رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المعارضة المستأنسة.. والانتخابات البرلمانية


لقد تعمد مبارك أن يقضى على القامات والزعامات الوطنية فى شتى المجالات منذ منتصف الثمانينيات وحتى رحيله.. وذلك عندما اتبع سياسة تجفيف المنابع.. فكانت النتيجة أن حل مكان الشرفاء والمخلصين قلة من الفاسدين واللصوص.

«من ليس معنا فهو ضدنا».. من منا ينسى هذه الكلمات التى صرح بها جورج دبليو بوش عقب أحداث 11 سبتمبر عام2001 ؟!.. باعتقادى أن هذه المقولة أصبحت الآن لسان حال الإخوان المسلمين فى التعامل مع من يخالفهم الرأى ولدينا الأمثلة كثيرة فى هذا الموضوع.. فالمعارضة الحقيقية فى قاموس «الجماعة» ما هى إلا عدو يريد النيل منها والتشهير بها وبإنجازاتها والرئيس مرسى.. أما المعارضة المصطنعة أو المستأنسة كما يحلو للكثيرين تسميتها.. فقد ذكرتنى بشكلها الحالى وديكورها الهزلى ورموزها المومياوات.. بتلك التى كنت أراها وأسمع عنها وأسأمها لأسباب «مفضوحة» فى عهد الرئيس السابق.

وما نراه اليوم فى المجال الإعلامى.. وسعى «الجماعة» لأخونته.. لهو منحى خطير إلى الحد الذى يضع الرئيس مرسى نفسه فى مأزق حقيقى وانتقادات واسعة هو فى غنى عنها.. وللتذكرة أقول لقادة الجماعة إن العبد الفقير إلى مولاه كان أحد الذين دعموا «الإخوان» قبل وبعد الثورة.. وحتى بعد فوزهم فى انتخابات البرلمان المنحل.. والتى كشفت تغول الجماعة وانفرادها بكل شىء وكأن مصر أصبحت هى «الإخوان».. و«الإخوان» هم مصر.. ولا مكان أو مجال للعيش أو العمل أو القيادة لسواهم أو من يحبون!!

إن جريدة «الدستور» التى تنتقد الإخوان المسلمين حالياً.. كانت منبراً إعلامياً قبل أن يكون سياسياً لهم.. فقد كان يكتب فى قسم الرأى الذى شرفت برئاسته كل من الدكاترة: عصام العريان وجمال حشمت وعبدالرحمن البر وغيرهم.. فضلاً عن عدد آخر من الصف الثانى والثالث أمثال المهندس أسامة سليمان - أمين عام حزب الحرية والعدالة بالبحيرة- وعدد من شبابهم ومحبيهم ومؤيديهم مثل الدكتور حسن الحيوان وغيره.

تعمدت التنويه إلى ما سبق حتى أذكر «الإخوان» بالمثل القائل «أحبب حبيبك هوناً.. وأكره معارضك هوناً.. فربما انقلب هذا إلى ذاك والعكس».. وهذا يجعلنى ألقى الضوء على المنحى الخطير الذى رأيناه فى أزمة الزميل جمال عبدالرحيم، وما ذلك ببعيد عن موقف د. عصام العريان أثناء رده على الإعلامية حنان منصور.. لقد شاهدت هذه المداخلة ولم أصدق ما أسمعه.. أو أن المتحدث الذى يهاجم المذيعة هو هذا القيادى الذى تعاملت معه وأعرف أخلاقه وقدراته السياسية والحوارية مع الخصم قبل الصديق.. ولكن إذا قارنا ما قاله «العريان» بما سبق وصرح به الدكتور محمد بديع - المرشد العام للجماعة- عندما وصف الإعلاميين بـ «سحرة فرعون».. فسوف نفهم جيداً مغزى وسبب هذا الهجوم.. أما جريدة «الشعب» بصحفييها المعتصمين حالياً فى النقابة.. فما هم سوى نموذج حى وشاهد عيان على تحول «الجماعة» إذن لديها موقف عدائى قديم وموروث يصعب نسيانه من الإعلام والإعلاميين لأسباب معروفة.. ويؤسفنى القول بأن هذا الخلط فى العداء ليس مبرراً على الإطلاق.. ونفس الجريدة قبل الثورة ظلت لفترة طويلة بكل من فيها بداية من رئيسى تحريرها الزميلين إبراهيم عيسى وإبراهيم منصور وحتى أصغر محرر فيها .. يدافعون عن الإخوان ضد النظام البائد وإعلامه وإعلامييه.. لكن لمن نقول.. ومن يسمع منا؟!

لذا.. أعتقد أن «الجماعة» ستفتك بكل معارضيها الحقيقيين.. أما تلك المعارضة التى صنعتها.. فسوف تحافظ عليها وتدعمها بوسائلها التى لا تخفى على أصحاب البصيرة والسؤال المطروح هنا هو: ألم يتعظ «الإخوان» من نهاية الرئيس المخلوع الذى يجلس الآن على فراش المرض.. أو هكذا يظهر لنا داخل سجن طرة؟!

لقد تعمد مبارك أن يقضى على القامات والزعامات الوطنية فى شتى المجالات منذ منتصف الثمانينيات وحتى رحيله.. وذلك عندما اتبع سياسة تجفيف المنابع.. فكانت النتيجة أن حل مكان الشرفاء والمخلصين قلة من الفاسدين واللصوص الذين نهبوا البلاد وأفقروا العباد.. فهل هذه الخطى هى نفسها التى يريدها الإخوان؟!

هذا التوضيح يجعلنى أتطرق أيضاً إلى نتيجة آخر الانتخابات البرلمانية قبل ثورة 25 يناير.. هل يتذكر جميعنا ما الذى قاله «مبارك»؟!.. لقد استهزأ بالمعارضة الحقيقية وقال «خليهم يتسلوا»!!.. وذلك عندما شرعت هذه المعارضة فى تكوين ما يسمى بـ«البرلمان الموازى» بعد حرمانهم من المقاعد البرلمانية بسبب ألاعيب حبيب العادلى فى تزوير الأصوات.. وغباء أحمد عز وسيده جمال مبارك وحاشيتهما فى الاستئثار بأكبر نسبة من هذه المقاعد!!.. فكانت الأقدار لهذه العصابة بالمرصاد.. وحانت اللحظة وفتك بهم الشعب.. فهل هذا المصير هو ما تريده «الجماعة»؟!

إن المتابع للمسرح السياسى الداخلى يتأكد من أن القادم هو الأسوأ.. وأحد أسبابى فى هذا التشاؤم الذى لا أتمناه لشعبى.. هو ما أسمعه حالياً عن انتخابات مجلس الشعب القادم.. السلفيون يراهنون على الفوز بأكبر المقاعد.. ونفس الشىء يؤكده الإخوان.. وعلى الدرب نفسه تسير التيارات والحركات وغيرها.. الكل يؤكد أنه الفائز الأكبر وما سواه سيسحق!!.. والسؤال المطروح هنا هو: هل سنشهد سيناريو مكرراً فى هذه الانتخابات مثل الذى سبقه قبل ثورة يناير العظيمة.. أم أن مكتب الإرشاد فى جعبته ما يطمئن به غيره تلاشياً للوقوع فى نفس المصير؟.. هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة.

■ كاتب صحفى

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.