رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ألم يحن الوقت لمحاسبة لصوص التاريخ؟


استشطت غضباً حينما وقعت عينى مصادفة على حوار صحفى بجريدة الأهرام منذ عدة أسابيع للدكتورة «دوريس أبو سيف» -أستاذ التاريخ بجامعات إنجلترا- وهى تتحدث عن سرقة آثارنا وتهريبها وعرضها فى متاحف فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا .. مشيرة إلى أن جميع المتاحف الشهيرة فى العالم مكتظة بالآثار المصرية..بداية من العصور الفرعونية.. مروراً بالرومانية والقبطية.. وختاماً بالعصور الإسلامية وما بعدها..وشددت على أن سـرقة الآثار المصـرية جريمة لا تغتفر وتصل إلى حد الخـيانة العظـمى ..كما تحسرت عند مشاهدتها لعرض إحدى النسخ القرآنية القديمة فى جامعة برمنجهام البريطانية..وتساءلت ونحن معها: كيف سُرق هذا الأثر العظيم من مصر ومن الذى أخرجه ؟؟!!..مؤكدة أن هناك مافيا عالمية لها أذرع فى الداخل يسرقون منبلادنا كنوزاً أثرية وتاريخية بعينها.

وتكشف السيدة الوطنية المحترمة عن تواطؤ وعدم كفاءة مسئولى الآثار المصريين فى واقعة سرقة عدد من المشكاوات التى تم تهُريبها بمعرفة مافيا الآثار.. لافتة إلى أن هؤلاء المسئولين أنكروا الواقعة فى البداية ثم اعترفوا بها بعد ذلك.. وبدورى أضم صوتى لصوتها لنؤكد وجود تقصير متعمد من أجهزتنا المختصة فى الإبلاغ عن الآثار المصرية التى يتم سرقتها وعرضها للبيع فى أى مكان بالعالم ..لأنه لو تمت عملية الإبلاغ عن الأثر المفقود أو المسروق للهيئات العالمية المعنية بالأمر لامتنعت العديد من المتاحف والصالات والمزادات عن الاتجار فى تلك الآثار خشية وقوعها تحت طائلة القانون..لكن من الواضح –الواضح جداً- أن الأمور فى وزارة الآثار تسير بــ «البركة» ..ولم لا وقانون الآثار الأخير لا يسمح لأى جهة من الجهات الرقابية الست بأن تجرد الآثار لتتعرف على المفقود والمسروق والمزور والمُسجل وغير المُسجل ؟؟!!.

وهذا يجعلنى أتطرق لبعض ما ذكرته فى مقالاتى وحواراتى وحتى تحقيقاتى السابقة عمن ألفوا كتبًا تدعى-زورًا وبهتانًا- أن ملوك الأسرة الــ«18» أو بعضهم ينتمون للعبرانيين ابتغاء مرضاة العدو الصهيو-أمريكى..وعن سرقة آثار «تل بسطا» بالشرقية.. وعن البعثات الأجنبية التى تعدت الــ«300» بعثة فى الوقت الذى يجلس فيه شبابنا الأثريون دون عمل..وعن جريمة ثقب الهرمالأكبر بواسطة جامعة «ليدز» البريطانية..وعن تجاوزات الجمعية الجغرافية الأمريكية بحق تراثنا الأثرى وبعلم ومساعدة مسئولين كبار فى الآثار..وعن سفر القطع الأثرية النادرة لمعارض فى الخارج .. مع أن قانون الآثار المشئوم يمنع ذلك..وعن سرقة مومياوات الفيوم وتوابيت «تل بلا» ..ثم سرقة قطع مهمة من مخزن تمى الأمديد بالدقهلية.. ولم يفتنى أن أفضح الأعمال التخريبية التى تعرض لها هرم زوسر بالصوت والصورة على موقع «الدستور» الإلكترونى وأيضاً الجريدة الورقية.

كما ناشدت مراراً وتكراراً أعلى سلطة فى البلاد أن تضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسه أن ينتهك حرمة آثارنا.. وقد سعدت جداً حينما وقعت عينى على المادة «49» من دستور 2013.. الباب الثالث تحت عنوان «المقومات الثقافية» والتى تنص على: «تلتزم الدولة بحماية الآثار والحفاظ عليها ورعاية مناطقها وترميم واسترداد ما استولى عليها..كما يحظر إهداء أو مبادلة أى شىء منها.. والاعتداء عليها والاتجار فيها جريمة لا تسقط بالتقادم»..طيب ده كلام جميل جداً .. لكن قانون الآثار رقم 117 لسنة 1983 بتعديلاته الأخيرة نص على أن «يكون المجلس الأعلى للآثار «وزارة الآثار» حالياً المنوطة بحماية وصيانة الآثار المصرية دون غيرها من أجهزة الدولة الرقابية أو غير الرقابية» !!.

مصادر مؤكدة فى «الآثار» أوضحت أنه «منذ عام 1961 وحتى وقتنا الحالى لم تقم لجنة جرد حقيقية بالكشف عن جرائم السطو والتزييف والإهمال التى شهدها تراثنا الأثرى.. مؤكدة أن «اللجان الهلامية التى كُلفت بعمليات جرد هنا أو هناك ما هى إلا لذر الرماد فى العيون وليس لديها سوى جملة واحدة فقط وهى «لم ُيستدل على القطع الأثرية المُبلغ عن ضياعها أو سرقتها أو تزييفها».. وهذا يعنى «تمييع» أى قضية فى الآثار أمام جهات التحقيق..وهنا نطرح السؤال التالى: هل تستطيع الدولة أن تسند مهمة الجرد – بحسب الدستور – إلى جهة رقابية محايدة مكونة من خبراء وأساتذة جامعة متخصصين ومشهود لهم بالنزاهة وطهارة اليد للكشف عن كنوز مصر الأثرية فى المخازن والمتاحف والتلال والمناطق والمعارض الخارجية.. ثم عرض هذه النتائجعلى صاحب القرار والرأى العام ؟

وهل تستطيع الدولة حقاً أن تعاقب لصوص التاريخ بأثر رجعى خصوصاً إذا كانوا من « علية القوم» ؟!.. أعتقد أن الرئيس عبد الفتاح السيسى بوطنيته المعهودة وبغضبه الشديد لكل مظاهر الفساد والمفسدين لن يقصر فى فتح هذا الملف.. ونحن خلفه نشد على يديه ونؤازره حتى تستعيد مصر آثارها المُسجلة وغير المُسجلة سواء من لصوص الداخل أو من مافيا الخارج.. وبهذه المناسبة كان النائب العام السابق المستشار هشام بركات -رحمه الله-قد أصدر توجيهاته بعدم النشر فى «قضية الآثار الكبرى» بسبب الشخصيات المتورطة فيها..والتى قيل إنها «مهمة».. حفاظًا على سير التحقيقات..

لكل ما سبق أريد القولً بأن مباحث الآثار والمخابرات العامة ووزارة الخارجية وعدداً من الخبراء فى وزارة الآثار والصحفيين لديهم ملفات كاملة عن نوعية القطع التى خرجت من مصر وأماكنها.. وهذا يعنى إمكانية الدولة فى معاقبة المجرمين واسترجاع كنوزها التى لا تقدر بثمن.. وهذا لن يتم إلا بعد إصدار قرار جمهورى – برلمانى بوقف العمل بقانون الآثار الحالى-المشئوم- حتى تستطيع الدولة أن ُتكلف الجهة الرقابية المناسبة لكشف كل أنواع الفساد فى وزارة الآثار.. مع التأكيد على حصر شامل لكل آثارنا حتى نعرف المسجَّل منها وغير المسجل..والمسروق منها وهُرّب للخارج وما هو موجود.. إضافة إلى ذلك يجب معرفة ما إذا كانت آثارنا الموجودة فى المتاحف والمعارض الخارجية والمخازن أصلية أم مزيفة؟.. فهل ستستجيب قيادتنا الحكيمة لهذا الطلب من مواطن بسيط يعشق بلده ويخشى عليها من المؤامرات الخارجية والداخلية؟