رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«هدده ضابط إسرائيلي بعد إلقاء قصيدة عربية».. حكايات من طفولة محمود درويش

محمود درويش
محمود درويش

"عشت في قرية جميلة فاتنة محاطة بالحقول، تحت أجمل سماء في العالم.. السماء الفلسطينية وفي بيت محاط بالأزهار والأشجار، وترعرعت في تلك الخرافة متحدثا مع الفراشات والنحل وكل ما هو حي، ووسم قريتي هذه ووجودي في فلسطين، كنت أحلم مثل كل الأطفال أن أطير مع تلك الفراشات، وأن أتلذذ بهذه الحرية".. هكذا تحدث الشاعر الراحل محمود درويش (13 مارس 1941 - 9 أغسطس 2008) عن ذكرياته في فترة طفولته.

وفي حوار له بمجلة "مشارف" بعددها رقم 3 الصادر بتاريخ 1 أكتوبر 1995 استرجع محمود درويش تلك الذكريات، قائلا: أنا من أسرة ريفية، عائلتي تملك أرضا، وتشتغل في الأرض وتعيش من إنتاج الأرض، عائلة متوسطة الحال من الطبقة الوسطى الفلاحية، لذلم طفولتي مليئة بصور "ورشة" الأرض، كان جدي هو الأب الحقيقي بسبب انشغال أبي في التربة، وملاحقة الفصول، يخرج في الصباح ويعود في المساء، ويتركنا أنا وإخوتي في رعاية جدي، كان هو أبانا الحقيقي، يدللنا ويأخذنا في نزهات ويصحبنا إلى المدن، أبي ككل المزارعين مستغرق في عمله في الأرض حتى كأنه قطعة منها، أمي امرأة جميلة جدا، هي أيضا اشتغلت في الأرض.

قرية البروة التي تقع قرب ساحل عكا بفلسطين حيث المكان الذي ولد فيه محمود درويش، إلا أن - أسرته - اضطرت إلى الخروج برفقة اللاجئين الفلسطينيين في عام 1948 إلى لبنان، ثم عادت متسللة عام 1949، وكانت لهذا الفترة أثرا كبيرا في حياة درويش، وهو ما أكده قائلا: تركت لي صورا. ربنا تجربة. لكن الصور أوضح لي من التجربة. في لبنان رأيت للمرة الأولى شلالا، ولم أكن أعرف من قبل ما هو الشلال، رأيت التفاح معلقا على شجر وكنت أحسبه ينبت في صناديق، كانت رحلتنا إلى لبنان في وعي جدي سياحة، وهي تحولي بالفعل إلى سياحة.

صور وذكريات عديدة أعادت محمود درويش إلى هذه الفترة، وعن هذا الأمر أوضح: في لبنان أيضا سمعت أول كلمة جارحة، وهي "لاجئ" في المدرسة، لدى أي خلاف مع طالب آخر، كنت أسمع كلمة "لاجئ"، لكني لا أظلم اللبنانيين. هذه الكمة عدت أسمعها عندما عدنا إلى بلادنا، صرنا نسمعها من أبناء القرية الأخرى، فنحن لم نعد إلى قريتنا. في المدرسة كانوا في الصف يشتمونني لأنني أشطر منهم بكلمة "لاجئ".

ويجيب محمود درويش عن "هل تشكلت في هذه الفترة المبكرة من وعيك صورة لليهود الإسرائيلي" قائلا: أول مرة رأيت فيها إسرائيليا كانت بعيد عودتنا "متسللين" من لبنان، أقمنا عند أقارب لنا في قرية، وكنا. نحن الخمسة. ننام في غرفة واحدة في منتصف ليلة دخل ضابط إسرائيلي وأيقظ جدي من النوم، وسأله كيف تسلل. لم أخاف من هذا الضابط فقد كان لطيفا، تلك صورة أولى. لم تكن الصورة التالية مثلها، في طفولتي ألقيت قصيدة عربية في مهرجان المدرسة، فاستدعاني ضابط وهددني وكلمني بمنتهى الجلافة، كان أفضل معلمي معلمة يهودية، وبالطبع كان أول سجان يهوديا، مدرس اللغة الإنجليزية، ومدير المدرسة لم يكونا وديين، بالتالي هناك أكثر من صورة للآخر.