رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حزب التحرير الإسلامي.. جرائم الخلافة المزورة وتشويه الدين

جريدة الدستور

حزب إسلامي ذو مرجعية دينية، نعم، لكنه ليس كغيره من الأحزاب الإسلامية الأخرى، فهو لا يعترف بها على الإطلاق؛ بل ويعتبر أنها تخالف شرع الله، فهل هو جماعة إسلامية؟، لا: ليس كذلك فهو لا يعترف بالجماعات الإسلامية أيضا، لأنها من وجهة نظره قائمة على مخالفة شرع الله، إذن فما هو؟ إنه حزب محلي وعالمي في آن واحد، له رؤية مغايرة تماما لكل تيارات العمل السياسي في مصر والعالم الإسلامي، يرفض النظام الجمهوري كما يرفض النظام الملكي، ويعتبر الديمقراطية كفرا ولا يكفر من يعمل بها جهلا أو اضطرارا، يزعم أن هدفه وغايته إعادة الخلافة (على منهاج النبوة) رغم ورغم ورغم.. إنه حزب التحرير الإسلامي.

زيارة للحزب

كان الحزب يمتلك مقرا بشارع الجلاء قبل هروب أعضائه خارج مصر بعد ثورة30 يونيه، وبمجرد دخولك مقر الحزب في إحدى الشقق المستأجرة وقتها، تشعر بشيء عجيب، مجرد مقر متواضع يغلب عليه الطابع الفردي وكأنه مكتب محام، وهو بالفعل كذلك فالمقر حقيقة كان مكتبا مؤقتا لأحد المحامين الكبار من قيادات الحزب في مصر، وفي الوقت نفسه لا يختلف المقر كثيرا عن مقرات الجماعات الإسلامية التي يتردد عليها المريدون ليأخذوا العلم الشرعي والسياسي على يد قياداته، واللافت للنظر أكثر هو كلمة (ولاية مصر) المكتوبة على جميع مطبوعاته، والعجيب والغريب أيضا حينما، دخلنا حجرة الندوات أو الدروس عام 2012 ، وكان الحزب وقتها بدأ يتنفس الصعداء ترقبا وطمعا في دور قادم تمنحه له الثورة، وما يثير الانتباه أن الشباب المترددين على المقر طمعا فيما لديه مما يقربهم إلى الله، لم يكن هناك مادة علمية أو منهج علمي في انتظارهم بالمقر، كباقي الجماعات التي تنظم دروسا في العلوم الشرعية، لكن فقط كانت الدروس عبارة عن حديث سطحي عن الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة- على حد زعمهم-.

صدام سريع مع الدولة

وكان بين المترددين أشخاص من جنسيات عربية، من المؤمنين بعدم الاعتراف بالحدود بين الدول الإسلامية، والتي تتوافق مع رؤيته وتكوين الحزب السياسي، الذي يدعو لإقامة خلافة إسلامية مركزها مصر، وكان أبرز البيانات التي صدرت عن المركز الإعلامي للحزب بعد ثورة يناير البيان الذي وزعه أعضاء الحزب بشكل مكثف في إعلان واضح لخروجهم من الظلام للعلن، بشكل أكثر جرأة بتاريخ 6/1/2012 الذي يحمل عنوان "أيّها الأهل في مصر: هل يجب أن تُجرِّبوا لعقود أخرى من الزمن، دولة علمانية ديمقراطية بمجلس شعب منتخب لا حول له ولا قوة، لتدركوا أن لا خلاص لكم إلا بالخلافة الإسلامية الراشدة؟!".

وكان هذا البيان سببا في القبض على عدد كبير من أعضاء الحزب أثناء عملية التوزيع، مما وضعهم في ورطة مع الجهات الأمنية، التي ظنوا وقتها أنها ستغض الطرف عنهم، وزادت نشاطات الحزب في الفترة ما بين ثورة يناير إلى سقوط نظام الإخوان بشكل واضح في عقد عدد من المؤتمرات والندوات، والظهور الإعلامي في عدد من الصحف، كما ظهر قيادات ما يسمى "حزب التحرير- ولاية مصر" في التليفزيون المصري على القناة الثقافية، إلا أن هذا النشاط ما لبث أن انطفأ بعد سقوط المعزول محمد مرسي.

جرائم الحزب في مصر

وتاريخ صراع "ولاية مصر" في حزب التحرير مع الدولة طويل، يبدأ من أحداث الكلية الفنية العسكرية لارتباط مؤسس تنظيم الفنية العسكرية بالحزب وعلاقته القوية بتقي الدين النبهاني مؤسس الحزب، وبالفعل تم اعتقال عدد من أعضاء الحزب بتهمة الاشتراك في الواقعة التي أسفرت عام 1974 عن سقوط 24 قتيلا وأكثر من 60 جريحا في الهجوم على الكلية الفنية العسكرية، لينزوي الحزب فترة كبيرة من الزمن.

وفي عام 2002م تم القبض على 26 من عناصر الحزب في القضية المعروفة إعلاميا وقتها باسم (قضية حزب التحرير الإسلامي)، وقضت وقتها محكمة أمن الدولة العليا بالسجن على 12 منهم لمدة 5 أعوام بينهم 3 بريطانيين، والسجن 3 أعوام على 7 منهم ، والسجن عاما لسبعة آخرين.

رفض الاعتراف بلجنة شئون الأحزاب

ورغم محاولات الحزب الظهور والإعلان عن نفسه بشكل كبير في مصر بعد ثورة يناير، إلا أنه رفض بشكل قاطع اللجوء للجنة شئون الأحزاب للحصول على الاعتراف الرسمي ولم يحاول مرة واحدة توفيق أوضاعه للإفلات من الصراع الدائم مع السلطة، وقال المتحدث الإعلامي للحزب في لقاء صحفي عام 2013: "إن اللجوء للجنة شئون الأحزاب والاعتراف بها يخالف مبادئهم التي لا يمكن التنازل عنها".

وأضاف: "هذا التقسيم نحن لا نعترف به، والحزب موجود على أساس إسلامي ويعمل بين أبناء الأمة بكل طوائفها ولا يفرق بين مصري ولا سوري ولا لبناني ولا أثيوبي، فالكل تحت مظلة الإسلام ووجود الحزب في مصر أمر طبيعي فنحن نسعي لأن تكون مصر حاضرة الخلافة الإسلامية التي يسعى الحزب لإقامتها، مستشهدا بقول الله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ } والحزب يتحرك الآن داخل مصر كحزب تحت التأسيس مثل الكثير من الأحزاب والحركات الموجودة على أرض الواقع!!"

التأسيس والتواجد

تأسس حزب التحرير الإسلامي في القدس عام 1953 على يد الشيخ القاضي تقي الدين النبهاني، الذي درس في دار العلوم بالقاهرة، وهو حفيد يوسف بن إسماعيل النبهاني الذي كان أحد رموز التصوف وصاحب الكتاب الضخم المشهور (جامع كرامات الأولياء)، وللحزب نشاط واسع في عدد من الدول الإسلامية وغيرها، ويتخذ منهجا فكريا مخالفا لأغلب الجماعات والأحزاب الإسلامية الأخرى، فهو أقرب للتصوف، وكان مؤسسه النبهاني من بيت صوفي، ويتبني المنهج الماتريدي.

وقد أعلنت بعض الدول حظر أنشطته ومنها ليبيا والعراق وألمانيا وأخيرا تونس التي كان يعتبرها منطلقا رئيسيا في الشمال الإفريقي، كما أعلن عدد من الدول مراقبة نشاطه مثل مصر والأردن وبريطانيا، وللحزب أتباع ومريدون كثر في وسط آسيا خاصة أوزباكيستان إضافة إلى أنشطته المكثفة في أندونيسا وماليزيا أيضًا.

الأيديولوجيا والعقيدة

لا يعترف الحزب بالحدود السياسية، ويقوم في الأساس على تقديس فكرة الخلافة، ووضعها على رأس عقيدة المسلمين، ويزعم أتباع حزب التحرير أن "الخلافة" هي الركن الأول والأهم من أركان العقيدة، وقد ترك أتباع الحزب تلقي أي شيء من العلوم الشرعية، إلا الحديث عن الخلافة، ويظهر مدى تقديس الخلافة لدى الحزب في منشوراته ومنها كتاب (سعي الأمة نحو الخلافة) ضمن المطبوعات الكثيرة للحزب التي تحتوى الكثير من الكوارث، قال الحزب في هذا الكتاب:

"لقد نجح الحزب في إيجاد رأي عام لدى الأمة على فكرة الخلافة، حتى أصبحت مطلبا للكثيرين وأمنية أكثر من مليار مسلم، ويؤكد ذلك دراسة حديثة أجراها معهد الرأي العام العالمي بواشنطن بالتعاون مع جامعة ماريلاند في أربعة أقطار إسلامية هي الباكستان ومصر والمغرب وإندونيسيا، وقد خرجت نتيجة الدراسة بأن غالبية المسلمين يفضلون العيش في ظل دولة الخلافة بدلا من العيش في ظل النظام الديمقراطي".

وزعم الحزب في الصفحة نفسها أنه "نجح في خلق أجواء سياسية دفعت إلى ولادة أحزاب إسلامية تسعي إلى إقامة الخلافة الإسلامية، وإن اختلفت معه في طريقة الوصول لذلك، وقد اضطر الحزب كثيرا من الجماعات الإسلامية التي لم تذكر شيئا عن الخلافة في أدبياتها، اضطرها إلى زج الخلافة في قوائم أهدافهم ولو بالظاهر، حيث إن عدم تطرق هذه الجماعات لفكرة الخلافة أحرجهم أمام الأمة، وكانت نقطة ضعف أساسية في دعوتهم".
(انظر: سعي الأمة نحو الخلافة، ص21)

ويعترف الحزب بضرب العلاقة بين الأمة والحكام، والمساهمة في تدمير عدد من الدول الإسلامية تحت ستار الثورات، ويعتبرها من أهم إنجازاته، فيقول:
وفي الوقت الذي كانت الأمة ترى في حكامها زعماء ورؤساء وملوكا ترعى الشئون وفي الوقت الذي كان بعض قيادات الحركات الإسلامية لا يرون غضاضة في إقامة علاقات ودية مع الحكام، في هذا الوقت وجد حزب التحرير وكان الحزب هو أول من اصطدم مع الحكام والأنظمة، فكان الكفاح السياسي ضد الحكام والأنظمة الحاكمة هو جزء من طريقة عمله، فصار يكافح الحكام ببيان بعدهم عن تطبيق الشرع، وبيان بعدهم عن رعاية مصالح الأمة، وكشف مؤامراتهم وتواطؤهم مع أعداء الأمة وعمالتهم للغرب، ما أدى إلى نبذ الأمة لهم، وبالتالي نبذ كل من يتعامل معهم، حتى ولو كانوا من الحركات الإسلامية".
(انظر: سعي الأمة نحو الخلافة، ص21)

ويفتخر الحزب في المطبوعة نفسها، بما يضع قياداته تحت طائلة المسائلة القانونية ويؤكد الاتهامات القديمة له في المشاركة بأحداث الفنية العسكرية، يقول الحزب في المطبوعة نفسها:

"نجاح الحزب في اتصالاته الحثيثة بضباط الجيش لنصرته في إزالة الأنظمة الحالية، ما يدلل جديته وعزمه على تطبيق مشروعه الإسلامي.
إحياؤه فكرة طلب النصرة من أهل القوة والمنعة، تلك الفكرة التي لم يسبقه إلى استنباطها أحد.
احتضانه وتأييده للثورات والحراك الشعبي في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، وهذه الثورات لن تتوقف بإذن الله حتي تسفر عن تغيير حقيقي يرضي الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وترضى عنه أمة الإسلام.
(انظر: سعي الأمة نحو الخلافة، ص24- 25)

الديمقراطية والحزب

ينظر الحزب إلى الديمقراطية نظرة متناقضة فهو يعتبرها نظاما كفريا، ويعلن في أدبياتها - نظريا فقط- عدم كفر من يتبع الديمقراطية، وقد أصدر الحزب كتابًا رسميًا بعنوان: "الديمقراطية نظام كفر، يحرم أخذها أو تطبيقها أو الدعوة إليها"، وجاء في مقدمة هذا الكتاب: "الديمقراطية التي سوَّقها الغرب الكافر إلى بلاد المسلمين هي نظام كفر، لا علاقة لها بالإسلام، لا من قريب، ولا من بعيد، وهي تتناقض مع أحكام الإسلام تناقضًا كليًا في الكليات وفي الجزئيات، وفي المصدر الذي جاءت منه، والعقيدة التي انبثقت عنها، والأساس الذي قامت عليه، وفي الأفكار والأنظمة التي أتت بها".

علاقة الحزب بإيران

وللحزب علاقات تاريخية مشبوهة بإيران ففي عام 1984 زار وفد من الحزب طهران وقابلوا الخميني وعرضوا عليه الخلافة ووعدهم خيرا، غير أنه تجاهلهم بعد ذلك ولم يرسل اليهم أي جواب مما اضطر الحزب الى إرسال رسالة اخرى يعاتبه فيها على هذا التجاهل عنوانها (نقد الدستور الإيراني).
(انظر: مجلة الخلافة، العدد 18 تاريخ 4/8/1989)

وامتدحت مجلة (الوعي) التابعة للحزب كتاب الخميني (الحكومة الإسلامية) الذي صرح فيه بأن الأئمة أفضل من الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين!!.
وقالت المجلة:" أهم عمل سياسي قام به الأمام الخميني هو تأليفه كتاب (الحكومة الأسلامية) وملاحقته هذا الأمر حتى ألف الحكومة نفسها… وقد أطلق الخميني شعار: لا شرقية ولا غربية بل إسلامية… وهذا لا يعني أن الخميني لم تكن له أخطاء ولكن ليس الآن وقتها".
(انظر: مجلة الوعي، العدد 26، السنة الثالثة ذو القعدة 1409، يونيه 1989).

مخالفة عقيدة المسلمين

ورغم أن منطلق الحزب إسلامي، تحت شعار إقامة الخلافة لتطبيق الشريعة، إلا أن الحزب يتجاهل تماما العلوم الشرعية، كما وقع في الكثير من الأخطاء العقدية التي تخالف المنهج الإسلامي الصحيح حول مفهوم الإيمان فعرف النبهاني الإيمان بقوله: " معنى الإيمان هو التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل" وهو التعريف الذي يجعل الإيمان مجرد تصديق قلبي لا عمل فيه، وهو ما يظهر عدم اهتمام الحزب بالعلوم الشرعية.
وقال النبهاني ايضا في كتاب الدولة الإسلامية: "وجوب طاعة الخليفة فيما تبناه من الأحكام ولو خالف النص في وجهة نظر المأمور وأن العمل جرى على ذلك في عصر الخلافة الراشدة والمسلمين الأولين".
(انظر: الدولة الإسلامية، ص108 )
ولا شك أنه سقط هنا في مخالفة شرعية كبيرة، تقترب من منهج الشيعة في عصمة الأئمة، كما وقع في مخالفة أخرى وهي الكذب على الصحابة في أنهم كانوا يخالفون النصوص الشرعية.
كما وقع ايضا مؤسس الحزب في مخالفة عقدية كبيرة وهي إنكار مسألة القضاء والقدر وقال إنها "لم تأت في الكتاب ولا في السنة بهذين اللفظين مقرونين"
(انظر: الدوسيه ص 18).

الحزب أخطر من جماعة الإخوان

ولعل المتابع لنشاط الحزب وأفكاره يعرف أن حزب التحرير من أخطر الجماعات الإسلامية على الساحة، وهو أخطر من جماعة الإخوان نفسها التي تعتبر أم الجماعات الحالية، لكن يقظة الجهات الأمنية في الدول الإسلامية عملت على تحجيمه بشكل كبير منذ إنشائه في فلسطين على يد تقي الدين النبهاني، وربما لو اتيحت له الفرصة لأكل الأخضر واليابس، في القضاء على الدول الإسلامية باسم الإسلام أو الخلافة التي لا يعرفون شيئا عن معناها.