رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مرة أخرى.. السيناريو الأمريكى الإيرانى فى المسألة النووية


تناولت فى 22 أبريل 2015 المقال رقم 12 فى سلسلة المقالات تحت عنوان «المتغـيرات الدولية والإقليمية وتأثيرها على المنظور الأمريكى»، نُشر فى نفس المكان من الجريدة، أشرت فيه إلى أن التقارب والتفاهم الأمريكى الإيـرانى يُعتبر هو الأشد خطراً والأعمق أثراً ليس فقط على الأمن الجماعى العربى...

... بل أيضاً على أمن النسق الإقليمى لمنطقة الشرق الأوسط، كما يُعـد هذا التقارب الأكثر تعـويقاً لبناء استراتيجية عربية موحدة تكون قادرة على مجابهة ما يُحيق بالعالم العربى من أخطار وتهديدات، وانتهى هذا المقال بطرح سؤالين، الأول هو كيف حدث هذا التقارب ؟ والثانى هو ما الذى يمكن أن يترتب عليه؟ وبمناسبة توقيع الاتفاق النهائى الذى يتعلق بالملف النووى الذى يتسق مع ما توقعـته، فرأيت أنه من المناسب إعادة نشره.

يُشير الواقع إلى أن الولايات المتحدة قد أدركت أولاً أنه لا جدوى من أتباع السياسة طويلة الأمد التى تمارسها هى وحلفاؤها ضد إيران، سواء العـقـوبات التى تم فرضها أو تلك التى سيتم فرضها، خاصة بـعـد أن امتلكت إيـران الـرادع النووى فعلاً، أو امتلكت تكنولوجيا تصنيعه على الأقل، وأدركت ثانياً أن مصلحتها العليا تقتضى ضرورة التخلى عن السياسة البالية التى تتبعها ضد إيران حتى لا يتم استقطابها من روسيا الساعـية إلى استعادة نفوذ القوة السوفييتية العظمى، أو من الصين الساعية إلى الارتقاء إلى قمة هرم النسق الدولى لمشاركتها النفوذ أو الانفراد به، وأدركت ثالـثـاً أن نقطة الانـطلاق السليـمة لحـل الخلافات التى تتعلق ببرنامج إيران النووى هى العـودة إلى طاولـة المفاوضات، ووضعت فى اعـتبارها أن إيران تقـف على أرضية تفاوضية صلبة نتيجة إدراكها الكامل بأنه من الصعـب، إن لم يكن من المستحيل توجيه ضربة عـسكرية ضد منشآتها النووية نظراً لطبيعة تضاريس مناطق تمركزها، وإنشائها تحت الأرض وحسن انتشارها.

وترتيباً على هذه الإدراكات سعـت الولايات المتحدة للتوصل للتسوية التاريخية مع إيران فى مقابل إطلاق يدها فى المنطقة العربية والهيمنة عليها بالوكالة عـنها، بتوسيع نطاق نفوذها وتأسيس الإمبراطورية الفارسية الثانية تحت الراية الشيعـية، ولتحقيق ذلك قامت الولايات المتحدة بإجراء اتصالات سرية مع إيران بواسطة وليام ميللر الذى كان يعـمل بالسفارة الأمريكية بطهران «1959 - 1964» وتعلم اللغة الفارسية وأجادها، ثم أعقبه دافيد ميللر فى ترتيب الاتصالات واللقاءات السرية فى فترة الإعـداد للحملة الانتخابية لأوباما للفترة الرئاسية الأولى، حيث أرسل أوباما للمرشد الأعلى خطاباً يخبره فيه بأنه ينتوى فتح صفحة جديدة فى العلاقات بين واشنطن وطهران حال فوزه فى الانتخابات الرئاسية، ثم قامت بإغراق المنطقة العربية فى ثورات فوضوية، وتوطين التنظيمات الإرهابية بأراضيها لإحداث الفوضى العارمة التى خطط لها برجنسكى وأعلنتها كوندليزا رايس فى 2004، وعـقدت عـدة جلسات سرية مع الإيرانيين فى سلطنة عمان، توصلت فيها إلى تفاصيل التسوية الإطارية التى وصفها أوباما بالتاريخية، ودافع عنها وحصنها الكونجرس الأمريكى بالفيتو، فى حين وصفها الإيرانيون بالانتصار العـظيم، وقامت الولايات المتحدة بتوجيه مفاوضات مجموعة دول «5+1» مع إيران حتى تتوصل المفاوضات تلقائياً إلى التسوية المتفق عليها مسبقاً.

ولكى تُحبك الولايات المتحدة هذا السيناريو الهابط، تم الإعلان عن التوصل إلى التسوية التاريخية بعـد انتهاء المهلة المحددة لإعلانها بـ 24 ساعة، وفى يقينى أنه قـد تم التوصل إلى الاتفاق النهائى الذى سيتم التوقيع عـليه فى نهاية يونيه المقبل أيضاً، وهو ما أكده روحانى فى تصريحه بأن طهران والوكالة الدولية للطاقة النووية قد توصلتا إلى حل النقاط الخلافية والتقنية العالقة فى الاتفاق، وسوف تتبع الولايات المتحدة نفس المنهج الذى انتهجته فى توقيع الاتفاق الإطارى بتأخير التوقيع عليه بحوالى أسبوعين إلى ثلاثة، حتى يبدو الرأى العام العالمى والداخلى مقنعاً، وأنه تم التوصل إليه بعـد جهد مضن، وسوف يتضمن هذا الاتفاق بنداً خاصاً يتعـلق بالتسوية السياسية للقضية السورية وعلى أن يكون الأسد جزءاً من الحل، وهو ما يفسر لنا لماذا صرح كيرى بأنه يُمكن التفاوض مع الأسد للتوصل إلى تسوية سياسية للأزمة السورية، ويُوضح لنا أيضاً تصريح وزير خارجية العراق بالتطمينات الأمريكية بأن الضربات الأمريكية التى يتم توجيهها ضد ميليشيات تنظيم الدولة الإسلامية فى الأراضى السورية لن تُطال قوات النظام السورى ونظام دفاعه الجوى ومناطق تمركز قواته.

وبالرغم من ذلك فمازالت الولايات المتحدة وإيران يُمارسان دورهما بمهارة فائقة فى هذا السيناريو، فالولايات المتحدة تهدد إيران بالثبور وعظائم الأمور إذا لجأت إلى الغـش والخداع، وإيران تبدى قبولاً بالالتزام ما دام ذلك سيؤدى إلى رفع العـقـوبات الاقتصادية وتحقيق مصالحها.

أستاذ العلوم السياسية - جامعة بورسعيد