رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الطاغية التركى.. وشخصنة الدولة


رصد بعض الباحثين ظاهرة شخصنة الدولة وتعنى أن النظام السياسى والاقتصادى والبيروقراطى بمؤسساته يتحول من نظام قانونى يناط به الفصل بين الناس بالعدل وإدارة دولاب الحكم، إلى الاندماج فى المؤسسات القائمة على التنفيذ المحض لإرادة الحاكم المستبد، وخاضعة للإرادة الشخصية المتوحدة المستبدة على قمة هرم الدولة. وتسود فى هذا النظام التفسيرات والاجتهادات التى تدعم الوضع القائم، وتفرغ الدلالات القانونية المرتبطة بعمومية القاعدة القانونية وتجريدها، فتفرغ القانون من هذا المحتوى الموضوعى ليصير ذا مؤدٍ شخصى ومشخصن لصالح أفراد وأناس بعينهم ذوى علاقات شخصية برأس الدولة ومن يحيطون به. ورأوا أنه من معالم الاستبداد أن تنتقل الدولة من كونها تعبيراً عن جماعة وأداة للحكم بين الناس إلى التمركز حول شخص الحاكم، والتعبير عن مصالح نخبة ضيقة من بطانته، دونما اعتبار للناس ومصالح المواطنين، فلا يبقى ثمة وجود لقوى سياسية اجتماعية تتجاوز إرادة الدولة وهيمنتها.

ولا توجد دولة تتجسد فيها تلك المعانى وذلك المفهوم من شخصنة الدولة فى تركيا أردوغان. كان أردوغان ينتقل قبل العام 2011 من إنجاز إلى إنجاز على الصعيد الداخلى فى قضايا الحريات والديمقراطية والتنمية. ولكن بعدما قام بتعديلات دستورية جذرية أقرها استفتاء العام 2010 ومن بعدها فوزه فى انتخابات العام 2011 انتهج أردوغان مساراً جديداً قوامه التفرد والاستئثار بالسلطة على طريقة حكم «الرجل الواحد والحزب الواحد» بعدما بات يستشعر فى نفسه القدرة على التخلص من جميع خصومه ومن حلفائه أيضاً الذين مشوا معه منذ العام 2002 إلى العام 2012.

ومن هذا المنطلق كانت رغبته الجامحة فى التخلص من أقرب وأقوى حلفائه، رجل الدين والداعية فتح الله غولين المقيم فى الولايات المتحدة وجماعته المعروفة بـ«الجماعة» أو بـ«الخدمة»، على أساس أنها تقدم خدمات واسعة النطاق اجتماعياً وتربوياً وطبياً، ومعيشية، فقرر البدء بإغلاق مدارس مسائية تشكل إحدى ركائز ثقل غولين . وكانت هذه القشة التى قصمت ظهر البعير . رد غولين على أردوغان بتفجير فضيحة فساد ضخمة جداً كانت مفاجأة كاملة لأردوغان. فقام أردوغان بإقصاء جميع القضاة وقادة الشرطة الذين يشك بولائهم، وتعيين آخرين بدلاً منهم برأوا ساحة المتهمين بالفساد من جهة وأطلقوا سراح الجنرالات المعتقلين ليقفوا إلى جانب أردوغان فى معركته مع فتح الله غولين. وفى الوقت نفسه عمد إلى إصدار قانون الرقابة على الإنترنت وقانون إخضاع القضاء لمزاج السلطة السياسية ضارباً بعرض الحائط الشرط الأهم فى الديمقراطيات وهو الفصل بين السلطات. تركيا أردوغان هى السجن الكبير ؛ فموقع تركيا بالنسبة للحريات الصحفية فى العالم هو فى المرتبة الـ 149 أى أن هناك 148 دولة فى العالم أفضل من تركيا لجهة الحريات الصحفية. وهناك ألف ومئتا صحفى عاطلون عن العمل بين مطرود وممنوع، نتيجة للضغوط السياسية. وهناك 137 صحفياً تعرضوا للعنف أثناء ممارستهم لعملهم. ويحاكم 234 صحفياً بتهم مختلفة من بينها بل على رأسها دعم الإرهاب أو تحقير رئيس الجمهورية.

فيما يرمى فى السجن 31 صحفياً. وأغلقت السلطات التركية فى عام 2015 عدد 15 محطة تليفزيونية وعملت على مصادرة ووضع اليد على صحيفتين يوميتين. ووضع الفيتو على مشاركة صحفيين محددين ووسائل إعلامية معينة فى 56 مناسبة. كما عملت السلطة على منع نشر أكثر من 128 مادة إخبارية. والحادثة الأكثر لفتاً للنظر أن الحكومة عملت على حجب أكثر من 877 موقعاً على الإنترنت خلال العام 2015.