رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى ذكرى استشهاد الأسقف الأنبا صموئيل


وُلد باسم سعد عزيز فى ٨ ديسمبر ١٩٢٠ فى مدينة القاهرة، وبعد أن أتم دراسته الابتدائية والثانوية التحق بكلية الحقوق سنة ١٩٣٧. انتهى من دراسته سنة ١٩٤١ وعمل بالبنك الأهلى المصرى. اهتم بالدراسة فى الكلية الإكليريكية «الكلية اللاهوتية» بالقاهرة فحصل على دبلوم الإكليريكية عام ١٩٤٤، ثم طلب من المسئولين فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة أن يحصل على منحة دراسية، وقد تحقق ذلك، فالتحق بالجامعة الأمريكية ودرس «تربية وعلم نفس». وفى أثناء ذلك قام بتدريس هاتين المادتين فى الكلية الإكليريكية. أوفدته الكنيسة القبطية إلى إثيوبيا للتدريس بالكلية اللاهوتية فى أديس أبابا، وظل يعمل بها حتى عام ١٩٤٦.
بعد ذلك بدأت فكرة الرهبنة تختمر فى ذهنه، ففى سنة ١٩٤٨ توجه إلى كنيسة القديس مينا بآخر مصر القديمة، وهناك ترهبن تحت رعاية وإرشاد الأب مينا البراموسى المتوحد «فيما بعد البابا كيرلس السادس البطريرك ١١٦»، وبعد ذلك بشهرين توجه الصيدلى د. يوسف إسكندر للرهبنة تحت رعاية وإرشاد الأب مينا البراموسى المتوحد. تمت رهبنة سعد عزيز راهبًا باسم الأب مكارى السريانى، وتمت رهبنة د. يوسف إسكندر باسم الأب متى المسكين. حيث أرسلهما الأب مينا المتوحد مع مجموعة أخرى للرهبنة بدير السريان بوادى النطرون، إذ كان البابا كيرلس السادس يرى فى الرهبنة بدير السريان الأمل المشرق للكنيسة والقيادة الروحية لها فى المستقبل، وهذا يتضح من اختياره طاقم سكرتارية البطريرك من بين رهبان دير السريان، وكانوا بالحقيقة متمتعين بالروحانية العالية جدًا، بالإضافة إلى الثقافة الكنسية الجادة والغيرة الصادقة على الكنيسة، وكانت نظرة صائبة من البابا كيرلس السادس.
فى عام ١٩٥٢ اختارته الكنيسة للإشراف على القسم الداخلى بالكلية الإكليريكية بمهمشة، وفى أوائل عام ١٩٥٤ انتدبه البابا يوساب الثانى البطريرك ١١٥ ضمن الوفد الممثل للكنيسة القبطية فى مؤتمر التعاون المسيحى- الإسلامى فى لبنان. وفى أغسطس ١٩٥٤ سافر إلى مدينة «إيفانستون» بولاية إلينوى الأمريكية بصحبة الأب صليب سوريال، راعى كنيسة مار مرقس بالجيزة، والمؤرخ المصرى د. عزيز سوريال عطية، لحضور مؤتمر التقارب بين الكنائس. ولإعجاب د. أحمد حسين- سفير مصر فى واشنطن- بشخصية الأب مكارى السريانى، توسط لدى المسئولين فى جامعة «برنستون» كى يدبروا منحة دراسية للأب مكارى السريانى، ليتمكن من إلقاء المحاضرات عن مصر وعن كنيسة مصر وعن الإخاء الذى يربط بين المسيحيين والمسلمين بمصر.
فتحقق ذلك فعلًا، وخلال هذه المنحة الدراسية حصل على درجة الماجستير فى موضوع «التربية المسيحية فى الكنيسة القبطية فى عصورها الأولى». عاد بعد ذلك إلى مصر، وفى يونيو ١٩٥٦ تم تعيينه مندوبًا عن الكنيسة القبطية فى اللجنة المركزية لمجلس الكنائس العالمى، وعلى إثر ذلك سافر لحضور المؤتمر، الذى انعقد فى العاصمة المجرية «بودابست» فى أغسطس ١٩٥٦. وقد دار الحوار فى هذا المؤتمر حول «المسئولية المسيحية المشتركة نحو مناطق التغير الاجتماعى السريع». وقد تضمنت قرارات المؤتمر العديد من الآراء البناءة، منها: الإحساس بالعزة القومية جعل شعوب هذه المناطق تجاهد للحصول على استقلالها السياسى، الإحساس بالشخصية القومية أوجد الإدراك بالترابط بين الإنسان والمجتمع، ثم إن الولاء القومى قد استثار الرغبة فى النمو القومى عن طريق روح الخدمة وروح الاكتفاء المجتمعى الذاتى.
وعندما حدث العدوان الثلاثى على مصر فى ٢٩ أكتوبر ١٩٥٦، قضى الأب مكارى السريانى الفترة «الأسبوع الأول من نوفمبر ١٩٥٦- ١٢ مايو ١٩٥٧» متجولًا فى ربوع الغرب، ليبسط أمام الرأى العام وقائع الاعتداء الغاشم، وكيف صمد المصريون جميعًا- مسلمين ومسيحيين- فى وجه هذه القسوة الباطشة.
فى صباح الأحد ٣٠ سبتمبر ١٩٦٢، قام البابا كيرلس السادس البطريرك ١١٦ برسامة الراهب مكارى السريانى أسقفًا للعلاقات العامة والخدمات الاجتماعية باسم الأنبا صموئيل، كما قام فى نفس اليوم برسامة الراهب أنطونيوس السريانى أسقفًا على الإكليريكية والمعاهد الدينية باسم الأنبا شنودة «صار فيما بعد البابا شنودة الثالث البطريرك ١١٧».
فى خلال الفترة ما بين هزيمة يونيو ١٩٦٧ وانتصار أكتوبر ١٩٧٣ استطاع الأنبا صموئيل، من خلال عضويته فى مجلس الكنائس العالمى، أن يزود المستشفيات المصرية بالخيوط الجراحية، وكذلك تزويد بنك الدم، التابع للهلال الأحمر، بأجهزة كبيرة تلبية لطلب رئيسته د. زينب السبكى، وقد بلغ عدد هذه الأجهزة ٣٠،٠٠٠ جهاز حديث لنقل الدم.
اهتم بتأسيس جماعة أطلق عليها اسم «إخوة الكادحين» هدفها معاونة «الكادحين» على التخصص فى مجالات مختلفة لبنيان نفوسهم وتأهيلهم على اكتساب رزقهم بطريقة كريمة تكفل لهم كرامتهم واحترامهم. كما أنه اشترك مع وزير الصحة د. عبده سلّام فى تأسيس جمعية «الإخاء الدينى» من أجل العمل المشترك لوحدة أبناء الشعب الواحد تحت اسم «مصر». كما أنه كان وراء إحضار الطبيب الشاب د. ميشيل جرس ميخائيل ليكون ملازمًا للبابا كيرلس السادس فى فترة مرضه الأخير فى عام ١٩٧١ وذلك بموافقة د. عبده سلّام.
وفى يوم الثلاثاء ٦ أكتوبر ١٩٨١ أصيب فى حادث المنصة الشهير، الذى راح ضحيته الرئيس أنور السادات ومجموعة أخرى من المصريين، وودع العالم كله بعد أن قدم خدمة حقيقية باذلة. وفى صلوات التجنيز التى أقيمت بالكاتدرائية المرقسية الكبرى بالعباسية على روح الأنبا صموئيل، وقف الأنبا يؤانس، أسقف الغربية، وقال: «إن خسارة الكنيسة فى الأنبا صموئيل فادحة لا تُعوض.. كان الحركة الدائبة فى البطريركية، العقل الذى لا يهدأ ولا يتوقف عن التفكير.. اللسان الذى لا يكف عن الكلام البنّاء، القلب الكبير الذى ينبض بالحيوية الدافعة والحُب الفياض، والذى اتسع لكثيرين وكثيرين حتى من المسيئين.. الروح الكبيرة الطموح للخير التى حلقت فى أجواء كثير من بلدان العالم، كان هو الأبوة الحانية، التى احتضنت كثيرين، وجعلت منهم أبناء وتلاميذ أوفياء مخلصين.. إن الفراغ الذى تركه الأنبا صموئيل فراغ كبير جدًا..».
لم تشهد الكنيسة القبطية بعده من ملأ الفراغ الذى تركه الأنبا صموئيل!! وكتب عنه اللاهوتى القدير د. جورج حبيب بباوى: «ربما كانت طريقة الرحيل نفسها تليق به، فقد سار دائمًا فى موكب الكبار كبيرًا، وكان من الضرورى أن يرحل مع الكبار. عاش حياة كلها حركة ونشاط، وكان من الصعب علينا أن نراه شيخًا يرقد على سرير المرض يعانى من الشيخوخة، وهو الرجل الذى تحدى الضعف والمرض طوال حياته، ولم يستسلم حتى لظروف مرض السكر..»، وأنا شخصيًا أذكر أنه عندما كان يحضر عندنا بمدينة تورنتو عامى ١٩٧٥- ١٩٧٦ كان يحرص على أن يدخل الكنيسة من الباب الجانبى الصغير بعيدًا عن استقبال المستقبلين وتراتيل المرتلين.
كانت وصيته أن يتم دفنه فى نفس مقبرة البابا كيرلس السادس، التى تقع أسفل الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالعباسية، بعد أن تم نقل جثمان البابا كيرلس السادس فى نوفمبر ١٩٧٢ إلى دير مار مينا بمريوط، حسب وصية البابا، لقد كان الأنبا صموئيل تلميذًا أمينًا جدًا فى طريق الرب. بالحقيقة لم تر الكنيسة القبطية مثل الأنبا صموئيل فى نشاطه وخدمته الأمينة.