رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مؤشرات النتائج الحقيقـيـة للاستفـتاء.. «المرحلة الأولى»


فمقدراتنا السياسية «انهيار العلاقات الدولية»، والاقـتصاديـة «وصل الاقتصاد المصرى إلى حافة الانهيار»، والاجتماعـية «التوتر والعـنف وتنامى ظاهرة الانتقام من الآخر»، بل والمقدرة العـسكرية، لذلك أدعـو الله مخلصاً أن يُدرك الجميع مدى الأخطار التى تحيق بكنانة الله فى أرضه.

جاءت نتائج المرحلة الأولى من الاستفتاء عـلى الدستور التى تم إعـلانها بالأمس مخيبة لآمال الذين ذهـبـوا للتصويت بالموافقة أو عـدم الموافقة عـليه، خاصة عـندما اكتشف هؤلاء وأولاء أنهم يمثلون الأقـليـة المطلقة فى المحافظات العـشـر التى أجـرى الاستفتاء فيها رغـم أن بعـضها تمثل كتلاً تصويتية ضخمة مثل القاهـرة والإسكندرية والـشرقـيـة والغـربيـة، فلم تتعـد نسبة المشاركة 31% ممن لهم حق التصويت.

بينما تمثل نسبة غـيـر المشاركين 69%، وهو ما يدلل عـلى افـتقـاد شرعـية التعـبيـر السياسى وتراجع الإرادة الشعـبية للمجتمع المصرى، وقد يرجع ارتفاع نسبة غـير المشاركين إلى ثلاثـة أسباب، الأول: عـدم قناعتهم بمشروع الدستور، فهو فى نظرهم يقيد الحريات ويسمح للمجتمع بمراقبة ومحاسبة الأسرة على القيم الأصيلة إلى جوار الدولة، ويسمح بالتأميم والمصادرة فهو يصادر الصحف ويكمم الأفواه ويلغى تراخيص القنوات الفضائية، ويسمح بالتأميم والمصادرة ويرسخ للسخرة وإجبار الناس على العـمل بالقانون، ويرجع السبب الثانى إلى عـدم قـدرة القـوى السياسية المتنافسة عـلى إقناع الكتـل الناخبة بالتفاعـل مع توجهاتها السياسية وخطابها الانتخابى.

أما السبب الثالث، فيعـود إلى المضايقات المختلفة التى مارستها الجماعة لتعـطيـل التصويت، فقد مارس أعـضاؤها جميع أعـمال الترغـيب والترهيب وتضييق الخناق عـلى المشاركين خاصة فى اللجان التى يعـلمون أنه سيغـلب فيـها التصويت بالرفض، إلى حد إحداث الزهق فترك المشاركون صفوفهم وعـادوا إلى منازلهم خاصة السيدات، وربما يعـود التراجع أيضا إلى الأسباب الثلاثة مجتمعة، فالتيار الإسلامى بالرغـم مما لديـه من إمكانات تنظيمية هائلة وسلطات تنفيذية واسعـة، لم يستطع إقناع سوى حوالى 55% من المشاركين، بينما استطاع التيار المنافس إقناع حوالى 45% من المشاركين وهو ما شكل مفاجأة كبيرة للتيار الإسلامى السياسى، إذ لا تعـبر هـذه النسبة عـن رفض مشروع الدستور فحسب.

ولكنها تعـبـر أيضا عـن رفض الخطاب السياسى للتيـار الإسلامى بصفة عامة ولسياسات الجماعة وتراجع شعـبيتها بصفة خاصة، ورغم أن هذه المرحلة من الاستفتاء قـد شابها كثيـر من التجاوزات والخروقات غـير القانونية التى تعـيـد إلى الأذهان نفس مشهـد انتخابات 2010 بممارسات الحزب الوطنى، فإن نتائجها قـد حملت فى طياتها عـدة مؤشرات يمكن التوصل بواسطتها إلى النتائج الحقيقية للاستفتاء فى مرحلته الأولى.

ولعل أبرز هـذه المؤشرات التى تعـبـر عـن النتائج الحقيقية هو ذلك الخطاب الدينى المـوحـد الذى وجهه معـظم أئمة المساجـد والزوايـا فى المدن والقرى والكفور والنجـوع يوم الجمعة السابق ليوم الاستفتاء، حيث تم التوجيه بضرورة التوجه إلى صناديق الاقتراع للموافقة عـلى الدستور، فمن يكتم الشهادة فهو آثـم قلبه، ومن يرفض الدستور فليتبوأ مقعـده من النـار، هكذا اتخذوا من الدين متكـأ ومن القرآن حجة ومن السنة ذريعة لتوجيه الخلق كيفما تريد أهواؤهم، فهبـطـوا بالديـن من عـليـاء السماء إلى دونية الأرض، وبدلاً من أن يُبقـوا عـلى مكانـتهم فى قلوب المصريين الذين يوقرونهم ويكنون لهم عـظيم الاحترام، إلاَ أنهم ظلموا أنفسهم إلى الحد الذى أرغـم فـيـه جموع المصلين إمام مسجـد النصر بمدينة القنايات بالنزول من أعـلى المنبر عـندما أيـد الدستور أثناء خطبة الجمعة.

كما يمثل استمرار حصار المحكمة الدستورية العـليـا أحد المؤشرات التى تعـبـر عـن النتائج الحقيقية، حيث يُـبـرز استمرار الحصار مدى خـوف الـنـظام من صدور أحكام تبـطل تشكيل مجلس الشورى بسبب تشكيله عـلى أساس بطلان القانون الذى أتى بـه، وخوفاً من صدور حكم ضد الجمعـية التأسيسية التى وضعـت مشروع الدستور حيث تم تشكيلها أيضاً بنفس عـوار تشكيل الجمعـية الأولى، فمن غـيـر المعـقـول أن تكون مؤسسة الرئاسة ومكتب الإرشاد وقيادات حزب الحرية والعـدالة بمنأى عن توفـيـر الغطاء السياسى والأمنى لهؤلاء المعتصمين حول المحكمة، وهو ما يمثل قمة التوجه السياسى الجائر ضد السطة القضائية، كما يمثل ضحالة الفكر السياسى وغـياب المنطق وعشوائية القرارات، إذ إن هناك فرقاً كبيراً بين التظاهر السلمى المشروع وبين الاعتصام الذى يمثل جريمة يعاقب عـليها القانون فهو اعـتداء عـلى أراضى الدولة وتعـطيـل لمصالحها وإهـدار لقيمة العمل، أما ثالث المؤشرات التى تعـبـر عـن النتائج الحقيقية للمرحلة الأولى للاستفتاء، فهى نتيجة التصويت فى دائرة الرئيس، ذلك أن النتائج قد أبرزت أن 77% على الأقل غـيـر راضين عن مشروع الدستور، وقد يكون أحـد أسباب الرفض هو شعـور الناخبين بالإهانـة عـندما منعهم الأمن من دخول اللجنة للإدلاء بأصواتهم قبل حضور الرئيس الذى حضر فى التاسعة والنصف، ما أدى إلى تراكم المشاركين فى طوابيـر طويلة إلى الحد الذى دفع الناخبات للاحتجاج وهن يرددن «مش حنمشى» للتأكيد عـلى إصرارهن عـلى التصويت برفض الدستور.

وبالمثل فإن ما حدث من هتافات عـدائية ضد المهندس خيرت الشاطر ـ نائب المرشد العام للجماعة ـ يعـتبـر أيضاً مؤشراً مهماً يعـبر عـن النـتائـج الحقـيـقـيـة لهذه المرحلـة، عـندما رددت جموع الناخبات هتافات ضده «باطل - قاتل» فلو كانت هذه اللجنة تتمتع بأغـلبية مؤيـدة للجماعة ما تمكن هؤلاء السيدات من أن يرددن مثل هذه الهتافات خوفاً من الاشتباك مع الأخريات حتى ولو بالقـول، أما نتائج العاصمة فهى تعـبير صادق عـن النتيجة الفعـلية للاستفتاء، ذلك أن العاصمة غالباً ما تكون تحت أضواء الإعلام المحلى والإقليمى والدولى وجماعات المراقبة، وبالتالى فإن إحداث التجاوزات والخروقات غـير القانونية يكون بصورة أقل عـنها فى أقاليم وقرى ونجـوع المحافظات البعـيـدة التى يصعـب الوصول إليها، ونأتى إلى أحـد أهم مؤشرات النتائج الفعـلية وهى تبرير تمرير هذا الدستور الذى أدى إلى إشاعة الفوضى وتكدير الأمن العام والسلام الاجتماعى، وأعـنى به بيان مساعـد الرئيس للعلاقات الخارجية والذى تمت صياغـته باللغة الإنجليـزيـة، حيث اتهم المحكمة الدستورية العـليـا بأنها مناهضة للثورة، بل ومشاركة فى المؤامرة الوهـمية ضد الرئيس، وهو اتهام صريح موجه لقضاة مصر بالانهيار السلوكى والأخلاقى، وهو ما يعـنى الإصرار العـمدى للانتقام والإساءة إلى هذه المحكمة عـالـية المهمة سامية الرسالة، وأعـتقد أن هـذا البيان يحمل فى طياته رسالتين، الأولى لتحسين صورة النظام فى الخارج بعـدما اتسمت صورتـه بالعـنـاد والاسـتـبـداد، والثانية هى الاعـتراف بعـدم قدرة وسائل إعـلام التيار الإسلامى عـلى التأثير فى الرأى العام بنفس قـدر التأثير الذى يحدثه الإعـلام الخاص.

وترتيباً عـلى ما سبق، فإن الاستفتاء لن يحسم مشروعـية وشرعـية هـذا الدستـور غـيـر المتوافق عـليه، فمقدراتنا السياسية «انهيار العلاقات الدولية»، والاقـتصاديـة «وصل الاقتصاد المصرى إلى حافة الانهيار»، والاجتماعـية «التوتر والعـنف وتنامى ظاهرة الانتقام من الآخر»، بل والمقدرة العـسكرية، لذلك أدعـو الله مخلصاً أن يُدرك الجميع مدى الأخطار التى تحيق بكنانة الله فى أرضه.

والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل.

■ أستاذ العلوم السياسية - جامعة بورسعيد

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.