رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جمال حمدان.. والدعوة إلى الخلافة


داعش التنظيم الإرهابى المتوحش وجماعات الإخوان المسلمين التى أضحت بعد لفظ الجماهير لها تنادى بفكرة الخلافة الإسلامية الكبرى فما الأصول الفكرية لتلك الدعوة وما مدى امكانية تحقيقها؟ لقد بدأت الدعوة إلى الخلافة الإسلامية الكبرى كرد فعل للانتكاسة الكبرى التى ألمت بالعالم الإسلامى، حث اندفع الفكر الدينى- السياسى نحو مثل الوحدة الإسلامية الكبرى. وعلى رأس هذا التيار كان جمال الدين الأفغانى فى القرن التاسع عشر، الذى يمكن- فى معنى- أنه يقال إنه التقط الخيط الذى تركه ابن تيمية قبله بقرون سبعة. وكما اشترك مع ابن تيمية تلميذه ابن القيم، شارك الافغانى تلميذه محمد عبده. وكان جوهر الدعوة من أجل التحرر الإسلامى هى الوحدة الإسلامية الشاملة فى إمبراطورية إسلامية تحت خلافة واحدة، فالأفغانى هو رائد فكرة الجامعة الإسلامية وداعيتها الأكبر، ومن هنا التقطت تركيا «السلطان عبدالحميد» الدعوة لتستولى عليها وتدعم بها كيانها الذى أوشك على الانهيار، ولكن عبثاً، وفى مصربعد انهيار الخلافة فى تركيا، فكر الملك فؤاد أن يكون الخليفة المأمول ليستعيد سلطاته المطلقة بعد ثورة 1919، وحينها أعلن حسن البنا، المرشد العام للإخوان المسلمين ومؤسسها فى مصر، «إن الإخوان المسلمين، يجعلون فكرة الخلافة والعمل على إعادتها فى رأس مناهجهم، ويقول عن الخليفة إنه «ظل الله على الأرض».

من الغريب أن فكرة الوحدة الإسلامية لم تزل تعشش فى بعض أركان وأوكار الجماعات الإرهابية والظلامية، وهى كانت دائما تجد لها بيئة صالحة بين مسلمى الهند قبل التقسيم وفى الباكستان بعده، وذلك نتيجة خطر الاضطهاد الهندوسي. من هنا كانت الباكستان مشتلا ومصدرا لكل النظريات الإسلامية المعاصرة، كما تتمثل فى المودودى مثلا. وهذه الدعوة يمكن أن نلخصها فى الاتى: الإسلام – كنقطة ابتداء- دين ودولة. ولا يكفى أن تتحول كل دولة إسلامية إلى «دولة قرآنية» -هكذا يعبرون- وإنما لابد من توحيد كل الدول الإسلامية فى دولة إسلامية عالمية «أحادية» لها مركز سلطة واحدة. فوطن المسلم هو العالم الإسلامى كله، ومواطنوه هم «المؤمنون» جميعا، والدولة الإسلامية دولة ليس أساسها العنصر والجنس أو القومية أو الوطن، وإنما هى دولة «الايديولوجية» أساسها العقيدة الدينية. ومن هذا المنطق تنتهى الدعوة من الناحية العملية إلى نتيجتين غريبتين: أولاً أن الإسلامية ضد القومية، وثانياً أن الدعوة الإسلامية دولة غير إقليمية أى غير جغرافية.

وهذه الدعوة تواجه العديد من الحقائق التى تثبت أنها دعوة يوتوبية خيالية وغير عملية، نقدها كثيرون ووجهوا لها سهام النقد ومن أبرز من هدم أسس تلك الدعوة العالم الجليل الراحل جمال حمدان: الذى تساءل بداية من الذى سيقوم بتوحيد الدولة الإسلامية الأحادية الكوزموبوليتانية التى يصفها بأنها دعوة عنصرية جامدة وتنتهى إلى صراع اثنى بين شعوب الأمة، أى صراعات بين القوميات المختلفة. وهذه الدعوة المزعومة لكى تنشأ وتستمر لابد أن تكون دموية أساساً، دولة الحروب الأهلية بانتظام- نقيض معنى الإسلام . ثم يتساءل: ماذا عن دول الاقليات الإسلامية ؟ وماذا عن مسلمى آسيا والدول الأوروبية مثلا؟. وهنا يضع حمدان يده على المأزق الذى تخرج منه تلك النظرية الشاذة من أن الدولة غير إقليمية أو جغرافية، أى أنها دولة بلا قاعدة أرضية محددة لها ولا حدود! وهى بهذا المعنى دولة تجريدية معلقة فى فراغ، ولا مناص مع هذا الوضع إلا الحروب الخارجية الدائمة مع الجيران، وتؤدى إلى تكتل مضاد لها. كما أن منطق الدولة الإسلامية العالمية لا يتفق بالنظرية والفرض مع مبدأ عالمية الإسلام، فالاسلام اصلا دعوة عالمية. واذا كان قد تحدد تاريخياً منطقة جغرافية معينة، فهو من حيث المبدأ يستهدف العالم كله. فاذا فرضنا جدلاً هذا الفرض، فهل يحوز التفكير واقعياً فى دولة العالم الأحادية، والدليل على حجة حمدان أن الصومال كانت فى عهد الرئيس سياد برى الماركسى تنادى بتأسيس الصومال الكبرى والتى تضم الصومال وأقاليم من دول الجوار‏.‏ وقد انتهت هذه الدعوة إلى انهيار الصومال ذاتها ووصول الصومال إلى ما نراه الآن . وكانت تجربة حسن الترابى فى السلطة السودانية قد خاضت شوطا طويلاً فى الدعوة والسعى إلى تأسيس خلافة إسلامية كبرى وتطلع الترابى إلى أفريقيا ومصر وبقية العالم العربى وما وراءه‏.‏ ولم يكن الترابى ليقنع بتجربته داخل السودان التى تمتد لأكثر من اثنى مليون كيلو متر مربع بل رفع فكرة الجهاد وراية الفتح بعد أن قرر أن السودان كلها مجرد ولاية واحدة أمام طموحات الصحوة والفكرة الإسلامية‏.‏ وانتهى الأمر بالسودان إلى سودانيين ودولتين!. والان داعش تحت راية تلك الدعوة تمارس القتل والذبح والحرق والسبى تحت راية تلك الدعوة. ومن ثم كما قال حمدان بحق «إن فكرة الخلافة الإسلامية الكبرى غير ممكنة عملياً، غير معقولة نظرياً، وغير صحيحة علمياً