رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأيرلندى بول لينش الحائز على جائزة بوكر: السياسة تُغرق الأدب

الأيرلندى بول لينش
الأيرلندى بول لينش

حصدت رواية «أغنية النبى»، للأيرلندى بول لينش فى الأسبوع الماضى، جائزة «بوكر» الرائدة فى المملكة المتحدة للرواية باللغة الإنجليزية. تقدم الرواية رؤية ديستوبية قاتمة لأيرلندا التى انحدرت إلى كابوس شمولى يترأسه نظام التحالف الوطنى، بالتركيز على شخصية إيليش ستاك، وهى عالمة وأم لأربعة أطفال وزوجة اختفى زوجها على يد الشرطة السرية. تكافح إيليش للحفاظ على عائلتها معًا، ليس أطفالها فقط، ولكن والدها أيضًا، الذى ينجرف إلى عالم الخرف، ولم يعد قادرًا على فهم عالم أصبح بلا معنى. 



يبيّن المؤلف، فى حديثه مع «فاينانشيال تايمز»، أن الرواية محاولة لرؤية «الفوضى الحديثة»، مشيرًا إلى أنه بدأ العمل عليها قبل خمس سنوات، وكانت من بين مصادر الإلهام للكتاب؛ الأحداث فى سوريا وأزمة اللاجئين الناتجة عنها، إلى جانب الشعبوية المتصاعدة، كما تجلت فى انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، والاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى فى المملكة المتحدة، والسهولة التى أدخلت بها أيرلندا الطوارئ الصارمة خلال جائحة كوفيد. ويوضح أن مصدر إلهام آخر للرواية جاء من رواية «ذئب السهوب» لهيرمان هيسه، فى وصف بطلها للحظة فى فايمار بألمانيا عندما كان من الواضح أن «الاضطرابات السياسية العميقة، والفوضى، ومعاداة السامية» تؤدى إلى كارثة. قرأ «لينش»، البالغ من العمر ٤٦ عامًا، الرواية للمرة الأولى عندما كان فى العشرينيات من عمره، ووجدها بعيدة عن فترة التسعينيات «الرصينة» التى أحاطت به، لكنه أعاد قراءتها قبل بضع سنوات وأدرك الطاقات التى كان هيسه يستغلها. 

يلفت لينش إلى أن روايته لا تدور حول «طبيعة التهديد السياسى»، فشخصيات الرواية تجد نفسها فى متاهة وتحاول تحديد هويتها، موضحًا: «بصفتى كاتبًا، لدى إحساس بالأشياء التى لا يمكن تغييرها، فعملى الروائى يتطلع إلى مطاردة الحقائق الإنسانية العالمية، وجعل الكتاب محددًا زمنيًا من شأنه أن يقلل من قوته، ويضيع المغزى منه». فى حواره مع new statesman نفى عن نفسه أن يكون كاتبًا سياسيًا، قائلًا: «الناس يقولون: أنت كاتب سياسى، هذه رواية سياسية. لا، لست روائيًا سياسيًا، كتابى يحتوى على طبقات كثيرة جدًا، ولكن له أهمية سياسية بالطبع». 

بدأ لينش كتابة الرواية عام ٢٠١٨، خلال الحرب الأهلية السورية، لكنها لم تكن ردًا مباشرًا على الأحداث فى الشرق الأوسط. وفى هذا الصدد يقول: «كانت هناك، بالطبع، أبعاد سياسية فى العمل تشكل الرواية. فقد كنا نعيش فى وقت كان هناك شعور بالانهيار به. لا يزال هناك شعور بالانهيار، وبأن العالم الذى نعيش فيه الآن ليس هو العالم الذى عرفناه خلال الخمسين أو الستين سنة الماضية، إنه مكان مختلف. وهذا يجعل الكثير منا يشعر بعدم الارتياح».

بالنسبة للينش، قصة «إيليش» بالرواية هى استكشاف للإرادة الحرة. يقول: «عندما تكون فى الأربعينيات من عمرك، فإن الأشياء الهيكلية التى تجد نفسك عالقًا فيها هائلة. إيليش تتجاوزها الأحداث حتى عندما تحاول التغلب عليها. تحاول إنقاذ ابنها المراهق مارك من التجنيد الإجبارى، لكن ما تشكل حولها يتجاوز فهمها. إنها فى المتاهة. أنا مهتم بمحاولة التعرف على ضخامة ما نحن متورطون فيه جميعًا، هشاشتنا المطلقة، وليس عدم الجدوى بصورة ما». 

عند قراءة «أغنية النبى» اليوم، على خلفية الحرب فى غزة وأوكرانيا، فإن توقيتها «لا لبس فيه»، على حد تعبير «لينش»، الذى يتابع: «التقيت بالأمس بفلسطينية وقالت: أنت تروى قصتنا. لقد التقيت أشخاصًا من أوكرانيا قالوا أيضًا: أنت تحكى قصتنا». اختار «لينش» عدم ذكر تفاصيل فى الرواية للظروف التى دفعت الحزب الحاكم إلى المطالبة بالطوارئ. وكرر أن «السياسة ليست هى المسألة»، متابعًا: «لو كنت قد أوضحت الأزمة، لكانت الرواية حينها تدور حول الأزمة، سيبدو الأمر كما لو كانت لدىّ أجندة محددة تتعلق بهذه السياسة بالذات». أعاد لينش صياغة عبارة الكاتب الفرنسى ستندال الذى عاش فى القرن التاسع عشر: «السياسة هى حجر الرحى حول عنق الأدب، وهى تغرقه فى أقل من ١٥ أو ٣٠ دقيقة». ويستطرد: «الرواية عالمية، لكن أسرع طريق للعالمية هو من خلال عالمك الخاص. لذا فإننى أكتب عما أعرفه. أنا مهتم أكثر بتبعات الأحداث على الأشخاص، بأسئلة مثل كيف يبدو الأمر بالنسبة للناس عندما يمرون بهذه الأشياء؟، كيف سيكون الأمر بالنسبة إلينا إذا سمحنا بحدوث ذلك؟».