رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المجتمع الدولى يتريث!

الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، كما انتهينا، أمس، سيظل قائمًا، ولن يتحقق السلام الشامل والعادل، ما لم يتم التوصل إلى تسوية تعيد للشعب الفلسطينى حقوقه المشروعة. وعليه، لم نجد جدوى من الاجتماعات الدولية، الإسلامية والعربية، ولم يكن مفاجئًا أن تنتهى الجلسة الطارئة المغلقة، التى عقدها مجلس الأمن، إلى لا شىء. 

إلى لا شىء، حرفيًا، انتهت الجلسة، بعد أن طالبت ليندا توماس جرينفيلد، المندوبة الأمريكية، بـ«التريث» قبل اتخاذ أى موقف من التطورات الجارية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وعرقلت مشروع بيان، وزعته الصين والنرويج وتونس، كان من المفترض أن يعرب فيه أعضاء مجلس الأمن عن «قلقهم البالغ» حيال «تصاعد التوترات وأعمال العنف فى الضفة الغربية المحتلة، والقدس الشرقية»، ومن «احتمال إجلاء عائلات فلسطينية فى حيى الشيخ جراح وسلوان بالقدس الشرقية المحتلة، التى يعيش كثير منها فى منازله منذ أجيال». 

بدأت الجلسة بإحاطة قدمها تور وينسلاند، منسق خاص الأمم المتحدة لعملية السلام فى الشرق الأوسط، عن التطورات الجارية، أعرب خلالها عن «مخاوف جدية» من عواقب الصدامات فى الأماكن المقدسة، ومن احتمال قيام إسرائيل بإجلاء العائلات الفلسطينية من حى الشيخ جراح. وطالب «الطرفين» بضبط النفس، ودعا إلى عدم القيام بأى إجراءات أحادية، وأكد أهمية وقف أعمال الهدم وبناء المستوطنات فى الأراضى المحتلة، لأنها «تقوض حل الدولتين».

خلال المشاورات، أبدت غالبية الدول الـ١٥ الأعضاء فى مجلس الأمن «مخاوفها» من عواقب ما يحدث، وتجاوبت مع مشروع البيان، الذى طالب إسرائيل بـ«وقف النشاطات الاستيطانية وعمليات الهدم والإخلاء، بما يتماشى مع التزاماتها بموجب القانون الإنسانى الدولى»، وحض «جميع الأطراف» على «العمل بشكل تعاونى لخفض التوترات وتخفيف العنف، والتحدث علانية ضد جميع أعمال العنف والتحريض». 

ليندا توماس جرينفيلد، ذات الأصول الإفريقية، كانت مساعدة وزير الخارجية لشئون إفريقيا فى إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما. وبعد مغادرتها الوزارة سنة ٢٠١٧، انضمت إلى شركة «أولبرايت ستون بريدج» المملوكة لمعلمتها الأولى، مادلين أولبرايت، وزيرة خارجية بيل كلينتون، و... و... ومع مطالبتها الدول الأعضاء فى مجلس الأمن بـ«التريث»، أشارت إلى أن هناك اتصالات يجريها مسئولون أمريكيون «خلف الستار»، لنزع فتيل الأزمة. 

مسئولون أمريكيون أجروا اتصالات، بالفعل، مع مسئولين إسرائيليين وفلسطينيين وإقليميين، من أجل اتخاذ خطوات للتهدئة، وتخفيف التوترات، والتنديد بالعنف. كان أبرزها اتصال جيك سوليفان، مستشار الأمن القومى الأمريكى، مع نظيره الإسرائيلى مائير بن شبات، الذى اتفقا خلاله على أن «إطلاق الصواريخ والبالونات الحارقة من غزة فى اتجاه إسرائيل أمر غير مقبول، ويجب التنديد به»، وعبَّر سوليفان عن «مخاوف الولايات المتحدة الجدية حيال الإجلاء المحتمل للعائلات الفلسطينية من منازلها»، لكنه أعرب، أيضًا، عن التزام إدارة الرئيس جو بايدن بـ«أمن إسرائيل، ودعم السلام والاستقرار فى كل أنحاء الشرق الأوسط».

بالميوعة نفسها، تقريبًا، تعامل أنطونيو جوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة، الذى بدا كمن يحاول الرقص على الحبل، إذ دعا، فى بيان، «كل القادة» إلى «تحمل مسئولية العمل ضد المتطرفين، والتحدث علانية ضد كل أعمال العنف والتحريض»، ثم طالب بـ«المحافظة على الوضع الراهن فى الأماكن المقدسة واحترامه»، وكرر التزامه، الذى لم يحدث أن التزم به، بدعم الفلسطينيين والإسرائيليين لحل النزاع على أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة والقانون الدولى والاتفاقات الثنائية. وبعد فوات الأوان، طالب السلطات الإسرائيلية بـ«ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، واحترام الحق فى حرية التجمع السلمى».

منذ الجمعة، تشهد مدينة القدس المحتلة وباحات المسجد الأقصى، اعتداءات هى الأعنف منذ ٢٠١٧، لكنها تصاعدت، أمس الأول الإثنين. وكان من المفترض أن تدخل تفاهمات التهدئة، التى تم التوصل إليها برعاية مصر والأمم المتحدة، حيز التنفيذ، صباح أمس الثلاثاء، غير أن الجيش الإسرائيلى أعلن عن قصفه ١٣٠ هدفًا عسكريًا فى قطاع غزة، بزعم أن الفصائل الفلسطينية أطلقت ٣٤٥ صاروخًا من القطاع. وفى المقابل، قالت كتائب القسام، الجناح العسكرى لحركة حماس، فى بيان مقتضب، إن غارة إسرائيلية استهدفت موقعًا كان يتواجد فيه مقاتلوها «فى إطار رفع الجهوزية والاستعداد». وبحسب وزارة صحة حماس، فإن القصف الإسرائيلى أسفر، حتى ظهر الثلاثاء، عن مقتل ٢٥، من بينهم ٩ أطفال، وأصاب ١٢٥ بجراح مختلفة.

مع تريث مجلس الأمن، وما يوصف بالمجتمع الدولى، استجابة للطلب الأمريكى، نرى ضرورة الإشارة إلى أن موقف مصر من القضية الفلسطينية ثابت وواضح ولا يختلف ظاهره عن باطنه، ولا يوجد أى احتمالات لتغييره. لكن قدرنا، قدر الكبير عادة، أن يزايد علينا صغار وموتورون، نعرف ويعرف الجميع أنهم يخلعون كل ملابسهم للإسرائيليين فى الخفاء، وبشكل علنى أحيانًا.