رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الورد اللى فتح فى الجناين الأوروبية.. وفرصة مصر التاريخية!

(١)

منذ ما يقرب من مائة عام، بذرت إحدى الدول الغربية الاستعمارية فى التربة المصرية غرسها الشيطانى الأخطر، حين دفعت خمسمائة جنيه مهرًا لزواجها الحرام من أول جماعة سرية عميلة فى مصر المعاصرة، وتم العقد بمباركة من مؤسس الجماعة الأول وزعيمها الروحى!

ورغم تقلب الجماعة بين أجهزة مخابرات غربية عديدة إلا أن علاقتها استمرت مع الدولة التى رعت نشأتها الأولى، وانطبق على علاقتهما الحرام مبدأ إنما الحب للحبيب الأول!

استمرأت العاصمة الغربية الأهم اللعبة القذرة فمارستها مع زعماء جماعات مصرية دموية أخرى حتى وقتنا المعاصر!

وبعيدًا عما يحمله مبارك فى عنقه من مسئولية تاريخية عما تعرضت له مصر فى نهايات سنوات حكمه، فإن وثائق خطاباته المسجلة تذكر له بوضوح كشفه لتلك اللعبة علانية بمناشداته العلنية لدول غربية مهمة عدم توفير ملاذ للإرهابيين المتورطين فى جرائم إرهاب ضد مصر. كما دعى لأول مرة لعقد مؤتمر دولى لمواجهة الإرهاب، لكن تلك الدول أصمت آذانها معتقدة أن العبث بدول العالم الثالث إنما هو قدر سرمدى، وأن دول العالم الأول فى مأمن من الفوضى الخلاقة وغير الخلاقة للأبد!

العراق، سوريا، اليمن، ليبيا، تونس، السودان ومصر! مصر وحدها كانت عصية وصمدت ودفعت ثمن بقائها!

(٢)

حاولوا ممارسة نفس اللعبة القديمة الحديثة.. أن نخرب بلادنا بأيدينا تحت راية ممارسة الديمقراطية.. أن نهدم مؤسسات دولتنا تحت زعم محاربة الدكتاتورية.. أن تتحول شوارعنا لساحات اقتتال داخلى تحت زعم التحرر من أنظمة حكم قمعية.. وبعض الذين تدربوا لتخريب مصر تحولوا لورود تفتحت فى جناين مصر!

ومشاهد حرق مصر ودوى طلقات الخرطوش تحولت على لسان زعماء دول كبرى إلى مشاهد رومانسية حالمة وملهمة لشباب باقى دول المنطقة لفعل نفس الشىء بأوطانهم!

دفعت مصر ثمن حياتها وبقائها غاليًا، وكان يكفيها البقاء نجاحًا وانتصارًا. لكن لله قانونه السماوى العادل، فالله لا يضيع أجر من أحسن عملًا، والله لا يبطل أو يفسد عمل المخلصين والصالحين.

هذا القانون الإلهى كانت له إرادة أخرى غير التى توهمها وخطط لها أهل الشر لنا ولبلادنا! فالدماء الطاهرة لشهداء مصر، ومنحة الله لها برجال مخلصين ساعة الخطر، واستفاقة المصريين البسطاء واستيعابهم المشهد على حقيقته، كل ذلك تقبله الله من مصر وأهلها وأحاله إلى طاقة بناء لم نكن نحلم بها لحظة أن كان بقاؤنا على المحك!

هذا القانون الإلهى وضعنا الآن أمام ذلك المشهد الاستثنائى.. مصر التى كانت منذ سنوات قليلة مهددة فى وجودها تستضيف محافل اقتصادية دولية كبرى.. وعلى مقربة أيام من استضافة الحدث الأهم على كوكب الأرض.. بينما يجلس المصريون أمام شاشات القنوات المختلفة فيشاهدون الورد الذى تفتح فى الجناين الأوروبية وجعل رؤساء وزراء دول كبرى يهربون بعد أشهر من الفشل فى مواجهة تحديات تمثل رفاهية، مقارنة بما واجهته القيادة المصرية منذ سنوات فواجهته وعبرت بمصر أمواجه المتلاطمة!

(٣)

ما أجملها لحظات أن نسترجع ما مرت به مصر وما وصلت إليه الآن، بينما نشاهد ورود أوروبا وهى تتفتح فتقذف لأول مرة فى تاريخ دولة أوروبية كبرى برئيس حكومة من جذور غير أوروبية، وكانت بلاده مستعمرة خاصعة لتلك الدولة التى أصبح على سدة حكمها!

ولا مجال هنا للعبث بعقولنا واعتبار الحدث دليلًا على توهج ديمقراطية الدولة المانحة دائمًا الملاجئ الآمنة لرءوس الإرهاب الدولى! فالحدث ليس إلا إعلان فشل كبير وربما يكون هناك فى المطابخ ما ستتم من خلاله خطة للاستفادة من ثروة الرجل ولا يكون وضعه فى موضعه فى تلك اللحظة إلا فخًا!

ومهما تكن من تحديات تواجهها مصر، فللمصريين أن يحتفوا ويحتفلوا بما حققته مصر فى أقل من عشر سنوات.. من دولة تواجه مؤامرة لإجهاض إرادة شعبها ونزع الشرعية عن قيادتها التى اختارها ودفع ثمن اختيارها ودفعت هى ثمن ذلك الاختيار، إلى دولة توفر احتياجات شعبها المتزايد يوميًا من الطاقة وتفتح شرايينها الاقتصادية الواعدة وتفتح ذراعيها لمن يريد أن يعمل ويحقق ثروات شرعية طائلة فى مناطق اقتصادية بكر!

فللمصريين أن يفرحوا بتلك المشاهد الأوروبية ولهم أن يعبروا عن فرحتهم ويعلنوا تشجيعهم لتلك المشاهد الرومانسية فى شوارع أوروبا، بينما يمارسون أعمالهم ويكملون بناء دولتهم ويجعلون من تلك المشاهد مادة تحفيزية تذكرهم بما كانوا عليه وكيف أصبحوا..

(٤)

لا شماتة فى شعوب، فبعض تلك الشعوب تعرف قدر مصر وتُجلها وتحمل لها من العشق ما لا يحمله بعض المصريين، لكنها شماتة صريحة معلنة ومشروعة فى بعض الحكومات والأجهزة المكونة حرفيًا لأهل الشر!

أهل الشر الذين يعتقدون أنهم وشعوبهم فقط من يستحقون الحياة، بينما باقى الشعوب خاصة فى منطقتنا الإقليمية إنما مجرد أرقام وكومبارس للعبث بها والاستيلاء على مقدراتها وسرقة حياتها وثرواتها!

 شماتة فى أهل الشر لأن مصر– كما كانت طوال تاريخها– لم تبدأ بشر وكل ما أرادته هو الحياة لها وللآخرين. فمصر دولة شريفة مسالمة وهذه هى شخصيتها التاريخية المتفردة!

لو يستحضر المصريون الآن ما كانوا عليه منذ سنوات قليلة وقارنوه بما هم عليه الآن لسعدوا واحتفلوا بانتصارهم ولصلوا لله شكرًا أن هيأ لبلادهم ولهم من المخلصين من دفعوا ثمن هذا الانتصار!

أمام المصريين اليوم– وليس غدًا– فرصة تاريخية نادرة للانطلاق. فرصة قد لا تتكرر مرة أخرى على المدى القريب، فالمشهد العالمى مهيأ تمامًا للأمة المصرية للانطلاق. لكن استغلال تلك الفرصة يتوقف كليًا على رغبة المصريين، والرغبة المجردة لا قيمة لها دون مقومات، يأتى على رأسها الوعى الحقيقى بواقعهم على الأرض!

الوعى يعنى قبول تغيير كثير من عاداتهم وطرق تفكيرهم وطرق حياتهم الاجتماعية والاقتصادية.. ومما ينبغى علينا إعادة النظر فيه كمصريين:-

الموروثات الدينية ووجوب تحجيم دور رجال الدين بعدما تسببوا فى إفساد كثير من عقول المصريين..

الموروثات الاجتماعية التى أثرت على الصحة العامة لقطاعات كبيرة من المصريين..

إعادة النظر فى انتظار البعض للتوظيف الحكومى فى وقت يجب فيه تقليص أعداد الموظفين الحكوميين.

وقبولهم لفكرة المشاركة فى تحمل مسئولية بلادهم وانتهاء الفترة التاريخية اشتراكية الهوى والمزاج، والتى وصلت فى مصر إلى مرحلة التنطع وابتزاز الدولة اجتماعيًا واستنزافها اقتصاديًا! 

(٥)

أما مقومات وصفى لما تمر به مصر بأنه فرصة للانطلاق فهى عديدة، فى مقدمتها وجود قيادة على رأس الدولة تتمتع بخمس صفات نادرًا ما تجتمع فى قيادة الدولة المصرية إلا فى فترات تاريخية متباعدة قد تصل إلى قرنين كاملين، هذه الصفات هى "الإخلاص– امتلاك الرؤية– التجرد– قوة الإرادة على الفعل– الجرأة مع الاتزان الواقعى وعدم التهور".

ثانى مقومات تلك الفرصة هو حقيقة الانتصار الذى تحقق بالفعل على أرض مصر وما ينتج عنه من قوة دفع ذاتية طموحة..

ثالث المقومات هو موجات الاضطراب الفكرى والسياسى الذى اجتاح جموع المصريين منذ أحداث يناير، وانغماس كتل الجماهير فى تفاصيل كانوا بعيدين عنها كل البعد سابقًا ولفترة تاريخية ليست بالقصيرة..

رابع المقومات هو عودة الثقة بالنفس لكثير من المصريين وبقدرتهم على الفعل بعد الإنجازات المعجزة التى تم تحقيقها، والتى كان إنجاز بعضها مجرد أحلام راودت المصريين وتحدثوا عنها فى الأعمال الدرامية لثلاثة عقود كاملة وهى زيادة الرقعة الزراعية!

أما خامس المقومات وربما أهمها فهو السلام والأمن الذى دفعت مصر ثمنهما غاليًا..

(٦)

مصر الآن تنتظر ورودها الحقيقية وهى الأيدى العاملة التى تعمل بكامل طاقتها فى جميع بقاع مصر.. هذه هى حدائق مصر الحقيقية التى يمكنها أن تجعل من اللحظة الراهنة بداية تليق بمصر!

لو سمع المصريون ما نسمعه من بعض الأوروبيين عما يحدث هناك وعن مخاوفهم فقط من الشتاء المقبل، لأدركوا قدر ما تم فى مصر فى أقل من عقد من الزمن!

ولو استوعب المصريون المشهد العالمى لأدركوا عظم تلك الفرصة التى منحتها الأقدار لهم. وأنا هنا لا أتحدث فقط عن صناعة السياحة واستضافة ملايين من الباحثين عن دفء مفقود بفعل أزمات أوروبا الداخلية، لكننى أتحدث عن حلم السيطرة على الانفجار السكانى المصرى وأن تعود مصر سلة غذاء للعالم مقابل نفوذ سياسى وعائد اقتصادى…

إننى أتحدث عن الحدائق الخلفية لمصر فى قارتها السمراء، وكيف يمكنها أن تتحول لأسواق للمنتجات المصرية بدلًا من سيطرة دول أخرى عليها...

أتحدث عن تحول خريجى الجامعات المصرية التكنولوجية الجديدة لصناع مهرة ومنتجين للتكنولوجيا ومصدرين لها بلاصق صغير عليه علم مصر وعبارة صُنع فى مصر..

أتحدث عن اكتفاء ملايين الشباب بمرحلة التعليم الثانوى ثم رفضهم إضاعة أربع سنوات من أعمارهم واختيارهم لسوق العمل المنتج، فتتحول الزيادة السكانية من خطر داهم إلى أيدى عاملة شريفة تجعل من مصر مركزًا صناعيًا وتجاريًا إقليميًا ودوليًا..

ويمكن للقوات المسلحة أن تقوم بمبادرة تشجيعية عن طريق مساواة فترة التجنيد بين الحاصلين على الثانوية العامة والمؤهلات العليا مثلًا.. لأننا نعلم أن كثيرًا من شباب مصر يلتحقون ببعض الكليات التى يعلمون أنها لن تؤهلهم لأى فرصة عمل حقيقية بسبب وحيد هو اختصار فترة التجنيد لأداء الخدمة الوطنية..

هذه ليست أضغاث أحلام ويمكنها أن تصبح واقعًا مصريًا بشرط أن يتخذ المصريون قرارًا عقليًا ونفسيًا بذلك!