رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بين الواقع والخيال 6..

تفكيك رواية الإخوان للتاريخ

 الإخوان يحاولون تصوير الأحداث من وجهة نظرهم حتى لا يعترفون بفشلهم وكراهية الناس لهم 

 وزير الدفاع قال لمرسى: «لو الجيش نزل يبقى حضرتك مشيت» وهى قاعدة سياسية تحكم مصر من ١٩٥٢ وحتى ٣٠ يونيو 

الرئيس كان صادقًا مع الإخوان ولم يخدعهم وأظن أن عبارات الحوار فى قصر الاتحادية نُقلت كما قِيلت فى الواقع حرفيًا 

الإخوان اتهموا مخالفيهم بالبلطجة والتآمر فزادوا من حالة الانقسام السياسى وكراهية الناس لهم 

أهم ما تفعله حلقات الاختيار أنها تفكك رواية الإخوان التاريخ، وهى رواية كاذبة، مهترئة ومسروقة من بعض القصص الشعبية والتى يتحول فيها محمد مرسى من رئيس فاشل وشخص محدود إلى بطل شعبى تعرض للخيانة ومات شهيدًا لأفكاره.. والحقيقة أن الموت والحياة بيد الله سبحانه وتعالى وأنهما نتيجة لقدر محتوم.. وقد حصد الموت أناسًا فى قمة السلطة والثروة، كما حصد محمد مرسى وهو سجين، فالموت ليس ناتجًا عن مكان وجود الشخص، وإلا لمات كل الإخوان أو المجرمين فى السجون ولتحصن ساكنو قصور الساحل الشمالى من الموت.. لكن الحقيقة أن الموت يدرك الجميع إذا جاء أجلهم ولو كانوا فى قصور مشيدة.. أما الجزء الثانى من السردية الإخوانية فيقوم على تفاهات مثل نشر صور للرئيس السيسى وهو يؤدى اليمين كوزير للدفاع أمام محمد مرسى أو وهو يستقبله أثناء زيارته وحدات القوات المسلحة المختلفة.. والحقيقة أن كل مؤسسات الدولة اعترفت بنتيجة الانتخابات الرئاسية وعاملت محمد مرسى كرئيس جمهورية شرعى ومنتخب، والحقيقة أيضًا أنه فقد شرعيته مع الوقت، من خلال تصرفاته وأخطائه، والحقيقة أن موقف القوات المسلحة منه تغير مع الوقت وازداد تباعدًا عنه مع تزايد أخطائه وإشعال تصرفاته نار الصراعات السياسية فى البلاد، ولعل هذه هى الحقيقة التى يعرفها من عايشوا وقائع هذه الفترة العصيبة ودققوا فيها، وهى نفسها الحقيقة التى يضايق الإخوان أن ينقلها المسلسل إلى ملايين المصريين وإلى الأجيال الأصغر التى لم تكن فى سن تسمح لها باستيعاب الحقائق، وكان الإخوان يطمعون فى السيطرة على عقولهم من خلال روايتهم الكاذبة.. لقد وصل الاختيار إلى الجزء الأخطر فى الرواية وبدايات ظهور الاختلاف فى وجهات النظر بين الجيش بقيادة قائده العام وبين مندوب الإخوان فى قصر الاتحادية.. فقد كان أول ما طرحه وزير الدفاع على محمد مرسى أن يكون رئيسًا لكل المصريين لا عضوًا فى جماعة الإخوان يأتمر بأوامر المرشد أو على وجه الدقة بأوامر نائب المرشد.. لكن دعوة وزير الدفاع لم تجد آذانًا صاغية من محمد مرسى الذى فضل أن يكون مندوبًا للجماعة فى الاتحادية على أن يكون رئيسًا لكل المصريين، وكان ثانى نذر الخلاف هو رصد الجيش المصرى محاولات الإخوان التدخل فى مؤسسات الدولة المصرية التى كان وزير الدفاع قد أخذ على عاتقه إعادتها لقوتها ولدورها الوطنى وإعادة ثقتها بنفسها واستعادة ثقة الناس بها، فانطلق فى جهد طويل لرفع كفاءة الجيش المصرى ورفع مستوى تسليحه وإبعاده عن الشارع الذى كان قد تحول لمصدر إساءات واجتراء من بعض الغافلين وبعض المأجورين، وقد تمت المهمة فى شهور قليلة أعقبت توليه وزارة الدفاع.. قام بعدها بأربعة أشهر بعقد لقاء تاريخى مع وزير الداخلية، للتأكيد على وحدة مؤسسات الدولة المصرية وثوابتها، وقد تم ذلك الاجتماع فى الأيام التى تلت إعلان مرسى الدستورى الذى أعقبه اشتعال مظاهرات الغضب وتوجه المظاهرات السلمية لقصر الاتحادية، حيث رفضت الشرطة أن تتدخل لفض المظاهرات ما دامت تلتزم بالسلمية، وطلب المسئولون قرارًا موقعًا من محمد مرسى يخولهم بالتعامل مع المتظاهرين، وهو ما جعله يخاف من المسئولية ويتراجع عن طلبه.. والفكرة أنك أمام رئيس جمهورية لا يعرف أدنى قواعد إدارة الدولة أو أدنى قواعد الإدارة بشكل عام.. فهو يصدر إعلانًا دستوريًا يمنح نفسه فيه صلاحيات شبه إلهية ويعادى آلاف القضاة ويثير غضب عشرات الآلاف من المصريين دون أن يستشير المسئولين المختصين عن تبعات ذلك من الناحية الأمنية.. ثم يطلب منهم أن يشتبكوا بالمتظاهرين بعد أن تشعل قراراته الشارع.. والحقيقة أن مؤسسات الدولة المصرية منذ إصدار مرسى الإعلان الدستورى أدركت أن أخطاءه أكبر من أن تغتفر، وأن أى ضرر سينتج عن إقصاء الإخوان هو أقل بكثير جدًا من الضرر الذى سينتج عن بقائهم، وأن الجيش والشرطة قرروا أن يخلوا بينهم وبين الناس.. أو أن يتركوهم يدفعون ثمن قراراتهم.. والحقيقة أن غباء الإخوان السياسى قد عجل فى نهايتهم، وكان أكبر خطأ ارتكبوه هو تنظيمهم المظاهرات المؤيدة لهم والتى أعطت انطباعًا بسيطرة الفوضى على البلاد، وأثارت خوف المواطنين العاديين، وأسهمت فى تعطيل عجلة الاقتصاد وتأكيد الإحساس بعدم استقرار الأوضاع.. والمعنى أنها أضرت الإخوان من حيث أرادوا أن تنفعهم.. وكان الخطأ الثانى هو رفضهم الحوار مع القوى المعارضة لهم، واعتبارهم أن كل من يعارض حكمهم هو من فلول النظام السابق أو بلطجية رجال الأعمال.. أو مسئولى الدولة العميقة كما كانوا يشيعون فى دعايتهم، وكما كان مرسى نفسه يصرح.. والمعنى النهائى أن الإخوان رفضوا الاعتراف بالقوى الموجودة على الأرض وأن يتعاملوا معها بواقعية، وأن يدخلوا معها فى حالة حوار سياسى، وفضلوا أن يلجأوا لسياسة القوة والإجبار والمغالبة.. والأخونة.. فسارعوا لفرض حصار على المحكمة الدستورية فى بدايات شهر ديسمبر، وكان الهدف منع قضاتها من إصدار حكم فى دعوى قضائية تطعن فى تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور.. وقد كان ذلك واحدًا من أغبى قرارات الإخوان، حيث أثار مخاوف المصريين على القضاء المصرى وأرسل رسالة للخارج حول المدى الذى يمكن أن يصل له الإخوان لو أطلق لهم العنان.. وكما يكشف المسلسل فقد كان الإعلان الدستورى وما تلاه من خطوات بمثابة عامل محفز دفع وزير الدفاع إلى إنهاء الفترة التى قرر فيها أن تبتعد القوات المسلحة عن الشأن العام لرفع كفاءة ومعنويات مقاتليها.. حيث أبلغ محمد مرسى أن الإعلان الدستورى خطوة غير مدروسة، وأن آثارها السلبية كبيرة، وأنها أثارت غضب قطاعات كبيرة من الشعب، وكانت الخطوة الثانية فى اتجاه تبلور الموقف النهائى للجيش المصرى هى رفض الفريق السيسى أن يقوم الحرس الجمهورى بفض المظاهرات أمام الاتحادية حينما أبلغه اللواء محمد زكى، رئيس الحرس الجمهورى وقتها، بطلب محمد مرسى، ثم رفضه الطلب المباشر من محمد مرسى حين طلب منه ذلك، حيث أجاب عليه بجملة تكشف عن حقيقة ما حدث وتتنبأ بها قائلًا إن الجيش إذا نزل إلى الشارع مرة أخرى فهذا يعنى أن رئيس الجمهورية قد غادر منصبه.. وهى حقيقة تاريخية تكررت مع الملك فاروق كما تكررت مع الرئيس مبارك، وأعادت إنتاج نفسها مع محمد مرسى.. فالجيش ينزل الشارع بعد أن تصل البلاد إلى حالة انسداد سياسى، ويصبح وجود الدولة نفسه فى خطر.. وهو إذا نزل لا يرجع لأن الحالة التى استدعت نزوله لا تتغير بمجرد النزول وإلا لما كانت هناك مشكلة من الأساس.. والرسالة التى يرسلها المسلسل أن الرئيس السيسى فى تعامله مع الإخوان كان واضحًا وصادقًا وصريحًا، وأنه حذر محمد مرسى من عواقب خطواته، وطلب منه أن ينهى حالة الانقسام السياسى فى البلاد.. والأكثر من هذا أنه حاول المساعدة فى إنهاء هذه الحالة، ودعا إلى حوار سياسى بين الرئيس والقوى الوطنية فى ضيافة القوات المسلحة، وأخبره بالفكرة قبل أن يتم الإعلان عنها، فوافق عليها، لكنه كعادته عاد وتراجع وتسبب ذلك فى إحراج القوات المسلحة التى أدركت أن الرجل عدو نفسه قبل أن يكون الآخرون أعداء له.. وهو ما أكده كل تصرف قام به بعد ذلك.