رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أوهام التنظيمات الإسلامية «1-3»


تعيش معظم التنظيمات الإسلامية فى بلادها الأصلية، وفى بلاد المهجر، حالات متعددة من الوهم والأحلام التى ليس لها أرضية صلبة، ولا أرجل قوية ثابتة تقف عليها، نتيجة ضعف الفكر والجمود بل والتطرف، وضعف العقل والحكمة، وسوء تقدير الواقع أو فهم الواقع. فهذا تنظيم الجهاد اليوم – على سبيل المثال لا الحصر- بقيادة أيمن الظواهرى، وبعد اغتيال زعيمه أسامة بن لادن – رحمه الله تعالى - يواجه أوقاتاً صعبة، بعد إسهامهم فى الجهاد الأفغانى بقوة ثم الحرب الأهلية ثم فى الدمار والتدمير فى أماكن عديدة، ولم يحقق التنظيم أياً من أحلامه الوهمية التى ظهرت سراباً، ولكنهم ظنوه ماء، فلما جاءوه أو جاءهم، لم يجدوا شيئاً غير الخراب والتدمير، ثم وجدوا داعش التى خطفت كثيراً من أبنائهم، وخطفت أو حجبت عنهم الأضواء والإعلام، وربما بعض مصادر التمويل السليم والمشبوه أيضاً.

زعيم الجهاد أيمن الظواهرى يبايع على السمع والطاعة، الملا محمد أختر منصور، زعيم طالبان الجديد، كأمير للمؤمنين قائلاً له فى رسالة البيعة «نحن جنودكم وأنصاركم وكتيبة من كتائبكم» وكأن الرجل فعلاً هو أمير المؤمنين ويستطيع أن يقوم بأعباء تلك الإمارة. كم فى العالم العربى والإسلامى من أمراء للمؤمنين، دون مراعاة للمعايير ولا للضوابط، ولا المسئوليات التى يقوم بها أو عليها ذلك الأمير. أسماء عديدة وليست فى موضعها للأسف الشديد. لم يسأل الظواهرى نفسه ولم يسأله تنظيم الجهاد، لماذا يبايع الملا منصور أميراً للمؤمنين؟

ولم يشرح لنا الظواهرى أسباب بيعته له دون غيره؟ هل لمجرد الحياة أو المعيشة على أرض أفغانستان التى تحتاج إلى عدة عقود أو قرون، لكى تخرج من التخلف والصراع والقبلية والعصبية والجهل والفقر والمرض وغيرها من العوائق والتحديات. لقد كان الملا عمر - رحمه الله تعالى- أميراً للمؤمنين من قبل، وبايعه أسامة بن لادن. وحكمت طالبان أفغانستان بدعم قوى من باكستان والأمريكان وبعض البلاد العربية، وحاربت طالبان معظم المجاهدين ومنهم برهان الدين ربانى والمجاهدين الآخرين، وأدخلت أفغانستان فى موجة جديدة من الصراع والدمار، فكيف تكون طالبان أول إمارة شرعية بعد سقوط الخلافة العثمانية، ولم تكن فى الدنيا إمارة شرعية سواها.

وجاء فى بيعة الظواهرى للملا منصور كذلك «نبايعكم على كتاب الله وسنة رسوله وعلى إقامة الشريعة حتى تسود بلاد المسلمين، حاكمة لا محكومة قائدة لا مقودة، لا تعلوها حاكمية، ولا تنازعها مرجعية، نبايعكم على الجهاد لتحرير كل شبر من ديار المسلمين المغتصبة السليبة من كاشغر حتى الأندلس، ومن القوقاز حتى الصومال ووسط أفريقيا، ومن كشمير حتى القدس، ومن الفلبين حتى كابول وبخارى وسمرقند». هذا مع أن السلاح فى أيدى الملا منصور، وجماعة الجهاد وداعش والنصرة وغيرهم مستورد. نتمنى جميعاً من يقوم بهذا العبء الكبير، ولكن القيم الأساسية مثل الحرية والعدل والمساواة والشورى، وليس بالضرورة الغنى المادى ولا السلاح، إذا كانت مفتقدة فى بلادنا، فماذا ننقل معنا إلى الآخرين؟

أين الرحمة والرأفة أين «بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ» أين السراج المنير الذى نحتذيه فى نموذج طالبان. «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا». نعم أنا مع طالبان كفصيل أفغانى وطنى إسلامى «على طريقته» لتحرير الوطن من الاحتلال ومن التخلف، ومع الجهاد فى تحرير أفغانستان، من كل الغزو سواء أكان غزواً سوفيتياً أو أمريكياً، أما إمارة المؤمنين، فكأنك يا زعيم تنظيم القاعدة، تبنى قصراً فوق الرمال أو ترى السراب ماءً. من سوء الفهم، عدم القدرة على فهم الواقع، ومن ذلك أن يحمل الإنسان نفسه أو غيره ما لا يستطيع، وفى ذلك معارضته أو إهماله للفهم الإسلامى الوسطى الصحيح «لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ». إن من أكبر التحديات التى واجهت الجهاد فى أفغانستان، بل من أكبر الخداع النفسى، عدم الموازنة بين القدرات والإمكانات وبين الآمال والطموحات. وقد كتبت فى ذلك سابقاً أثناء الجهاد، ولكن أصحاب التطرف والتشدد وسوء الفهم، وصمونى بأننى ضد الجهاد، وكانت الآمال كبيرة تشمل حتى تحرير فلسطين، ولكن سوء تقديرالواقع، كان أفظع وأشنع، مما أجهض كثيراً من نتائج الجهاد المرتقبة. وإلى نماذج أخرى من أوهام وأحلام التنظيمات الإسلامية.. والله الموفق.