رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فتوح الشاذلي يكتب ..رسالة أطفال كندا


بكيت وأنا أشاهد استقبال أطفال كندا للاجئين السوريين منذ أيام..بكيت وأنا استمع إلي أنشودة طلع البدر علينا التي غناها أطفال كندا من المسلمين والمسيحيين علي أنغام الكورال بكل اللغات.. مشهد ورسالة.. مشهد إنساني لا يتكرر كثيرا.. مشهد يستحق التأمل.. ورسالة أمل.. رسالة أمل تبدد اليأس الذي تملكنا جميعا، ونقطة ضوء وسط الظلام الحالك الذي يحيط بنا من كل جانب.. رسالة سلام من شعب متحضر، ومن بلد يحتضن آلاف المسلمين المشردين رغم أن أغلبيته مسيحية ولا يزيد عدد المسلمين هناك علي 5٪.. إنه موقف سيسجله التاريخ للشعب الكندي ولزعيمه الجديد جاستن ترودو .

اختيار الأنشودة رفع من قدر اللاجئين السوريين الذين تكالبت عليهم قوي الشر واضطرتهم آلة الحرب إلي الهجرة ووضعتهم في مكانة الرسول وأصحابه المهاجرين الذين هاجروا من مكة إلي المدينة بعد الحرب عليهم من قريش.. وأيضا تحمل إشارة إلي كرم أهل الديار وأنهم سيكونون معهم كما كان أهل المدينة مع المهاجرين.

من حق الزعيم الكندي الجديد جاستن ترودو أن يقف في مطار تورنتو ويقول سنتذكر جميعا هذا اليوم.. نعم سيكتب التاريخ أن هناك زعيما أوفي بوعده الذي قطعه علي نفسه أمام شعبه.. زعيما اكتسب احترام العالم لأنه المسئول الوحيد من خارج الدول العربية والإسلامية الذي يستقبل مثل هذا العدد من الأشقاء السوريين في فترة زمنية وجيزة.. يفعل كل هذا في موقف إنساني فريد لم يلزمه به أحد سوي ضميره.

في حملته الانتخابية في أكتوبر الماضي 2015، وفي أعقاب مأساة الطفل الكردي إيلان تلك المأساة التي هزت العالم تعهد جاستن ترودو المرشح لمنصب رئيس الوزراء في ذلك الوقت أن يستقبل 25 ألف لاجئ سوري من الأردن ولبنان وتركيا وذلك قبل نهاية ديسمبر.. وبالفعل فاز ترودو 43 عاما في معركة انتخابية شرسة تغلب فيها علي خصمين كبيرين يتمتعان بخبرة سياسية كبيرة هما المحافظ ستيفن هاربر والاشتراكي الديمقراطي توماس ماكلير وتولي الرجل رئاسة الحكومة الكندية.

لم ينس ترودو الوعد الذي قطعه علي نفسه أمام شعبه.. ولأنه يعرف أن الديمقراطية ليست فقط صندوق انتخاب أو فوزا بمنصب.. وأنها عقد بين الحاكم وشعبه، وأن الحاكم عليه أن يلتزم بكل ما جاء في العقد.. بدأ الرجل في الإعداد لتنفيذ وعده باستقبال اللاجئين.. ولكنه فوجئ بعقبات كبيرة تقف عائقا أمام هذا الاستحقاق الإنساني أولها عدم وجود أسطول كاف من الطائرات لنقل هذا العدد الكبير وكذلك صدور أصوات معارضة داخل كندا ترفض استقبال السوريين بعد الهجمات الأخيرة التي تعرضت لها العاصمة الفرنسية باريس، والأغرب هو وجود عقبات في منح تأشيرات خروج السوريين من الأردن ولبنان.. كما ظهرت عقبات أخري داخلية تتعلق بكيفية توطين هذا العدد الكبير.

لم يستسلم الزعيم الكندي أمام هذه العقبات وعلي الفور أصدر قرارا بتشكيل لجنه تضم 9 وزراء من بينهم وزراء الدفاع والخارجية والأمن العام والصحه والهجرة، وطبعا تشكيل اللجان هناك ليس علي غرار اللجان التي يتم تشكيلها في مصر ودول العالم الثالث.. فالفارق كبير، وبعد تكليف اللجنة خرج الزعيم الكندي بتصريحات علي الشعب مفادها أنه ملتزم بتنفيذ وعده مهما كانت الصعاب، وأنه سيتم الانتهاء من إنجاز المهمة نهاية فبراير بدلا من الموعد الذي حدده في السابق وهو نهاية ديسمبر أي أن هناك تأخيرا شهرين لا أكثر.. استعان ترودو بالجيش وقرر استخدام الطائرات الحربية في إقامة جسر جوي لنقل السوريين ، وكلف وزير الخارجية الكندي بالاتصال بنظيره اللبناني لإزالة معوقات تأشيرات خروج السوريين، وطمأن المعارضين بأن العملية تتم في إطار ضوابط وأنه لا توجد أي تهديدات للأمن الداخلي، وتأهبت الجمعيات والمنظمات المدنية والكنائس والمساجد والمدارس والجيش والمطارات لاستقبال الأعداد الأولي من السوريين وتوزيعهم علي 36 مدينة كندية، وتوجه الزعيم الشاب منذ أيام إلي مطار تورنتو حيث استقبل أول طائرة عسكرية علي متنها 163 لاجئاً سورياً استقبلهم في قاعة كبار الزوار ووسط أنشودة، طلع البدر علينا».

ما حدث في كندا منذ أيام يبعث برسالة إلي العالم مفادها أن الأرض الكندية تشهد ميلاد زعيم سياسي جديد، وأن خلفه شعباً عظيماً.