رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أساليب وضع الدساتير الغائبة عن الجمعية التأسيسية للدستور


أزمة المحكمة الدستورية العليا صمام أمان حقوق الإنسان كيف يتسنى تقليص اختصاصاتها وتهميش دورها لمصلحة من؟ إذ يتعين علينا تدعيمها والفخر بها وهى فى المرتبة الثالثة على مستوى العالم من بين المحاكم الدستورية بعد المحكمة الدستورية الألمانية.

من المسلم به فى حالة سقوط دستور الدولة نتيجة قيام الثورة أو حدوث انقلاب، وهو ما يقال له تغيير النظام كما حدث بمصر بثورة 25 يناير 2011، حيث تتدخل السلطة التأسيسية فى هذه الحالة لوضع دستور جديد يحل محل الدستور، الذى سقط بالثورة أو الانقلاب، وذلك لوضع أسس وقواعد جديدة تتلاءم مع الظروف السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية المتطورة، وهو ما يقال له تغيير المرحلة وليس تلاؤمها مع النظام الجديد فحسب مثل «الدستور الفرنسى»، والسلطة التأسيسية التى يعهد إليها بهذا العمل تسمى السلطة التأسيسية الأصلية، وليس كما يشاع للأسف بخروج بعض أعضاء الجمعية التأسيسية بتصريحات إعلامية بأنها سلطة تأسيسية منشأة، فهذا ينم عن عدم توافر الخبرة الكافية لديهم وعدم الإلمام الكافى بالحدث الجلل، فهناك شتان بين السلطة التأسيسية الأصلية والسلطة التأسيسية المنشأة.

فالأولى هى السلطة التى تتولى وضع دستور الدولة كله ولها سلطات وصلاحيات واسعة ولا تستند عند مباشرتها لتلك المهمة إلى نص دستورى معين أو إلى تنظيم دستورى سابق، وإنما كونها صاحبة السيادة فى المجتمع فضلاً عن كونها أعلى سلطة فى المجتمع، وهى تمارس عملها فى وقت لا يوجد به دستور، وتستطيع تعديل السلطات أو إنشاء سلطات جديدة أى لها صلاحيات واسعة دون تقييد، أما الثانية: السلطة التأسيسية المنشأة فهى وإن كانت تلعب دوراً أساسياً فى وضع قواعد دستورية، إلا أن هذا الدور يقتصر فقط على مجرد تعديل تلك القواعد وطبقاً للإجراءات المنصوص عليها فى صلب الدستور، وهى سلطة مقيدة ذات اختصاصات محددة لاستنادها إلى نص دستورى قائم أو تنظيم دستورى سابق يبين صلاحيتها وماهيتها وطريقة عملها والإجراءات الواجب عليها اتباعها، أى تمارس عملها فى وقت يوجد به دستور قائم ومطبق، هذا هو الفرق بين السلطة التأسيسية الأصلية والسلطة التأسيسية المنشئة للدستور.

أما عن أساليب وضع الدستور فيوجد أسلوب المنحة، وهو أن تتركز السلطة التأسيسية الأصلية من الناحية القانونية فى شخص رئيس الدولة وتظهر فى شكل منحة منه للأمة يتنازل فيها عن بعض سلطاته وحقوقه إلى الأمة، وهو ما يعرف بالحكومات الفردية وهو أقرب إلى دستور سنة 1923 فى مصر، وهذا الأسلوب وجه إليه انتقادات كبيرة، إذ لا ينم عن الديمقراطية، بل الديكتاتورية فى شخص الحاكم ، وهناك أسلوب التعاقد، وهذا الأسلوب يصدر فيه الدستور نتيجة اتفاق أو عقد بين الشعب والحاكم «التوافقى» وهو لا تكون إرادة الحاكم على قدم المساواة مع إرادة الشعب، إذ يكون الحاكم مكرهاً ومجبراً على مثل هذا الإذعان لإرادة الشعب مثل «الدستور السودانى» الصادر سنة 1973، والدستور العراقى سنة 1925.

أما الأسلوب الثالث وهو أسلوب الجمعية النيابية التأسيسية، وهو يقوم الشعب باختيار ممثلين أو نواب عنه يعهد إليهم بمهمة وضع الدستور، بحيث يعد هذا الدستور صادراً ونافذاً بمجرد الانتهاء من إعداده دون اتخاذ أى إجراء آخر، ولذا يعتبر الدستور فى هذه الحالة وكأنه صادر عن الشعب دون أى استفتاء ولا دخل لإرادة الشعب، ويعيب هذا النظام تركيز السلطة فى يد مجموعة من الأفراد وتركهم يفعلون ما يشاءون تحت شعار كونهم نواباً عن الأمة، فقد يؤدى بهم إلى الاستبداد والتسلط، وهو ما تحقق فى فرنسا بالنسبة للجمعية التأسيسية التى قامت سنة 1789 فى عصر «الثورة الفرنسية»، حيث وضعت فى قبضة يدها اختصاص السلطة التشريعية والتنفيذية، واتخذت إجراءات استبدادية ما لا يعرف له مثيل فى تاريخ الملوك والقياصرة. علماً بأنها معاصرة للثورة الفرنسية التى قامت من أجل القضاء على الاستبداد والظلم ، ويوجد أخيراً أسلوب الاستفتاء الدستورى وهو أعلى مرتبة من مراتب الديمقراطية، وفيه تمارس الأمة بذاتها أمر مباشرة وضع الدستور باشتراك الشعب بنفسه فى مباشرة السلطة التأسيسية الأصلية، ويقتضى ذلك وجود لجنة منتخبة أو لجنة حكومية معينة تتوافر فيهم أكبر قدر من العلم والخبرة الكافية ودرايتهم بأحوال الشعب دراية كاملة وبمثالب المجتمع ومحاولة علاجها، ثم يعرض المشروع بعد ذلك إلى الاستفتاء الشعبى، بحيث لا يصدر الدستور ولا يصبح نهائياً ونافذاً إلا بعد موافقة الشعب عليه فى هذا الاستفتاء، فإذا رفض الشعب اعتبر مشروع الدستور كله كأن لم يكن وهو مثال حقيقى للديمقراطية ومتميز فى ذاته، أين جمعيتنا التأسيسية الحالية من هذه الأساليب الأربعة فى وضع الدساتير وإلى أى نوع تنتمى، إذ كان بعض أعضائها ليس لديه علم بنوع الجمعية أهى أصلية أم منشأة؟، فكيف يثق به الشعب فى أن يشرع دستوراً لمصر الثورة؟، وإذا كانت إدارة الجمعية تتعامل بشكل شخصى مع السلطات فاقدة الحيدة والموضوعية فى تحقيق الصالح العام، وأبرزها نص تحويل هيئة قضايا الدولة إلى نيابة مدنية، إذ وقفت حائطاً للصد من أجل تحقيق الصالح العام فى إنجاز القضايا وسرعة الفصل فى القضايا ودفع عجلة الاقتصاد والاستثمار لانعكاسه على المستثمر الأجنبى فى وجود القضاء الناجز والسريع ورفعا لمعاناة المواطن البسيط وتخفيضاً للتكاليف القضائية واستغلالاً للموارد البشرية الاستغلال الأمثل وللحاجة الشعبية الملحة.

أيضاً أزمة المحكمة الدستورية العليا صمام أمان حقوق الإنسان كيف يتسنى تقليص اختصاصاتها وتهميش دورها لمصلحة من؟ إذ يتعين علينا تدعيمها والفخر بها وهى فى المرتبة الثالثة على مستوى العالم من بين المحاكم الدستورية بعد المحكمة الدستورية الألمانية، ونأمل أن يعى الشعب بدستور بلده، ويكون الاستفتاء عليه إذا ما خرج إلى النور يكون استفتاء شعبياً وليس سياسياً، حتى تتحقق الأهداف المنشودة.

■ مستشار بهيئة قضايا الدولة