رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الانقلاب على الديمقراطية فى تركيا «٢»


ومن الأمور التى أظهرتها المحاولة الانقلابية الأخيرة فى تركيا ما يمكن تسميته ردة الفعل المرتبة والمغالية فى القسوة من قبل حكومة أردوغان ضد من سمتهم «مدبرى الانقلاب والداعمين له» والذين لهم علاقة بفكر مناهض لأردوغان سواء فى المؤسسة العسكرية أو فى المؤسسات الأخرى والتى شملت أعداداً كبيرة من القضاة والساسة والكتاب والصحفيين والإعلاميين والموظفين العموميين، وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع ما يحدث فى تركيا نرى أن رد الفعل ترتب عليه شكلا من أشكال الاختلال فى المعادلة التركية التقليدية وصادر تاريخا للممارسة الديمقراطية ما جعل ذلك يؤثر بالسلب على السياسة الخارجية التركية.

وهذا لا يعنى أنه كان مطلوبا من أردوغان التساهل وعدم تأمين نظام حكمه وبقائه فى السلطة، لكن وفق المنطق كان يجب أن تتم المحاسبة من خلال القانون ووفق أحكام الدستور وفى ظل الحفاظ على المكتسبات الديمقراطية بلا أى تجاوزات فى حقوق الإنسان حتى لا يؤثر هذا السلوك على صورة الدولة التركية فى الخارج.

إن هذا الأردوغان فى محاولته تكميم الأفواه بعد محاولة الانقلاب عليه أغلق العديد من القنوات الفضائية فى بلاده، وقال إنها تروج للفكر الانقلابى وتتبع المعارض فتح الله جولن وترك قنوات أخرى تابعة لإرهابيين هاربين تنعق من تركيا، الأمر الذى يؤكد أنه يأتمر بأمر التنظيم الدولى للإخوان وفى الوقت نفسه يتعامل بأسلوب المعايير المزدوجة ونتيجة لذلك أتصور أن رجب طيب أردوغان بدأ طريق النهاية.

وهنا فى الواقع - هو بيت القصيد - لأن ما تم من اعتقال قوائم بسرعة كبيرة ما يجعل المراقبين يجزمون أنها كانت معدة سلفا على ما يبدو وجاء فشل المحاولة الانقلابية لإعطاء الضوء الأخضر للتنكيل بمعارضى أردوغان، خاصة أن من قوائم أخرى شملت أسماء عشرات الآلاف تم وقفهم عن العمل، كما جرى توقيف آلاف آخرين بسبب الاشتباه فى هويتهم خاصة بعد تطبيق قانون الطوارئ.

وتعتبرهذه كلها مظاهر تبعث على قلق الأطراف الأخرى سواء داخل المجتمع التركى خاصة الأقليات العرقية مثل العرب والأكراد والأرمن وغيرهم أو خارج تركيا خاصة من الدول الحليفة لأنقرة وكانت الصورة ولاشك أن المشهد السياسى التركى قد ألقى بظلال قاتمة إلى حد كبير على مستقبل الاقتصاد التركى ومعادلة الاستقرار التركية وعلى سبيل المثال لا الحصر تراجعت السياحة - وهى أحد مصادر الدخل القومى الرئيسية - بنسبة أربعين فى المئة خلال شهر يوليه 2016 بسبب إلغاء حجوزات عشرات الأفواج السياحية.

وكانت مدينة اسطنبول واحدة من المدن العالمية التى تشهد رواجاً سياحياً كبيراً فى هذا الوقت من العام، غير أن الأوضاع الحالية وعدم الاستقرار الأمنى نتيجة ماحدث من محاولة انقلابية فاشلة وما تلاها من إجراءات لاحقة من قبل الحكومة جعل تركيا بلدا غير مرغوب فيه سياحيا على الأقل فى الوقت الحالى.. وللحديث بقية.