رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المتغـيرات الدولية والإقليمية.. وتأثيرها على المنظور الأمريكى «12»


أشرت فى المقالات السابقة إلى أن قادة حلف الناتو نجحوا فى ضم شركاء جـدد، وفى حصار روسيا اقتصادياً وعسكرياً، وتجاهلوا إعلان التهديدات الجديدة التى اجتمعـوا فى نيوبورت ببريطانيا من أجل تحديدها، ولكن تقرير لجنة التخطيط الاستراتـيجى للخارجية الأمريكية «نوفمبر 1988» حددها بدقة بهذه الفقرة .

 ما وقـد انتهت الحرب الباردة بيننا وبين الاتحاد السوفييتى، فإن مصادر التهديـد البـديلة ستكون دول الأصولية الإسلامية والأنظمة السياسية غـيـر المستقرة» وأشرت إلى أن نشأة مصطلح الأصولية ترجع إلى بعـض الجماعات اليهودية والمسيحية المتشددة ثم أطلقه الغرب على الإسلام، وأوضحت مفهوم مصطلح العالم العربى بأنه يعـنى مجمـوعة من الدول والشعـوب المتناثرة التى لن تجد لها مكاناً فى عالم الغـد مالم تُؤمن نفسها باستراتيجية عربية موحدة، التى يتطلب بناؤها إجراء دراسة متأنية عن الموقف الاستراتيجى أولاً لاستخلاص المحددات التى تعـيق تحقيقها والمقومات التى تعزز بناءها، وبدأت بالمنظور الأمريكى باعـتباره أحد أهم هذه المحددات، وفى المقال الأخير ذكرت أن التقارب والتفاهم الأمريكى الإيـرانى يُعـد المُحدد الأشد خطراً والأعمق أثراً على بنائها، وانتهيت فى المقال الأخير إلى طرح سؤالين، الأول هو كيف حدث هذا التقارب؟ والثانى هو ما الذى يمكن أن يترتب عليه؟

يُشير الواقع إلى أن الولايات المتحدة قد أدركت أولاً أنه لا جدوى من اتباع السياسة طويلة الأمد التى تمارسها هى وحلفاؤها ضد إيران، سواء العـقـوبات التى تم فرضها أو تلك التى سيتم فرضها، خاصة بـعـد أن امتلكت إيـران الـرادع النووى فعلاً أو على الأقل امتلكت تكنولوجيا تصنيعه، كما أدركت ثانياً أن المصلحة الأمريكية العليا تقتضى ضرورة التخلى عن هذه السياسة البالية ضد إيران حتى لا يتم استقطابها من إحدى القوى العالمية المضادة، سواء من روسيا الساعـية إلى استعادة نفوذ القوة السوفييتية العظمى أو الصين الساعية إلى الصعـود والارتقاء إلى قمة هرم النسق الدولى لمشاركتها النفوذ ثم الانفراد به مستقبلاً، وأدركت الولايات المتحدة ثالـثـاً أن نقطة الانـطلاق السليـمة لحـل الخلافات التى نشأت بينها وبين إيران حـول برنامجها النووى هى العـودة إلى طاولـة المفاوضات مع الـوضع فى الاعـتـبـار أن إيـران تقـف الآن عـلى أرضيـة تفاوضية صلبة نتيجة لإدراكها الكامل بأنه من الصعـب إن لم يكن من المستحيل توجيه ضربة عـسكرية ضد منشآتها النووية نظراً لحسن انتشارها وطبيعة تضاريس مناطق تمركزها وإنشائها تحت الأرض. وترتيباً على هذه الإدراكات سعـت الولايات المتحدة إلى التوصل لمعادلة التسوية التاريخية للملف النووى لإيران فى مقابل إطلاق يدها فى المنطقة العربية لتوسيع نطاق نفوذها وتأسيس الإمبراطورية الفارسية الثانية تحت الراية الشيعـية، والسيطرة عـلى المنطقة بالوكالة عـنها، ولتحقيق ذلك خططت الولايات المتحدة لإجراء اتصالات لعـقـد لقاءات سرية مع إيران بعـد أن أغرقت المنطقة فى ثورات فوضوية، وقامت بتوطين التنظيمات الإرهابية بأراضيها لإحداث الفوضى العارمة التى خطط لها برجنسكى وأعلنتها كوندليزا رايس فى 2004 لإسقاطها من الداخل، فعـقدت عـدة جلسات سرية فى سلطنة عمان، وتوصلت إلى تفاصيل وبنود هذه التسوية التى وصفها أوباما بالتاريخية ودافع عنها وحماها وحجب عنها فيتو الكونجرس الأمريكى نفسه، ووصفها الإيرانيون بالانتصار العـظيم، ثم قامت الولايات المتحدة بتوجيه مفاوضات مجموعة «5+1» مع إيران حتى تصل مجموعة التفاوض تلقائياً إلى التسوية المتفق عليها مسبقاً مع إيران، ولتُحبك هذا السيناريو الهابط تم الإعلان عن التوصل إلى التسوية التاريخية بعـد انتهاء المهلة المحددة لإعلانها بـ 24 ساعة. وفى يقينى أنه قد تم التوصل إلى الاتفاق النهائى الذى سيتم التوقيع عـليه فى نهاية يونيو القادم أيضاً، حيث سيتضمن بنداً خاصاً يتعلق بالتسوية السياسية للقضية السورية على أن يكون الأسد جزءاً من هذه التسوية، وهو ما يفسر لنا تصريح وزير الخارجية الأمريكى بأنه يُمكن التفاوض مع الأسد للتوصل إلى تسوية سياسية للأزمة السورية، ويُوضح لنا أيضاً تصريح وزير خارجية العراق بالتطمينات الأمريكية بأن الضربات الأمريكية التى سيتم توجيهها ضد ميليشيات تنظيم الدولة الإسلامية فى الأراضى السورية لن تُطال قوات النظام السورى أو نظام دفاعه الجوى ومناطق تمركز القوات وبالرغم من ذلك فما زالت الولايات المتحدة وإيران تُمارسان دورهما بمهارة فى هذا السيناريو الهابط، فما زالت الولايات المتحدة تهدد إيران بالثبور وعظائم الأمور إذا ما لجأت إلى الغـش والخداع، وما زالت إيران تلوح بأنها لن توقع على أى اتفاق فى 30 يونيو القادم ما لم يتم رفع العـقـوبات الاقتصادية التى فرضتها عليها الولايات المتحدة وحلفاؤها هذه كانت الإجابة عن السؤال الأول أما السؤال الثانى فسوف أجيب عنه الأسبوع المقبل بإذن الله.

■ أستاذ العلوم السياسية ــ جامعة بورسعيد