رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر الاستقلالية.. وبريطانيا الاستعمارية


لعبت بريطانيا دوراً كبيراً فى تشكيل الخريطة الجيوسياسية لعالمنا المعاصر، خاصة أن المملكة المتحدة كانت هى الراعى الرسمى للاستعمار وخريطته العرقية والمذهبية، ومازالت بريطانيا هى البلد الذى يقف خلف خطوط التقسيم الجغرافى للدول الحديثة والتى نشأت عقب الحربين العالميتين الأولى والثانية...

... استطاعت بريطانيا أن تشعر بأنها لعبت دوراً فى نشأة مجتمعات وموت الأخرى إلا مصر، فمصر هى البلد الوحيد الذى سبقت خريطته الجميع ولم تتغير هذه الخريطة عبر التاريخ، فبلدنا كان يتمدد شرقا وغرباً وجنوباً وشمالاً وكان مركز ثقله هو مصر التى نعرفها الآن، مصر كانت تتمدد إلى جبال طوروس وحدود فارس ومنابع النيل وحوض البحر المتوسط وكريت ثم تنكمش بفعل عوامل التاريخ وتقلباته لتعود فى نطاق المليون كيلومتر مربع الذى نعيش بداخله الآن.

زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى بريطانيا جاءت فى توقيت، كانت مصر قد استعادت فيه علاقاتها الدولية بشكل أوسع وأكبر، وبدا واضحاً أن مصر لديها بدائل حقيقية، وتقف على قدمين ثابتتين، وهذا الذى جعل لندن تسعى منذ اللحظة الأولى للتمسك بمنطق المناورة وليس التعاطى مع المشاكل ومواجهتها.

كان الرئيس قد وجه منذ البداية رسائل واضحة إلى لندن سبقت الزيارة تتركز فى معظمها عن ليبيا والوضع فى سوريا، وعن الخطر الذى يمكن أن يمثلة الإرهاب وإيواء الإرهابيين والتعاون مع التنظيمات الإرهابية والذى يعتبر جزءاً من سياسة بريطانيا، وذلك لأن هذه التنظيمات هى من بقايا الخريطة الاستعمارية التى تركتها بريطانيا وراءها قبل أن تنهار كامبراطورية.

من اللحظة الأولى بدأت بريطانيا لعبتها، فقامت بتصعيد مشهد الطائرة الروسية بهدف إحراج روسيا وكذلك تشتيت التركيز المصرى والانحراف إعلامياً بعيداً عن المصائب والنكبات التى فعلتها بريطانيا فى ليبيا وسوريا، وكذلك لتفويت الفرصة أمام تيارات اليمين فى بريطانيا والتى تصعد من هجومها ضد سياسات بريطانيا تجاه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كانت هناك محاولات كبيرة بعضها من داخل الحكومة البريطانية كانت تريد افشال الزيارة، لكن الضاغط الحقيقى على مراكز الثقل فى بريطانيا هو أن مصر بلد لها ثقلها الحقيقى، وفعلياً فإن بدائلها شرقاً وغرباً حاضرة.

الرئيس عبد الفتاح السيسى لم يلتفت كثيراً للمناورات البريطانية على هامش الزيارة، ولم يشغل باله بالمحاولات الجانبية التى أرادت تحويل مسار الزيارة، واستطاع أن يخرج بنتائج واضحة ظهرت فى المؤتمر الصحفى بينه وبين رئيس الوزراء البريطانى، كان أولها إدانة رسمية بريطانية للإرهاب بكل أشكاله وكذلك بالتيارات التى تظهر اعتدالاً ظاهرياً لكن أفكارها تحمل تطرفاً دينياً، وثانيها أن بريطانيا مسئولة فعلياً ومعها حلف الناتو عن وضع حل جذرى يشارك فيه الجميع فى ليبيا وهذا أمر مهم ويعد تغييراً كبيراً فى سياسة لندن.

مصر ترى العالم بوضوح ولديها القدرة على النقاش مع الآخر بشكل عقلانى وعملى لكنه يستند إلى أخلاقيات مصر التى ترفض التدخل فى شئون الآخرين كما ترفض أن يتدخل أحد فى شئونها الداخلية.