رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في ذكراها الـ42..

حرب أكتوبر.. ملحمة تاريخية وحدت الأمة وأعادت لها كرامتها في 6 ساعات.. اختبار حاسم لقدرة الشعب البطل الذي حطم الأسطورة الإسرائيلية وحول حلم التحرير حقيقة

جريدة الدستور

بنفس تملؤها الشجاعة والمثابرة، وقلب يفيض بالإيمان والرضا، تجده رابطًا في موقعه، شاهرًا سلاحه في وجه العدو؛ لا يعتمل في نفسه شيء وقت الحرب إلا حماية الوطن، فلا يهمه حرارة الجو ولا يؤثر في نفسه التعب.

هو جندي مصري قابع بصحراء الوطن آبان حرب أكتوبر؛ يدافع عن أرضه ويحميه من هجمات العدو الغاشم، ينظر تجاه زميله ليتحدوا سويًا فهم في رباط إلى يوم القيامة، بخطوات منظمة وتكنيك محترف وقلب ينفطر على الأراضي المحتلة، استطاعوا جلب النصر للوطن وتضميد جراحه فقط في 6 ساعات.

غدًا تحل الذكرى الـ42 لحرب أكتوبر المجيدة، وذكرى انتصارنا الغالي ضد العدو الصهيوني، واسترداد أرضنا المنهوبة بدون وجه حق، استطاعت فيه مصرنا الحبيبة بأيدي أبنائها تحطيم الأسطورة الإسرائيلية.

لم تكن حرب أكتوبر مجرد معركة عسكرية استطاعت فيها مصر أن تحقق انتصارًا عسكريًا على إسرائيل، بل كانت اختبارًا تاريخيًا حاسمًا لقدرة الشعب المصري على أن يحول حلم التحرير، وإزالة آثار العدوان إلى حقيقة.

تلك الحرب التى تحملت فيها القوات المسلحة المسئولية الأولى، وعبء المواجهة الحاسمة وكانت إنجازًا هائلًا غير مسبوق، إلا أن الشعب المصري بمختلف طوائفه، وفئاته كان البطل الأول للحرب وتحقيق نصر أكتوبر، حتى أن تلك الحرب المجيدة يطلق عليها حرب الشعب المصري.

بدأت الحرب مع بداية الجيش المصرى تجميع المعلومات عن طريق الكمائن المصرية شرق قناة السويس، حيث أفادت بأن الجندي الإسرائيلي لا يتمكن من إبداء أية مقاومة تذكر عندما يدهمه هجوم مفاجىء.

الأمر الذي ساعد الدوريات المصرية على تنفيذ مهامها المحددة بالسرعة والدقة المطلوبتين، والدرس الأهم الذي تم استخلاصه هو أن الوسيلة الوحيدة لتحطيم خط بارليف هي الاقتحام المباشر بواسطة أفراد المشاة، بعد توفير وسيلة العبور الآمنة لهم من غرب القناة إلى شرقها.

لم يكن إنشاء خط بارليف لاعتبارات دفاعية فقط تبتغيها إسرائيل، وإنما كان الهدف سياسيًا في المقام الأول دون النظر لأي اعتبارات عسكرية، فالمهم هو فرض أمر واقع على الأرض وإظهار جدية التمركز بطول خط المياه على حافة قناة السويس مباشرة.

كما لم يرد في ذهن إسرائيل أن مصر يمكن أن تمتلك خيارات، وبدائل للتعامل مع خط بارليف الذي كانوا ينظرون إليه في تل أبيب على أنه رمز القوة الإسرائيلية التي لا تقهر.

وسجل الجيش المصري إبان حرب أكتوبر ملحمة عسكرية تاريخية، فتمكن من عبور قناة السويس في الجهة الجنوبية وتدمير خط بارليف، وعبور مرتفعات الجولان وتدمير مواقع الجيش الإسرائيلي، وكسر شوكتهم على امتداد الهضبة وصولًا إلى جبل الشيخ.

وتوحدت في تلك الحرب الجبهتان الجنوبية والشمالية، كما توحدت الأمة العربية معهما في واحدة من أعظم المواقع التي شهدت تلاحم عربي غير مسبوق.

ونجحت مصر في اختراق خط بارليف خلال ست ساعات فقط من بداية المعركة، ودمرت التحصينات الكبيرة التي أقامتها إسرائيل في هضبة الجولان.

وكشفت فكرة العبور عقب الحرب عن عبقرية التخطيط، فقد تجلت قدرة مصر على خداع الجميع، الذي كان أحد العوامل التي مكنت القوات المسلحة من أداء مهامها بامتلاك كامل لزمام الأمور وحرمان إسرائيل من أية ضربة مضادة.

وبدأت نسمات النصر عندما أشارت عقارب الساعة نحو الثانية من بعد ظهر يوم السادس من أكتوبر، حيث بدأ أكثر من ألفي مدفع ثقيل قصفه لمواقع العدو في نفس اللحظة التي عبرت فيها سماء القناة مائتان وثمان طائرات تشكل القوة الجوية المكلفة بالضربة الجوية الأولى التى أصابت مراكز القيادة والسيطرة الإسرائيلية بالشلل التام.

وفي نفس الوقت كان أكثر من ثمانية آلاف مقاتل بدأوا النزول إلى مياه القناة واعتلاء القوارب المطاطية، والتحرك تحت لهيب النيران نحو الشاطئ الشرقي للقناة، بعد ذلك بدأت عمليات نصب الكباري بواسطة سلاح المهندسين الذي استشهد فيه اللواء أحمد حمدي في الساعات الأولى للحرب.

وحقق الجيش المصري تقدمًا كبيرًا في الأيام الأولى للقتال واحتل قمة جبل "الشيخ" مما أربك الجيش الإسرائيلي، كما قامت القوات المصرية بمنع القوات الإسرائيلية من استخدام أنابيب "النابالم" بخطة محكمة.

وحينما تجدد القتال مرة أخرى بشكل محدود على خطوط وقف إطلاق النار بين إسرائيل و مصر، بما يسمى حرب الاستنزاف، دفع ذلك الولايات المتحدة إلى اقتراح خطط لتسوية سلمية في الشرق الأوسط، تم رفضها في بداية الأمر حتى وصلت إلى اتفاقية كامب ديفيد مع الرئيس الراحل أنور السادات.