رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدعم بين النمو والتنمية


الدولة تدعى أن الدعم قفز خلال خمس سنوات فقط إلى 8.8% من الناتج المحلى فى الميزانية الحالية!!، أى أنها تضاعفت نحو سبعة أضعاف وهذا لا يبدو منطقيا ولا يخاطب العقل أبدا!

عادة ما تستهل الحكومات الجديدة بدايات عملها بطرح فكرها فى زيادة الاستثمارات الداخلية والخارجية وطرح عدد من مشروعات التنمية التى تدر دخلا اقتصاديا ثابتا يضاف إلى الاقتصاديات القائمة ويدعمها وينطلق بها إلى آفاق دول الاقتصاديات المنطلقة بما يعود على الحكومة بثقة المواطنين وتعطيهم الأمل فى المستقبل. ولم تحدث ولو لمرة واحدة أن بدأت حكومة جديدة عملها بفرض ضرائب جديدة أو بزيادة أسعار خدماتها التى تقدمها للمواطنين أو برفع أسعار الغذاء والوقود والكهرباء والمواصلات والمياه فى وقت تتزايد فيه المطالب الفئوية والشعبية لزيادة الدخول لمواجهة ارتفاع الأسعار أو للحصول على المزيد من الخدمات الصحية والتعليمية رغم ما بها من تدنٍ كبير فى مستوى الأداء.

ولا شك أن منظومة الدعم فى مصر تحتاج إلى مراجعة وإعادة هيكلة مع اختيار التوقيت المناسب لتطبيق بعضها، خاصة أن بعض مفرداته مثل الغذاء والمحروقات والكهرباء من السلع التى بارتفاعها ترفع المؤشر العام للأسعار عموما ولجميع السلع والخدمات. البيانات التى تطرحها الحكومات والخاصة بدعم الغذاء والطاقة عادة ما تحتوى على بعض المبالغات التى تبدو واضحة للعامة وليس للمتخصصين فقط. ففى حين لم تتجاوز المبالغ المخصصة للدعم والمنح والمزايا الاجتماعية فى ميزانية 2009/2010 نحو 73 مليار جنيه مصر منها نحو 60 مليارا لدعم الغذاء والطاقة، نجد أنها تضاعفت بعد عامين فقط دون مبرر لا فى تضاعف عدد السكان أو حدوث ارتفاع كبير فى أسعار البترول والغذاء عالميا حيث ارتفعت فى ميزانية 2011/2012 إلى 132.3 مليار جنيه مصري! وهذا يحتاج إلى إيضاح.

وبالمثل أيضا، ففى حين أشار البنك الدولى فى تقريره الصادر عام 2010 بعنوان «دعم الأمن الغذائى فى البلدان العربية» بأن مخصصات الدعم فى مصر لم تتجاوز 1.3 % من الناتج المحلى فى عام 2007، كثالث دولة عربية فى مخصصات الدعم بعد سوريا والأردن أى أننا لسنا أكبر دولة عربية تقدم الدعم لشعبها بل تسبقنا سوريا والأردن، نجد أن الدولة تدعى أن الدعم قفز خلال خمس سنوات فقط إلى 8.8% من الناتج المحلى فى الميزانية الحالية!!، أى أنها تضاعفت نحو سبعة أضعاف وهذا لا يبدو منطقيا ولا يخاطب العقل أبدا!

باقى أرقام الميزانية الجديدة سارت على هذا النمط أيضا ففى حين لم تتجاوز مخصصات دعم الخبز والسلع التموينية المربوطة على البطاقات التموينية منذ عامين فقط 13.8 مليار جنيه فقط وجدناها ضعف هذا الرقم فى ميزانية هذا العام وقفزت إلى 28 مليار جنيه وقفز دعم المواد البترولية من 33 مليارا إلى 95 مليارا خلال نفس العامين، والأمر يحتاج إلى إيضاح لأن أسعار البترول ثابتة من نحو أربع سنوات وأسعار الغذاء مستقرة حاليا وحتى نهاية العام. وعموما لا يمثل دعم الغذاء إلا نحو 1% من الناتج المحلى، وبالتالى فهو لا يمثل العبء الأكبر على الإنفاق العام للدولة فى ظل زيادة نسبة الفقر والعاطلين عن العمل والإضرابات الفئوية التى تطالب بزيادة الدخول والرواتب لمواجهة ارتفاع الأسعار. وفى المقابل نجد فى المحروقات أن السولار وحده يستنزف نحو 48% من دعم المواد البترولية والبوتاجاز 14% ثم البنزين فى النهاية بنحو 13%، فى حين يستنزف إجمالى دعم المواد البترولية نحو 72% من إجمالى الدعم أى نحو 95 مليار جنيه، ومع ذلك فإن فكر الحكومة يتجه إلى رفع الدعم عن البنزين أولاً وهو الأقل استنزافا للدعم، وفى نفس الوقت تتقاعس عن رفع الدعم عن بنزين 95 وتأجله حتى نهاية العام دعما للأغنياء فقط، حيث لا يشعر به العامة من جموع المصريين الممتلكين لسيارات ملاكى أو أجرة، ولو رفعت الدول بنزين 95 اليوم قبل الغد ما وجدت ممانعة أبدا بل تحية من الشعب ولكنها تراجع محاسيبها ورجال أعمالها أولا قبل رفع أسعاره، ولكننا نذكر أن بعض السيارات الفارهة يتم تحصيل ضريبة رخصة سيارة كبيرة عليها تتجاوز خمسة آلاف جنيه فى السنة سنها النظام السابق كفرق أسعار عن دعم بنزين هذه السيارات والأمر سيستلزم إعادة النظر فى هذه الضريبة عند رفع أسعار هذا النوع من البنزين. ولأننا لا نعيش بمعزل عن الدول المجاورة فإن بعض الأسعار المقترحة تحتاج إلى مراجعة، ففى حين تدعى وزارة البترول أن أسطوانة البوتاجاز تكلفها 67 جنيها نجد أن سعرها فى كل من السعودية والكويت لا تتجاوز 16 جنيها مصريا، وتصل إلى أقصى سعر لها فى دولة الإمارات ذات أعلى معدلات ودخول فى المنطقة إلى 30 جنيها فقط، والأمر يظهر أن تسعير الأسطوانة فى مصر بسعر 20 جنيها يبدو منطقيا ويلقى قبولا من عامة الشعب دون مبالغة على أن تتم إضافة عشرة جنيهات على إيصال استهلاك الغاز الطبيعى للشقق السكنية لصالح دعم البوتاجاز.

بالتالى نكون قد قطعنا شوطا كبيرا فى ترشيد دعم البوتاجاز دون تطبيق نظام الكوبونات العتيق الشيوعى والذى يجد رفضا عارما من عامة الشعب وحتى لا نتحول إلى دولة الكوبونات فى الغذاء والبوتاجاز والمحروقات ويتبقى فقط أن نصرف رواتبنا على صورة كوبونات!!!.، أما بنزين 92 فيتم رفع أسعاره بما لا يزيد عن 30% من سعره الحالى حتى لا يتحول معتادوه إلى استخدام بنزين 90، وبالتالى تزيد تكاليف دعمه. المشكلة الأكبر تبدو فى السولار الذى يستحوذ على 48% من دعم المنتجات البترولية وهى سلعة حساسة ولكنها تحتاج فعلا إلى مضاعفة أسعارها لتقليل سبل تهريبها إلى الخارج مع مراعاة مستخدميها فى تموين الجرارات الزراعية وماكينات الرى والحصاد والدراس وهم الطبقة الأفقر، ثم سائقى الباصات والمينى والميكروباص ثم أتوبيسات السياحة والرحلات والمدارس، وهى تؤثر فى قطاعات مهمة ولكن أعتقد أن بيع السولار بسعر جنيهين للتر يمكن أن يقضى على نصف مشاكل توافره ويحد قليلا من تهريبه على الرغم من أن سعره العالمى أقل قليلا من خمسة جنيهات.

هناك دراسة متكاملة وحديثة صادرة فى مارس الماضى عن أحوال الفقراء فى مصر لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار فى مصر، توضح أيضا متوسطات دخول الأسر المصرية بمختلف طبقاتها والأمر يتطلب مراجعة هذه الدخول بحيث لا تمثل أسعار الوقود والكهرباء والمواصلات والمياه والتعليم والصحة إلا النسب العالمية للدول المشابه لنا فى متوسطات الدخول حتى لا نعيش بمعزل عن العالم ولا تتحول مصر إلى أغلى أسعار فى الدول العربية والعالمية أو أن يصبح امتلاك سيارة أو جهاز تكييف عملاً إجرامياً ينبغى أن يعاقب عليه المواطن من حكومته ويكفى المواطن المصرى أنه يشترى السيارة بأعلى سعر فى العالم، ومثلها أيضا باقى الأجهزة الكهربائية والمعمرة ولذلك يلجأ إلى شرائها من الخارج كلما أتيحت له مناسبة للسفر.

تقسيم مصر إلى أغنياء وفقراء ليس من الحكمة ولا من نظم الحكم، واقتصاديات الدول بل هو من النظم الاجتماعية للمعيشة، أما التنمية فتتضمن إنشاء المزيد من المصانع التى نحتاجها من الأسمدة والحديد والصلب والصناعات الغذائية مع زيادة نسب اكتفائنا الذاتى من الغذاء لتقليل وارداتنا منه وتحسين مواصفات صادراتنا ومساءلة الفاسدين الذين يتسببون فى إغلاق العديد من الأسواق الأوروبية فى وجه الصادرات المصرية وهذا هو ما ينبغى نهجه خلال الفترة الحالية.

■ كلية الزراعة جامعة القاهرة ومستشار وزير التموين الأسبق

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.