أمام جميع الاحتمالات التى قـد تزيـد من حالة التوتـر وعـدم الاستقـرار فى منطقة الشرق الأوسط التى تعـج بكثيـر من التناقضات، فبالرغم من أن هذه المنطقة تعـتبـر نمطا نموذجـيـا لبناء نسق إقليمى مميـز من حيث الامتداد الجغـرافى والإمكانات الاقـتـصـاديـة الهائلة، وتوفر جميع مقومات التعاون والتكامل والتقدم والازدهار، إلا أنها تضم دولا متـنافرة متناحرة تموج بكثير من المشكلات والصراعات، تلتقى فيها مصالح الدول العـظمى والكبرى وتتفرق فيها مصالح دولـها ، فاستغـلت الولايات المتحدة هذه التناقضات والصراعات وجعـلت من إسرائيل فاصلا أرضيا يمنع تعـاونها وتكاملها، وفاصلا زمنيا يحول دون تقدمها حتى تحكم هيمنتها عـلى المنطقة لبناء ما يسمى بـ «الشرق الأوسط الجديد» أو «الكبيـر» حسبما تقتضى مصلحتها العـليا، وجعـلت حدوده تنطبق على حدود العالم الإسلامى .

واستكمالا لتحقيق هيمنتها على المنطقة، أوعزت الولايات المتحدة إلى إسرائيل القيام بهـذه الهجمات الجوية تحت دعـوى أنها لن تسمح لحزب الله بامتلاك أسلحة متقدمة خاصة فى مجال الصواريخ أرض / أرض التى يمكـن أن تهدد كامل العـمق الإسرائيلى، فقامت إسرائيل بتوجيه هـذه الهجمات الجويـة المركزة عـلى منطقة ( جمرايـا ) القريبة من العاصمة السوريـة، التى تضم أكبر مركز أبحاث لتصنيع المواد الكميائية فى سوريـا، وتضم أيضا مناطق تمركز الفرقـة الرابعة واللواء 104 واللواء 105 حرس جمهورى التى تُـعـد الأعلى كفاءة بين القـوات المسلحة السوريـة باعـتبـارها جزءا رئيسيا من الاحتياطى الاستراتيجى لسوريـا، بهـدف القضاء على أى قـوة عـسكريـة قادرة على تهديـد أمنها القومى أو على الأقـل إحداث أكبـر خسائر ممكنـة تُضعـف المقـدرة العـسكرية السوريـة، مستغـلة حالة الإنهاك الكامل للجيش السورى وعـدم قدرته على الرد وردع مثل هذا العـدوان السافر على أراضيها، وهـو ما ظهـر جـلـيـا فى رد الرئيس السورى الطاغـيـة الذى يعـمل عـلى إبـادة شعـبه وأهـله، حيث صرح «بأنه فى حالة معـاودة إسرائيل عـدوانها عـلى الأراضى السوريـة، فسيكون ذلك العـدوان بمثابة إعلان الحرب ضد سوريـا، وبالتالى سيتم الرد العـنيف على هـذا العـدوان»، وهـو ما أدى إلى قيام المعارضة السورية باتهامه بأن هـذه الضربـة قد تمت بالاتفاق بينه وبين إسرائيل حتى يتم إبادة المنشقيـن والمتمردين على النظام من رجالات الفرقة الرابعة واللواءيـن 104 و105 حرس جمهورى، فهل يمكن أن ترتبـط هـذه الضـربـات الجـويـة الإسرائيلية بما جرى ويجرى من أحداث وتفاعلات فى المنطقة؟ بمعـنى هل يمكن أن ترتبط هذه الضربات الجوية بما سبقتها ولحقتها من أحداث؟ فقد سبقها نشر صواريخ الباتريوت الأمريكية على طول الحدود التركية مع سوريا البالغ طولها 800 كيلومتر، وقد سبقها أيضا قيام الكونجرس الأمريكى بإصدار قرار بشأن رفع حظر تصدير السلاح لإمداد المعارضة السورية بالسلاح بما يمكنها من مواجهة قوات الأسد، وقرار كل من فرنسا وبريطانيا بإمداد الجيش السورى الحر بالسلاح، وقد سبقها كذلك سعى الولايات المتحدة الحثيث لإعادة العـلاقات بين تركيا وإسرائيل، والعـمل عـلى توطـيـد هذه العـلاقات باعـتبارهما محـورى ارتكاز تأمين وتحقيق استراتيجيتها فى منطـقـة الشرق الأوسط، ثم قيام إسرائيل بتقديم الاعـتـذار إلى تركيا عـن مقـتـل تسعة أتراك كانوا على متن السفينة «مرمرة»، بل وإعلان إسرائيل عـن استعـدادها لتقديم تعـويضات لأسر الضحايا، وقد أتبعها بعـض التفاعلات التى تعـبـر عـن تنامى حالات الاحتقان وتـزيـد من حالات التوتـر وعـدم الاستقـرار فى المنطقة، إذ تلاحظ قيام سوريا بتوجيه صواريخها أرض / أرض تجاه إسرائيل، وقيام إسرائيل بنشر بطاريتين من نظام القبة الحديـديـة المضادة للصواريخ، وقيام على أكبر صالحى ـ وزير خارجية إيـران ـ بزيارة سوريـا وإعـلانه تأييد ودعـم إيران المطلق لسوريا، عـلى أن أكثر التفاعلات العـسكرية أهمية هى قيام الولايات المتحدة بالإعلان عـن إجراء أكبر مناورة عسكرية ربما شهدتها البشريـة يشارك فيها أكثر من 40 دولة وتقودها الولايات المتحدة قبالة سواحل البحريـن، وفى تزامن مثير للشكوك والدهشة بدأت القوات البحرية الإيرانية إجـراء تدريبات بحرية ضخمة فى بحر عـمان القريب من مضيق هـرمـز، كما أعـلنت تركيا عـن إجراء مناورة واسعـة عـلى حدودها مع سوريـا تستمر 10 أيـام .

وفى خضم هذه التفاعـلات والأحداث التى تدعـو إلى عـدم التفاؤل، فُوجئ المجتمع الدولى بعـقـد اجتماع مشترك بين لافروف ـ وزير خارجية روسيا الوريث الشرعى للاتحاد السوفييتى السابق ـ، وجون كيرى ـ وزير خارجية الولايات المتحدة ـ، خرجا عـلى إثره فى مؤتمر صحفى أعـلنا فيه أن هناك أرضية مشتركة بين الموقفين الروسى والأمريكى، تتمثل هذه الأرضية فى وجود هـدفين رئيسيين، الأول هـو رغـبة الطرفـيـن الأكيـدة فى السعى الحثيث نحو تحقـيـق الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط، تلك المنطقة الحساسة والملتهبة فى العالم، والهدف الثانى هـو ضرورة محاربـة الإرهاب أينما وجـد لضمان صيانة الأمن والسلام الدوليين، ثم أعـلنا أنهما قـد توصلا إلى إطار عام للتفاهم بما يحقـق الرؤيـة المشتركة لدولتيهما، ويتضمن هذا الإطار بعـض المبادئ الرئيسية لتحقيـق هـذين الهدفين، المبـدأ الأول هـو ضرورة عـقـد مؤتمـر دولى قبل نهاية الشهـر الجارى (مايو 2013) لمناقـشـة القـضية السوريـة ووضع حد لمعـانـاة الشعـب السورى وحقنا لمزيـد من الدماء، والثانى هـو ضرورة التوصل إلى حل سياسى للمشكلة السوريـة عـن طريق الحوار بين طرفى الأزمة ( أى بين النظام الحاكم والمعارضة)، أما المبدأ الثالث وهـو الأهم فهـو ضرورة الحفاظ عـلى وحدة الأراضى السوريـة فى إشارة صريحة لعـدم تقسيم سوريـا على أساس عرقى أو طائفى، أما المبدأ الرابع فهـو ضرورة تشكيـل حكومة سوريـة تـوافـقـيـة يمكنها تحقيـق ما يتم التوصل إليه على مائـدة الحوار، فهل يُـعـد هـذا الاجتماع الذى تم بيـن قـطبى النظام الدولى السابق انتصارا لـلـدور الروسى وتراجعـا لـلـدور الأمريكى؟ وإذا كان الأمر كذلك فما أسباب هـذا التراجع؟ وهـل يُـعـد ذلك الوفاق الذى تم التوصل إليه إيـذانـا بعـودة النظام الدولى ثنائى القـطبية؟ وهل يمكن أن تتخلى روسيا عـن الصين التى أيدتها فى جميع المواقـف التى تتعـلق بالشأن السورى؟ وهـل تقبل الصين تسوية هذه المشكلة بمعـزل عـنها ؟

يشير الواقع إلى أن الولايات المتحدة قد أدركت أن لعـبة المصالح قد أصبحت هى اللعـبة الأساسية التى يجب أن تلعـبها بل وتجيدها فى إدارة علاقاتها السياسية مع الآخرين، خاصة مع أقطاب الغـد بعـد أن أدركت أن هناك تناقضا حادا فى معادلتها الاستراتيجية، ففى الوقت الذى تتمتع فيه القوة السياسية والقوة المسلحة الأمريكية بالمكانة الأولى فى العالم، إلا أنها تواجه تهديدا لمكانتها الاقتصادية من الأقطاب العـملاقـة الأخرى، الأمر الذى يبرز معه أن هناك اختلالا فى النظام الدولى القائم على أحادية القطبية سياسيا وعـسكريا من ناحية، وتعـدد الأقطاب اقتصاديا من ناحية أخرى.

■ أستاذ العلوم السياسية... جامعة بورسعيد

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.