رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مهما كبرت.. الأمل موجود



أيًا كان عمرك تمسّك بحلمك.. لا تترك الأمل.. لا تيأس.. ولا تركن للراحة والثبات فى مكانك وترك فرصتك فى التقدم فى حياتك.. بالأمل نحيا وبالأمل نعيش وأنا بشكل عام من المتفائلين الذين لا ييأسون بسهولة.. ولدىّ دائمًا أمل فى أن الغد قد يكون أفضل من اليوم.. وأؤمن بقوله تعالى «إن مع العسر يسرًا».. حتى فى أصعب الأوقات والأزمات التى مرت بحياتى، كنت دائمًا أتطلع إلى الله العلى القدير، وأقول يا رب يسّر ولا تعسر.. وأتمسك بالأمل فى كل لحظة.. لأننى أعتقد أننا نأتى إلى الحياة دون أن نعرف إلى أين يقودنا الغد، وما مساراتنا المقبلة؟
وحتى إن حددنا أهدافنا فإن المشاكل تطرأ والظروف تتغير، ولأن أقدارنا فى يد الله ولا يعلمها إلا هو، فإن علينا الاجتهاد والكفاح والعمل والباقى على الله.. لذلك فإننى دائمًا وأبدًا أجتهد قدر استطاعتى، وأعمل بجدية فى أى عمل أقوم به، وأحاول النجاح فى خطواتى، وأحاول دائمًا أن أتجه للأمام وأرفع يدى إلى السماء وأتوكل على الله وأقول يا رب.
كانت هذه مقدمة ضرورية عن الأمل الذى علينا أن نصدق أنه دائمًا موجود خاصة مع ما شاهدناه على أرض الواقع خلال انتخابات الرئاسة الأمريكية مؤخرًا.. وبعد ظهور نتائج أكثر الانتخابات سخونة فى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن تفوق جو بايدن، مرشح الحزب الديمقراطى، على منافسه الجمهورى الرئيس دونالد ترامب باكتساح أصوات المجمع الانتخابى وحصوله على ٢٩٠ صوتًا مقابل ٢١٤ لترامب، وبعد الفوز الساحق بـ٧٤ مليون صوت وهى أعلى نسبة فى أصوات الناخبين فى التاريخ الأمريكى، ولأن الرئيس الجديد الذى تم انتخابه للسنوات الـ٤ المقبلة يبلغ من العمر ٧٨ عامًا، فإن هذا الأمل دائمًا موجود مهما كان عمر الإنسان.
وكان لبايدن- قبل أن يصبح رئيسًا- مسيرة طويلة فى عالم السياسة إذ كان نائبًا للرئيس الأمريكى الأسبق أوباما، وقبلها نائبًا فى مجلس الشيوخ الأمريكى.. وغيرها من المناصب السياسية.. ورشح نفسه فى الانتخابات الرئاسية من قبل ولم ينجح فيها.. كما أنه معروف أنه قد أصيب مرتين بأزمتين صحيتين بتمدد فى الأوعية الدموية ودخل المستشفى وعولج منهما لكنه لم ييأس.. ولم يفقد الأمل.. وأخذ يعد العدة طوال فترة رئاسة دونالد ترامب فى السنوات الأربع الأخيرة لخوض الانتخابات ولم يفقد الأمل أيضًا.
استوعب كل الدروس المستفادة من أخطاء ترامب، ونجح فى استثمارها فى حملته الانتخابية للرئاسة.. وأولها موقف ترامب السيئ فى مواجهة فيروس كورونا، مما أسفر عن وفاة مئات الآلاف من الأمريكيين.. وإصابتهم بها.. ثم أخفق ترامب فى معالجة أزمة الشارع الأمريكى، بسبب مقتل جورج فلويد الأمريكى من أصل إفريقى، التى تخطت الحدود ووصلت إلى الرأى العام العالمى.
وانتشرت بسبب الحادثة المظاهرات فى مختلف أنحاء العالم، وأخفق ترامب فى التعامل مع هذه الواقعة كما أخفق فى عدم التعاطف مع فلويد الرجل البرىء البسيط الأسود البشرة الذى قتله الشرطى الأبيض عمدًا وخنقه بوضع حذائه على عنقه حتى اختنق ومات أمام المارة فى الشارع.. ولم يكن فلويد قد اقترف أى خطأ بل أخذ يستغيث لا أستطيع أن أتنفس حتى يبعد الشرطى العنصرى حذاءه عن رقبته إلا أنه قتله بلا رحمة.
ونقلت هذه الصورة المأساوية للجريمة العنصرية إلى كل العالم بعد لحظات، وثارت ثائرة كل من لديه ذرة من الإنسانية فى العالم، وثار وتظاهر كل ذوى البشرة السوداء والملونين والأقليات وآلاف من ذوى البشرة البيضاء الذين غضبوا وتظاهروا بعشرات الآلاف فى الشوارع ضد التفرقة العنصرية واضطهاد الملونين والسود والأمريكان الأفارقة فى شوارع أمريكا لعدة أيام وفى دول أخرى كثيرة.
ولم يأبه ترامب لغضب الشارع الأمريكى واستنكار هذه الجريمة العنصرية ضد فلويد.. ولا للرأى العام العالمى الذى استنكر جريمة الشرطى الأبيض العنصرى الذى قتل فلويد الأعزل المسالم بلا أى ذنب اقترفه.
وفى هذا الصدد استطاع جو بايدن أن يكسب تأييد أصوات ملايين من ذوى البشرة السمراء والسوداء والأقليات والملونين بأن اختار أن تكون نائبته امرأة أمريكية إفريقية سوداء من أصول هندية هى كامالا هاريس، وهى أول امرأة تتقلد منصب نائبة الرئيس الأمريكى فى تاريخ أمريكا، مما يعد نقلة تاريخية سيكون لها نتائج على نوعية الحياة بداخل أمريكا وعلى قضية التفرقة العنصرية وحقوق الملونين والأقليات الذين خرجوا للإدلاء بأصواتهم لإسقاط ترامب ولفوز بايدن أملًا فى القضاء على العنصرية التى ما زالت موجودة وتمارس فى أمريكا..
ورغم رفض ترامب نتيجة الانتخابات حتى الآن واتهام الحزب الديمقراطى بالتزوير فى الأصوات والفساد، فإن حشودًا بالآلاف من أنصار بايدن والحزب الديمقراطى انطلقوا إلى المنطقة المحيطة بالبيت الأبيض بواشنطن وفى شوارع المدن الأمريكية وسط هتافات وأبواق سيارات وأسر كاملة تجمعت وألعاب نارية ملأت السماء من أجل الاحتفال بالانتصار التاريخى لبايدن.
وألقى هو كلمة الانتصار بفرحة غامرة، وحينما ظهر على الشاشات على الهواء، خرج بايدن راكضًا ليؤكد تمتعه باللياقة والصحة والفرحة وعبر عن تشرفه العظيم وامتنانه بانتخابه ولثقة الشعب فيه، وأكد أنه سيكون رئيسًا لكل الأمريكيين وأكد أيضًا أنه سيعمل على مواجهة فيروس كورونا بفريق علمى من المستشارين معه، وأنه سيعمل على تحقيق العدالة والمساواة والقضاء على التفرقة العنصرية.
ثم ظهرت زوجته السيدة الأولى لتُحيى الأنصار، وظهر أولاده وأحفاده ومن قبله ألقت كامالا هاريس نائبته السمراء كلمة موفقة تعبر فيها عن فرحة الفوز وهى ترتدى بدلة بيضاء أنيقة كعلامة الانتصار، وتشكر الشعب أنهم منحوا فجرًا جديدًا لأمريكا وأبدت رغبتها فى بدء العمل فورًا وركزت على أهمية تحقيق المساواة والتصدى للتفرقة العنصرية والتغيرات المناخية.
وأيًا كان ما سنشهده فى الأيام المقبلة من مستجدات أو طعون قانونية من دونالد ترامب.. فإن جو بايدن قد أصبح فعليًا الرئيس الأمريكى السادس والأربعين لأمريكا، ونائبته هى كامالا هاريس.. وأيًا كان ما ستأتى به السياسة الأمريكية فإن لنا معها علاقات استراتيجية طيبة ومصر حاليًا تحتل مكانة مرموقة مع معظم دول العالم، ولها علاقات دولية قوية ومتينة ومتزنة مع كل الدول، وهى حريصة على تطوير هذا التعاون، كما أنها حريصة على أمنها وكرامتها واستقرارها واستقلال إرادتها فى تعاملاتها مع كل الدول.