رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الوطنية فى الإسلام (1-2)


يقول الله - عز وجل -: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين».

السياسة الشرعية معين لا ينضب لكل متشرف للعلم بحقائق إسلامية تبدو لجاهل أو متحامل أو لمتعام أو متغاب لا وجود لها، ويهرول من يهرول إلى نظم غير إسلامية يلتمس الحلول ويقدمها كنمط واجب بانبهار غريب عجيب!،ومن الناس من يراها متوجسًا أن تكون من البدع السيئة! ويفتعل معارك فى غير معركة!

ولمزيد من علم بالوطنية فى الدين الحق نركز على الآتي:

الوطنية: تشير إلى شعور الفرد بحبه لمجتمعه ووطنه، واعتزازه بالانتماء إليه، واستعداده للتضحية من أجله، فالوطنية شعور قلبى ووجدانى يترجم فى المحبة والولاء والميل والاتجاه الإيجابى والدافعية الذاتية للعمل الخلاق الذى يستهدف رفعة الوطن.

شواهد الوطنية فى النصوص الشرعية فى القرآن الكريم:

1- يقول تعالى: «قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين» وجه الدلالة: نهى الله عن تقديم محبة هذه الأمور التى هى بمفهومها العام الوطن على محبة الله - تعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا يعنى وجود الحب لمثل هذه الأمور، لكن الممنوع أن تقدم على محبة الله - تعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.

2- يقول الله تعالى-: «وإذا قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدًا آمنًا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلاً ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير».

3- وقال - سبحانه -: «وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنًا واجنبنى وبنى أن نعبد الأصنام» وجه الدلالة: حكى الله - تعالى - عن خليله سيدنا إبراهيم - عليه السلام - هذا الدعاء بالأمن، والسلام ورغد العيش، لهذا البلد الحرام، ويتضح منه ما يفيض به قلب إبراهيم - عليه السلام - من حب لمستقر عبادته، وموطن أهله.

4ـ يقول - سبحانه وتعالى -: «ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم» اقترن حب الديار، مع حب النفس، وأن كلا منهما متأصل فى نفس الإنسان عزيز عليه.

5- يقول الله - عز وجل -: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين».

ووجه الدلالة: اقترن حب الوطن، مع الدين فالبر والعدل مأمور بهما لمن لم يقاتل المسلم على دينه، أو يخرجه من بلده، وفيه دليل على مكانتها فى الدين وفى نفس الإنسان.

6- يقول - جل شأنه-: «إن الذى فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد»8 قال ابن عباس - رضى الله عنهما- إلى مكة، وقال القرطبى - رحمه الله - قال مقاتل: خرج النبى - صلى الله عليه وسلم - من الغار ليلاً مهاجرًا إلى المدينة فى غير الطريق مخافة الطلب فلما رجع إلى الطريق ونزل الجحفة عرف الطريق إلى مكة فاشتاق إليها فقال جبريل - عليه السلام -: «إن الله يقول: «إن الذى فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد» أى إلى مكة ظاهرًا عليها.

7- يقول - جلا وعلا -: «ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرًا لهم وأشد تثبيتًا»، وجه الدلالة: الإخراج من الديار معادل ومساو للقتل الذى يخرج الإنسان من عداد الحياة.

8- قال الله - تعالى -: «وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون «84» ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقًا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى فى الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون «85».

وجه الدلالة: فتشير الآية إلى أن الإخراج من الديار، والحرمان من الوطن معادل لسفك الدماء كما أن الخروج من الوطن لا يفعله الإنسان إلا مضطرًا، كما خرج سيدنا إبراهيم، ولوط - عليهما السلام - من وطنهما بعد إتلاف سيدنا إبراهيم - عليه السلام - الأصنام، وطرده من البلاد، وخروج سيدنا موسى- عليه السلام - من مصر فخرج منها خائفًا يترقب» وخروج سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - من وطنه مكة إلى المدينة مهاجرًا فى سبيل الله، يقول الله - تعالى «إلا تنصروه فقد نصره الله إذا أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين إذا هما فى الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هى العليا والله عزيز حكيم».

وكان للمهاجرين فضيلة الهجرة، وترك الأوطان على إخوانهم الأنصار، وقد مدحهم الله بقوله: «للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ».

والسنة النبوية: منها 1- عن أنس بن مالك - رضى الله عنه - قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قدم من سفر فأبصر درجات المدينة أوضع ناقته وإن كانت دابة حركها» وقال أبو عبد الله: زاد الحارث بن عمير عن حميدة: حركها من حبها، قال ابن حجر فى الفتح، والعينى فى عمدة القارئ، والمباركفورى فى تحفة الأحوذي: فيه دلالة على فضل المدينة، وعلى مشروعية حب الوطن، والحنين إليه.

2- عن أنس بن مالك - رضى الله عنه - أن النبى - صلى الله عليه وسلم - أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال لأبى طلحة التمس غلامًامن غلمانكم يخدمنى حتى أخرج إلى خيبر فخرج به أبو طلحة مردفى وأنا غلام راهقت الحلم فكنت أخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل فكنت أسمعه كثيرًا يقول اللهم إنى أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن.

■ أستاذ بجامعة الأزهر الشريف