رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التضحية


قال المفكر والأديب أحمد أمين بك : لعل أهم الفروق بين أمة راقية وأمة غير راقية، أن أفراد الأولى يشيع بينهم العمل لأنفسهم ولغيرهم، وأن أفراد الثانية لا يعملون إلا لأنفسهم، ها هو الجو حولنا مشبع بالأنانية إلى أقصى حد، هذا موظف كل همه أن يرضي رؤساءه في الحدود الضيقة لينال ( ترقية )، ولا يهمه بعد ذلك قُضِيت مصالح الناس أو لم تقض، وهذا موظف لم يمنح من المرتب ما يشتهي، فهو يضن بمقدرته وكفاءته على الناس، وكل ما يعمل أن يؤدي الأعمال الآلية التي تنجيه من العقوبة والمساءلة القانونية، فهو يحضر في الميعاد وينصرف في الميعاد، ثم لا روح فى عمله ولا شعور بواجبه، وهذا ثري ذو جاه يستعمل جاهه ونفوذه في الهرب من ضريبة واجبة عليه، أو يتحايل في تخفيضها إلى أقصى حد ممكن، وهذه هي الروح الشائعة التي تراها في البيت وفي الشارع وفي المصالح الحكومية، وفي البيع والشراء، والأخذ والعطاء هى: أنانية مسرفة في حدود ضيقة، لا ينظر معها الإنسان إلا إلى نفسه، وإلى نفسه فقط، يدور في خلده أن ينهب من اللذائذ ما استطاع قبل فوات الوقت، ويهرب من الواجبات ما استطاع مع المحافظة على الشكل، حتى لا يقع في يد القانون، يردد قول أبي فراس : ( إذا مِتُّ ظَمْآناً فلانَزَل القَطْرُ )، ويهزأ بقول

البارودى: ( أَدعُو إلى الدَّارِ بالسُّقيا وبي ظَمَأٌ أَحَقُّ بالريِّ لكني أخُو كَرَمِ ) .

- إن التضحية هي أنبل ما وصل إليه الإنسان، ولا شىء يكسب الأمة قوة كما تكسبها التضحية، فالأمة المضحية هي وحدة متماسكة واحدة، والأمة غير المضحية هي أفراد متفككة، وشهوات متعددة تتحارب أجزاؤها، ويأكل النزاع والشهوات والأنانية قواها.

- وليس مظهر التضحية مقصوراً على الجنود في مواقف القتال، فليس هذا إلا مثلاً عالياً من أمثلة التضحية، ولكن هناك أمثلتها العديدة في الحياة اليومية لكل فرد، فالذي يتنازل عن لذته الفردية الضيقة للمصلحة العامة الواسعة يكون مضحياً على قدر ما بذل، ولا تكون التضحية حتى يتعود القلب لذة العطاء كما يتعود لذة الأخذ، التضحية أفق واسع تنعم فيه النفس بجمال السعة وبعد المدى وجلال اللانهاية، والأنانية أفق ضيق تألم فيه النفس بضيق المكان،، قال تعالى في سورة الحشر آية 9 : ( وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) .

برلمانى سابق