رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أطراف الصراع العـربى ــ الإسرائيلى.. والموقف الراهن


لا أستبعـد أن تكون حركة الانقلاب الفاشلة فى السودان من تدبير الولايات المتحدة. أما تفاعلات القوى الفاعـلة الأخرى (تركيا – إيران – مصر) فسأتناوله فى مقال الأسبوع القادم إن شاء الله.

تناولت فى مقال الأسبوع الماضى بعض التساؤلات عـن مستقبل الصراع العـربى الإسرائيلى بعـد إعادة انتخاب أوباما وهى، هل يمكن أن يراجع أوباما تجربته بشأن الصراع العـربى الإسرائيلى ويلتـزم بحل هذا الصراع المزمن عـلى أساس مبـدأ دولتين لشعـبين كما أعـلن فى خطابه بجامعة القاهرة؟ وما هـو المحتوى الفكرى والأخلاقى لهذا الحل الذى سيتحدد على أساسهما بنيان وقيم هاتين الدولتين؟ وهل سيكون هذا الحل متوازنا ومتكافئا يرضى جميع الأطراف خاصة بعـد أن تحرر من ضغـوط الضوابط والمعايـيـر والاشتراطات التى حكمت سياساته فى فترة رئاسته الأولى؟ أم ستحول التفاعلات والمتغـيـرات الإقليمية والدولية الراهـنة والمستقبلية دون تحقيقه؟ وهل يتسق حل أوباما مع ما جاء بوثـيـقـة الجـنـرال الإسرائيلى «إجـيورا إيلاند» والذى يطرح حلا للصراع عـلى أساس إقليمى يؤسس لقـيـام دولـة (أردنسطين)؟

يدور الحل الإقليمى الذى يشمل كلاً من مصر والأردن وإسرائيل والفلسطينيين حول تبادل بعـض الأراضى، أو «التنازلات المؤلمة» التى أعـلن عـنها أوباما فى خطابه بجامعة القاهـرة، بتخلى إسرائيل عن معـظم الأراضى التى تحتلها فى الضفة الغربية، وتستقطع مصر جزءاً من سيناء لصالح الفلسطينيين، فى مقابل أن يتنازل الفلسطينيون بمساحة مساوية من الضفة الغربية لصالح إسرائيل، ولعـل أخطر ما زعـمه إيلانـد هو أن أوباما جاء لتنفيذ هذا المخطط، وأن عـملية الانسحاب الإسرائيلى من غـزة عام 2005 كانت هى الخطوة الأولى لتنفيذه، وأضاف أنه برغـم أن مصـر قد رفضت ذلك لإدراكها خطورة المخططات الإسرائيلية إلاَ أن حركة حماس رحبت بذلك.

وكان ثمن هذا الترحيب حصولها على الأغـلبية المطلقة فى الانتخابات التشريعـية الفلسطينية قبل أن تنقلب عـليها حركة فتح فى يوليو 2007، ويتم تبادل الأراضى وفقاً للأسس التالية: أن تتنازل مصر عن 760 كيلومتراً مربعاً من أراضى سيناء لصالح الدولة الفلسطينية المقترحة، وهى عـبارة عن مستطيل ضلعه الأول ٢٤ كيلومتراً يمتد بطول ساحل البحر المتوسط من مدينة رفح غـربا وحتى حدود مدينة العـريش، ويصل طول الضلع الثانى إلى ٣٠ كيلومتراً من غرب كرم أبوسالم ويمتد جنوبا بموازاة الحدود المصرية الإسرائيلية، وتتنازل إسرائيل لمصر عـن جزء من جنوب غرب صحراء النقب (امتداد وادى فيران) بمساحة قد تصل إلى ٧٢٠ كيلومتراً مربعاً (أو أقل قليلاً) ويتنازل الفلسطينيون عن (يهودا والسامرة) بالضفة الغربية لإسرائيل بمساحة ٧٢٠ كيلومتراً مربعاً أى ذات المساحة التى ستُضم إلى غزة من مصر، فإذا كان الأمر كذلك أى هناك حل تم التوافق عـليه، فلماذا إذن توجِه إسرائيل هذه الضربات الجوية فى عملية عامود السحاب ضد الشعب الفلسطينى فى غـزة؟ وما هو موقف الولايات المتحدة وردود أفعال القوى الإقليمية الفاعلة من هـذه العـملية؟ ولماذا تُصر إسرائيل على ضرورة التوصل إلى هدنة طويلة الأمد؟

فى يقينى أن إسرائيل تدرك تماما أنها تحمل ضعـفا شديدا فى كتلتها الحيوية يتمثل فى ضآلة عمقها الاستراتيجى وعـمق متناقضات نسيجها الاجتماعى، حيث اكتسب يهود الشتات سمات محددة عـبر قرون مضت عـندما عاش اليهود كأقلية فى مجتمعات مغـلـقـة فى مختلف دول العالم، فـتعـددت الأجناس وتنوعـت اللغـات واختلفت الثقافات وتناقضت القـيم، وتعاظم هذا التناقض بين العلمانيين والدينيين وبين جيل المؤسسين أى جيل الشتات وجيل الصابرا الذين ولـدوا فى إسرائيل، وإزاء هذا التناقض كان لابد من وجودعامل يؤلف بينهم يقرب بين الثقافات ويوحد بين الأجناس والألوان، فكان الدين اليهودى هو العامل الوحيد المشترك بين أولئك وهؤلاء.

ولذلك تتعمد إسرائيل اختيار رمز دينى لعملياتها (عامود السحاب) حين تمثل لهم ملاك الرب لحمايتهم أثناء الخروج من مصر، وكأن إسرائيل تريد أن تذكر رعاياها أن الخطر الداهم الآتى من غـزة يُمثل الخروج الثانى لهم، وللحفاظ عـلى أمنهم فمن الضرورى تجريـد حركة حماس من قدرتها التدميرية خاصة صواريخ فجر الإيرانية التى يبلغ مداها حوالى 85 كيلومتراً، وتؤثر تأثيرا مباشرا فى بعض المدن الإسرائيلية، ومن الضرورى أيضاً إعادة انتخاب محور نتنياهو– ليبرمان حيث أصبح ذلك ضرورة ملحة لحماية إسرائيل فما أشبه اليوم بالبارحة، فعـندما كانت إسرائيل تستعـد لانتخابات 2008 شنت غاراتها على غـزة فى عـملية الرصاص المصبوب، والسؤال الذى يتعـين طرحه الآن هو هل يمكن لإسرائيل أن تتنازل عن مساحة حوالى 720 كيلومتراً مربعاً من أراضيها فى المنطقة جنوب غرب صحراء النقب أى فى أضعـف اتجاه استراتيجى لها.

إذ يمكن لمصر أن تعـزل جنوبها عن شمالها، بل يمكن لمصر حرمان إسرائيل من منفذها على البحر الأحمر، وهل يمكن لإسرائيل أن توافق عـلى هذا الحل الذى يقضى بتبادل الأراضى بين دول النطاق المباشر للصراع؟ وهل سيتم تبادل هذه الأراضى بعـد تفريغها من مجتمعاتها المحلية أم سيتم تبادلها بمجتمعاتها؟ وإذا كانت إسرائيل توافق على مثل هذا الحل فلماذا تبنى الجدار العازل على طول الحدود المصرية وهى تكثف العمل الآن فى المناطق الأكثر عـرضة للاختراق لاستكماله خلال عام 2013، ولماذا استكملت إسرائيل جدار الفصل العـنصرى على طول الخط الأخضر بالضفة الغـربية؟ وكيف نفسر تصريحات نتنياهو بعـد اجتماعه بهيلارى كلينتون «بأنه لايوجد دولة تتحمل مثل هذه الهجمات الإرهابية عـلى مواطنيها، فإذا كان يمكن التوصل إلى حل طويل الأمد لهذا الصراع بالطرق الدبلوماسية، سيكون ذلك أفضل خيار بالنسبة لإسرائيل، أما إذا استحال التوصل إلى حل هذه المشكلة فإن المجتمع الدولى سيتفهم أن إسرائيل ستتخذ الإجراءات الضرورية للدفاع عـن نفسها» ولم يُشر نتنياهـو إلى حل الدولتين .

أما واقع تفاعلات الولايات المتحدة، فيمكن استخلاصها من تصريحات هـيلارى كلينتون فى ذات الاجتماع، حيث صرحت بأن الرئيس أوباما قد أرسلها إلى إسرائيل برسالة واضحة مفادها أن الالتزام الأمريكى بأمن إسرائيل صلب كالصخر، نفس المعنى الذى أوضحه أوباما فى خطابه بجامعة القاهرة بأن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية غـير قابلة للكسر «unbreakable» وأن الولايات المتحدة ملتزمة بأمن إسرائيل، وهو ما التزمت به جميع الإدارات الأمريكية منذ نشأة إسرائيل حتى الآن، إذ تشير المعادلة الاستراتيجية الأمريكية إلى أنه كلما زادت مصالح الولايات المتحدة فى المنطقة، كلما ازداد ارتباطها بإسرائيل حتى أصبح هذا الارتباط عـضويا، وعـملت أن يستند أمن إسرائيل على الاعـتبارات الأمنية أولاً، وأن ينطلق من ضرورة إحداث التفوق الساحق عـلى الدول العـربية مجتمعة، وأن هذا التفوق لابد أن يقوم على أسـاس استراتيجى حربى، ولذلك فهى تدعم جميع المعـطيات الاستراتيجية التى ترتبط بعـلاقات توازن القوى بما يضمن أن يكون منحنى هذا التفوق صاعدا باستمرار.

■ أستاذ علوم سياسية جامعة بورسعيد