رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من أقوال الصحف.. قراءة وتحليل وتعـقيب


أعـلن الدكتور مرسى فى كلمته أمام مؤتمر قمة الدول الإسلامية أن مصـر حريصة على توثيق أواصر الصلة مع جيرانها إقليميا وإسلاميا وعالميا، وهـو ما يشكل تناقضا حادا فيما كانت تعـلـنه الجماعة وهى فى موقع المعارضة، وما تعـلـنه بعـد وصولها للحكم، ويشكك فى التوجه السياسى لها.

مضى الأسبـوع الأول من فبراير الزاخر بأحداثه المتلاحقة والتى تميزت بسرعة وكثافة وتراكم تفاعـلاتها، والتى تناقـلها الإعـلاميـون فى وسائل الإعلام المختلفة، خاصة الصحف الحكومية والحزبية والمستقلة، كلٌ تناولها من وجهة نظره وانتمائه، وقـد لفت نظرى كثير من هذه الأحداث التى تناولتها الصحافة المصرية، وكان أبرزها مقولتان متقابلتان لشيخين جليلين أكن لهما كثيرا من الاحتـرام، هاتان المقولتان اتفقتا عـلى وصف كل من يخالف الشيخين الرأى بأنه حمار، فقد صرح المرشد السابق لجماعة الإخوان المسلمين فى جريـدة الوطن (6 فبراير ص2) بأن الحديث عن إسقاط مرسى «كلام فارغ وشغـل عـيال» وعـلى الجميع أن يحترم إرادة الشعـب الذى إختاره، ومن يطالب بتعـديـل الدستور الآن « حمار لا يفهم »، بينما صرح الأستاذ الدكتور أحمد كمال أبو المجد فى حواره المنشور بجريدة الوطن (5 فبراير ص12) بأن مشهد مسحول الاتحادية ينذر بتعـرض الشعـب كله للسحل وأن السلطة قد آلت إلى المجانين، وأقول لمن ينادى بسقوط مرسى «اسكت يا حمار وروَح لأمك»، ونصف الإعلاميين عايز ضرب الجزمة، فهل يقبل المرشـد السابق أن يوصف كل من يطالب بالإبقاءعـلى الدستور وعـدم تعـديـله بهذا الوصف المهيـن بالرغـم من اعـتراض السيد وزيـر العـدل والسيد نائب رئيس الجمهورية وآخرين على بعـض مواده صياغة ومضمونا؟ وكذلك هل يمكن أن يقبل أستاذنا الجليل الدكتور أبو المجد هذه العـبارات الجارحة على كل من ينادى ببقاء مرسى؟ إذ يُعـتبـر هـذا الوصف من وجهة نظر الدين الحنيف نميمة وغـيبة وبهتانا عـظيما؟ فإذا كان هذا الوصف يُعـد تجاوزا بالقول وخروجا عـن القيم والأعـراف الدينية والوضعـية، فإن الأمر إذن لا يستوجب الاعـتـذار فقط باعـتبارهما هامتين عاليتين، ولكن يستوجب منهما أيضا الاستغـفار والتوبة.

أما الأمر الثانى الذى لفت نظرى فيتعـلق بثلاثة أخبار عن ثلاثة موضوعات مختلفة لكنها متقابلة متشابهة، وجميعها تُعـبر عـن شماعة الدواعى الأمنية التى يُعـلق عـليها كثير من الأخطاء والترهات التى توضح سوء النوايا وسوء المنقلب وسوء الأداء والمبررات الضحلة غـير المقـنعـة، حين « تلقت هيئة الدائرة العاشرة بمحكمة جنايات الإسكندرية خطابا من مديرية أمن الإسكندرية يفيد بتعـذر نقل المتهم نخنوخ لدواع أمنية، خوفا من محاولته الهروب أثناء نقله من محبسه بسجن برج العـرب إلى ديوان المحكمة، مما أسفــر عـن تأجيل الجلسة ( الدستور 4 فبـرايـر 2013)، وجاء فى جريـدة ( المصرى اليوم 4 فبراير 2013) أن اللواء أشرف عـبد الله- مدير الإدارة العامة للأمن المركزى بالقاهرة- قد صرح، بأن البعـض يقول إن قوات الأمن تتعامل مع المتظاهرين بصورة سيئة، لكن الحقيقة أن المتظاهرين هم الذين يعاملوننا بصورة بالغـة السوء، أما «جريدة الشروق» فقد صرحت لها مصادر بأن قيادات فى جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعـدالة وأخرى تنتمى إلى التيار الإسلامى السياسى قدمت مطالبات عـديدة خلال الأيام الماضية بعـد اتساع رقعـة العـنف وتطور الأحداث فى الشارع وصولا إلى محاولات اقتحام قصر الاتحادية بـ«ونش» حتى يخرج الرئيس مرسى إلى الشعـب ويصارحه بتفاصيل ما يجرى، خروجا من حالة الغـموض التى وقعـت فيها قطاعات من المواطنين بدلا من تكرار القول طوال الوقت عـن مؤامرة ضد الرئيس دون إخراج الدليل المقنع إلى الشعـب، إلاَ أن جميعـها قوبلت بالرفض من الرئيس لدواع أمنية، وطالما كان الأمر كذلك فـإننى أمتـنع عـن التعـليق لدواع أمنية.

وقـد عـبـر الدكتور وسيم السيسى عـن رأيه فى جريــدة المصرى الـيـوم (2 فبراير 2013 ص13) عن أعـداء الوطن فى الخارج والداخل بأسلوبه الرشيـق وكلماته الرقيقة «إن أفضل ما فى الثورة أن اكتشفت مصـر أن أعـداءها كثيرون، الصهيونية العالمية، الولايات المتحدة، إسرائيل، قطـر، حماس، وأعـداء الداخل أشد شراسة من أعـداء الخارج، أعـداء مصـر يريدون تقسيمها أو تمزيقها، يلعـبون بأوراق خائبة: الدين، المعـتقـد، المذهب، الرياضة، وإن من مكاسب هـذه الثورة أن عـرف الشعـب من هم الإخوان المسلمين، وتساءل عمَن قال إن هناك حرية بيضاء، فهى دائما حمراء»، فإذا كنا قد عـرفنا أعـداء الخارج، فهل يقـصد الدكتور وسيم أن الإخوان المسلمين هم فقط أعـداء الداخل.

كما انفـردت جريدة الدستور (6 فبراير 2013 ص2) بمفاجأة جديــدة كشفـت عـنها صحيفـة «العـرب» اللندنية، تتعـلق بوثيقة سريـة صادرة عن كتائب عـز الدين القـسَام موجهة إلى قادة ألويتها لتجهيز قائمة تضم 500 مقاتل لمسانـدة الرئيس مرسى وجماعـته فى المحنة التى يعـيشونها حاليا، من محاولة من فلول العـهـد البائـد للعـودة إلى الحكم، وتؤكد الوثيقة ضرورة توخى السرية فى إتمام هـذه المهمة، فهل يمكن أن تكـون هـذه الوثيقة السرية دليلا أو تقدم إجابة شافية عـن السؤال الحائر: (من الذى يقتل المتظاهرين؟) حيث يمكن أن تشفى الإجابة عـن هذا السؤال صدور قوم فقـدوا فلذات أكبادهم غـدرا وخيانة، وينهى الجدل الدائر بين أولـئك الذين لا يزالـون يتساءلون عن هـويـة الطرف الثالث؟ إذ يمكن ملاحظة أن أسلوب القـتـل يكاد يكون واحـدا، باعـتلاء أسطح المنشآت وإطلاق الرصاص والخرطوش عـلى المتظاهرين، بعد أن يكونوا قـد قـبـضوا الثمن من الإمارة القزمية التى يمكن أن تكون أصغـر مساحة وأقـل عددا من سكان أى حى من أحياء القاهـرة.

وأخيرا فـقـد أعـلن الدكتور مرسى فى كلمته أمام مؤتمر قمة الدول الإسلامية بأن مصـر حريصة على توثيق أواصر الصلة مع جيرانها إقليميا وإسلاميا وعالميا، وهـو ما يشكل تناقضا حادا فيما كانت تعـلـنه الجماعة وهى فى موقع المعارضة، وما تعـلـنه بعـد وصولها للحكم، ويشكك فى التوجه السياسى لها، إذ يمثل هذا التناقض إشكالية بالغـة الدقة والتعـقـيـد فى علاقات مصر الدولية مع كل من إسرائيل وبالتالى مع الولايات المتحدة وإيران وبعـض الدول العـربية (الإمارات العـربية وربما السعـودية)، فعـلى سبيل المثال عـندما كانت الجماعة تملأ الدنيا ضجيجا وهى فى موقع المعارضة بالتـنديـد بالتطبيع مع إسرائيل، وضرورة طرد السفيـر الإسرائيلى من مصر وإلغاء معاهـدة السلام، فقـد تبدل الموقف المتشدد بعـد وصولها إلى قمة السلطة، إذ ينعـكس من خلال الخطابات المتبادلة والرغـبة فى استمرار العلاقات واحترام المعاهـدات بما فيها كامب ديفـيـد والاكتفاء بتعـديل الملحق الأمنى، والتراجع عن تصريحات وصف اليهود بأبناء القردة والخنازيـر بعـد اعـتـراض الولايات المتحدة، عـندئـذ سارع المتحدث الرسمى لمؤسسة الرئاسة بنفيها متعـللا بأنها قد اجتزئت من السياق التى قيلت فيه، لإرضاء واشنطن وامتصاص غـضب تل أبيب وهو ما يعكس مدى تبعـية النظام فى مصر للولايات المتحدة، أو عـلى الأقـل يعـكس المحتوى السياسى للتفاهمات والاتفاقات التى تم التوصل إليها، كما يدلل هذا التحول فى الموقف عـلى أن مصالح الولايات المتحدة لا ترتبط مع هياكل الدولة الرسمية أو القوى الطبيعـية لمجتمعاتها بقدر ما ترتبط بحكامها.

والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل.

■ أستاذ العلوم السياسية- جامعة بورسعيد

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.