رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اللادولة والمبادرات المطروحة بين الشك وعـدم اليقين


وأخيرا أوجه سؤالا إلى شيخ الأزهر، وهـو الرجل الذى له عندى رفيع المكانة وأكن له عـظيم الاحترام: هل تعـتقد يا شيخنا الجليل بعـد أن شاهدت المصريين يؤخذون بالنواصى والأقدام أن هناك جدوى لتفعـيـل وثيقة الأزهر؟

تميزت الفـتـرة القريبة الماضية بسرعـة وكـثـافـة وتراكم تـفـاعلاتـها السلبية والمسيئة لمصر كلها، ولعـل أبرز هـذه التفاعلات السلبية هى التى نتجت عـن صدور بعـض الأحكام فى القضية المشهـورة بمذبحة بورسعـيـد وتحويل أوراق 21 متهماً إلى فضيلة المفـتى لإجراء شئونـه وإبـداء الرأى الشـرعى فى الحكم بإعـدامهم، بالرغم من أن هـذا الرأى غـير ملزم للمحكمة، وبدلا من الاحتفال بذكرى 25 يناير، ارتفعـت حدة الاشتباكات والاحتجاجات فى معـظم محافظات مصر ضـد ممارسات نظام الحكم القائمة على هدم أركان الدولة وأخونة مؤسساتها، فتصاعـدت أعـمال العـنف خاصة فى محافـظة بورسعـيـد لعـدم رضاها عـن هـذه الأحكام، وحاولوا اقتحام السجن المركزى الكائن فى قلب المدينة فى حى العـرب أكثر أحياء المحافظة كثافة فى السكان ، مما أدى إلى سقوط عـدد كبير من القتلى يفـوق كثيرا عـدد المحكوم عليهم بالإعـدام، ومع تصاعـد حدة الاحتجاجات والاشتباكات وأعـمال العـنف صدر القرار غـيـر المدروس بفرض حالة الطوارئ وحظر التجوال وتطبيقه فى محافظات القناة الثلاث، فازداد الموقف اشتعالا، وفى الوقت نفسه انتشرت قوات الجيش على ضفـتى القـنـاة بينما قامت بعـض وحدات القـوات البحرية بتأمين الخط الملاحى داخل القـناة، الأمر الذى برز معه أن هـناك تهديدات وأخطاراً تواجه الملاحة الدولية، ويشير إلى عـدم قدرة الدولة عـلى حماية هذا المجرى الملاحى المهم إلا بالقـوة المسلحة، وهو الأمر الذى يؤدى أيضا إلى تعاظم الأزمة الاقتصادية العالمية وزيادة الأعـباء المالية على معـظم شعـوب العالم، وكأن هذا القرار يدعـو إلى تدخل القوى العـظمى والكبرى لحماية المجرى الملاحى الدولى طالما أن هناك مخاطر تؤثر فى الاستقرار العالمى، وطالما أن الدولة المالكة للقناة تقوم بحمايتها بالقوة المسلحة.

ثم قامت مجتمعات المحافظات الثلاث بكسر حظر التجوال فى تحد سافر وإصرار شديد حتى تراجعـت مؤسسة الرئاسة وفوضت محافظى مدن القناة الثلاثة بالنظر فى قرار حظر التجوال كلٌ وفق ظروف محافظته، والغريب أن قرارات المحافظين الثلاثة قد اتفقت جميعـها على تقليص مدة الحظر إلى 3 - 4 ساعات قبل الفجـر ولم يجرؤ واحد منهم على إلغاء الحظـر، خاصة أنه لا يوجد مبرر واحد مقـنع يمكن أن يمنع المحافظين من إلغـاء هذا الحظر، وإزاء هـذه الأزمة التى كان يمكن تجنبها والتى أضافت أزمة جـديـدة إلى الأزمات الرئيسية الطاحنة سواء الأزمة السياسية أو الأزمة الاقتصادية، تم طرح العـديـد من المبادرات للتعامل مع كل هذه الأزمات التى تهدف جميعها إلى انتشال الدولة من عـثـرتها، حتى لا تصبح مصـر العـظيمة بقايـا دولة يحكمها أنقاض نظام، جديـر بالملاحظة أن عـدد المبادرات قـد وصل إلى أكثر من ثلاث عـشرة مبادرة.

ولكى يكون لدينا نقطة انطلاق سليمة لتقييم هـذا الكم الكبـيـر من المبادرات، ينبغى توضيح مفهوم المبادرة التى يمكن تعـريفها بأنها القدرة العالية عـلى إدراك أبعاد الأزمة وتحديد الإجراءات اللازمة لمواجهته، بغـرض إحداث التوافق والتفاهم بين جميع الأطراف للتوصل إلى حـل متوازن ومتكافئ يضمن تحقيق المصلحة القومية العـليا أولاً، ثم تحقيق مصالح جميع الأطراف فى توازن وتكافؤ، أو تقليل آثارها إلى أدنى حد للخروج منها بأقـل خسائر ممكنة لضمان استقرار الدولة، وبتطبيق هذا المفهوم على المبادرات المطروحة يمكن التوصل إلى أن المبادرات التى تتسق مع هذا المفهوم هى وثيقة الأزهر الشريف التى تدعـو إلى نبذ العـنف وتكريم الإنسان، ومبادرة حزب «النور» ومبادرة الأستاذ الدكتور سعـد الدين إبراهيم التى تعـتبر فى رأيى أنها المبادرة المتكاملة التى يتعـين على الجميع السعى لتفعـيلها التى تتضمن النقاط التالية:

1- الحفاظ عـلى كيان الدولة ومنعـه من الانهيار 2- الخروج من حالة الانهيار الاقتصادى 3- إلغاء الدستور المشوه والمعـيب الذى يرسخ للانقسام 4- تشكيل لجنة تأسيسية جديـدة لوضع وصياغة دستور يحظى بالتوافق المجتمعى 5-الإعلان عـن انتخابات رئاسية وبرلمانية جـديـدة وفقا للدستور الجديد تحت إشراف قـضائى كامل ورقابة تامة 6- تشكيل حكومة إنقاذ وطنى تتولى إدارة شئون البلاد والإشراف عـلى تنفيذ هذه المبادرة، ويمكن إضافة عنصرين رئيسيين إليها، العنصر الأول هو إقالة النائب العام وتعـيين نائب عام جديـد بترشيح ثلاثة مستشارين لاختيار أحدهم، والعنصر الثـانى هو وقف العـدوان الصارخ من السلطة التنفيذية على السلطة القضائية وضمان استقلالها.

ولضمان نجاح المبادرة يتعـين أولا اتفاق جميع الأطراف عـلى تحديد الإجراءات التى يلزم اتخاذها فـورا لوقف تدهـور الموقـف، وأعتقد أن هذه الخطوة المهمة قد تمت بعـد أن وافق الجميع على وثيقة الأزهر الشريف بنبذ ووقف العـنف حقناً للدماء الزكية تكريما للإنسان المصرى، كما يتعـين أن تحقق المبادرة نتائج ملموسة سريعة فى أقصر وقت ممكن حتى يمكن إقناع المجتمع بجميع أطيافه وطوائفه بجدوى المبادرة وترسيخ الولاء والانتماء للدولة، وإحداث الاستقرار اللازم لتحقيق جميع الأهداف المرجـوة، كما يؤدى تحقيق بعـض النتائج السريعة إلى نشر روح التفاؤل وبث الثقة المتبادلة بين جميع الأطراف، والشعـور بالفخر والاعـتزاز بمجهوداتهم فى إنقاذ البلاد من هذه الأزمة الطاحنة، وبالتالى تزيد قناعـتهم بضرورة استمرار التعاون بينهم، ثم يتعـين تحديد الإجراءات الواجب اتخاذها عـلى المدى المختلفة سواء المدى القريب أو المتوسط أو البعـيـد وربط هذه الإجرءات بجدول زمنى ملزم للجميع، وأخيرا يتعـين تحديـد الضمانات التى ينبغى الالتزام بها من جميع الأطراف.

عزيزى القارئ أرجو أن تسمح لى ألا أستكمل هذا المقال بعـد أن شاهدت المشهد المخزى الذى بثته قـناة «الحياة» عـندما جرَد صناديـد قريش جميع المصريين من ملابسهم كما ولدتهم أمهاتهم وأوسعـوهم ضربا وركلا بالأقـدام، ولذلك يساورنى الشك وعـدم اليقين فى إمكانية الخروج من هذا المأزق الذى وضعـنا أنفسنا فيه، فحق علينا أن نعـيش فى اللادولة التى يحكمها أولئك الذين تكبروا وتجبروا على عباد الله، فلأول مرة يفعـل رئيس اللادولة ما هـدد به بأن لديه المزيد عـندما فرض حالة الطوارئ عـلى مدن القـناة وقد فعـل، ويساورنى الشك أيضا عـند تحليل السلوك السياسى لرئيس اللادولة،إذ يمكن ملاحظة التناقض الكبير فى انتمائه السياسى بين انتمائه للادولة التى يرأسها وبين انتمائه لأهله وعشيرته ، ويساورنى الشك أيضا من تصريحات رئيس وزراء اللادولة فى لقائـه مع ضباط وأفراد الأمن المركزى لاحتواء غـضبهم من وزير داخليته أنه سيوفر لهم التسليح اللازم والغـطاء القانونى الذى يسمح لهم بإطلاق الرصاص الحى عـلى من يرونهم بلطجـيـة «نقلا عن جريدة الوطن» وقد فعـل.

■ أستاذ العلوم السياسية - جامعة بورسعيد

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.