رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ظلمات وأحداث بعضها فوق بعض


السفيرة الأمريكية فى مصر، آن باترسون، تجتمع بأقباط مصر تحت ما يسمى بسلسلة لقاءات اجتماعاتها مع أقليات مصر، بعد عقد اجتماعات مع الشيعة، ولا أرى كيف يكون الشيعة فى مصر أقلية وهم مسلمون، على العموم تحت مبدأ المواطنة تصبح المسميات للتوضيح فحسب وليس للتمييز فى الحقوق ولا الواجبات بين مسلم ومسيحى، فكلهم مواطنون.

زار مصر مؤخراً وفد بحرينى من جمعية الوفاق الوطنية، بقيادة صديقنا العزيز الشيخ على سلمان، وذلك بدعوة من مركز النيل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية لحوار يتعلق بحقوق الإنسان، بعض القوى المصرية لم تستوعب الهدف من الزيارة، رغم أنها كانت تمثل المعارضة البحرينية ولم يكن الهدف نشر الشيعة.

زيادة أخبار ملفات الفساد التى تكتشف بين يوم وآخر، وسط بعض القرارات العشوائية فى محاولة حل المشكلات والأزمات المستعصية مثل: كوبونات البوتاجازات أو قرار إغلاق المحال التجارية بدءاً من العاشرة مساء بعد عيد الضحى.

معركة إطلاق اللحى قائمة فى المجتمع واللحية سنة وهى من شعر الجسم وفى ظن البعض هى أهم من الفروض، والشعور عند العقلاء وأهل السنة أهم.

واعتصام رجال النيابة الإدارية وقضايا الدولة قائم ومفتوح ضد الغريانى ومشروعه الجديد لإبعادهم عن الهيئات القضائية، ومعارك القنوات الدينية التى لا تنتهى خصوصاً باستخدام «فوبيا التشييع»، وكأن المصريون زهقوا من مذاهب أهل السنة جميعاً، وينتظرون سرعة الخروج منها أو أن المذهب الاثنى عشرى مذهب غير معتبر لو انتقل إليه أحد من المسلمين.

أهم التحالفات المدنية السياسية هى التيار الشعبى بقيادة حمدين صباحى، وتيار الأمة المصرية بقيادة عمرو موسى ومن معه وحزب الدستور بقيادة البرادعى، وحزب مصر القوية بقيادة عبد المنعم أبو الفتوح، طبعاً هذا فضلاً عن «الحرية والعدالة» والنور والوسط وبعض الأحزاب الأخرى الجديدة مثل البناء والتنمية وغيرها.

تعيين النائب عبد المجيد محمود سفيراً لمصر فى الفاتيكان وتمسكه بموقعه كنائب عام أثار مشكلة قانونية وتشريعية، أما الدكتور على السلمى- نائب رئيس الوزراء الأسبق- فقد صرح لجريدة «الصباح» بأن المشير طنطاوى هو المسئول عن كل أحداث العنف فى الفترة الانتقالية ولم يكن يستشير الحكومة، هذا التصريح نقرأه اليوم، رغم أن وثيقة السلمى كانت تتضمن مقتضيات الخروج الآمن للمجلس العسكرى.

كان من المفروض بعد تلك الثورة السلمية العظيمة- أو على الأقل بعد المرحلة الانتقالية بنهاية شهر يونيو 2012- أن يشعر الشعب بالتغيير الحقيقى الذى يمس حياة الشعب فى مأكله ومشربه وعمله ومستقبله ومعاقبة الفاسدين والذين أجرموا، وأن يشعر جميع أفراد الشعب بالحريات وبالعدالة وبالكرامة، وبتحسن ولو تدريجى ملموس فى مجال العيش كذلك، ولكن بعض ما حدث هو من غير المفروض وغير المتوقع، الواقع المؤلم لا يدل على التحسن، دلالة واضحة بل أحياناً يدل على استمرارية التخلف والفوضى والفساد، رغم بعض الإيجابيات المهمة جداً خصوصاً تفكيك المجلس العسكرى.

كانت الفترة الانتقالية، مرحلة صراع بين أبناء الثورة الحقيقيين الذين ليست لهم أهداف سياسية سواء شخصية أو حزبية غير الأهداف والقيم الثورية، وبين بقايا النظام البائد الذين زعموا أو زعم بعضهم، أنهم يحكمون باسم الثورة فى المرحلة الانتقالية، فحفروا بأخطائهم القاتلة أخاديد من الإجرام والفوضى والظلم فى حق الثوار خصوصاً، وهى فى النهاية جرائم ضد الشعب والوطن والثورة.

تمثلت تلك الأخاديد أو الجرائم فى أحداث ماسبيرو، ومحاولة تعميق الاستقطاب وقتل بعض المتظاهرين من المسيحيين، ثم سحل المرأة فى ميدان التحرير سحلاً مهيناً للكرامة، لم يكن يستطيع مبارك ونظامه أن يفعلوه أمام أعين الشعب والثوار، ثم جر الأموات وإلقاؤهم فى الزبالة، ثم أحداث محمد محمود، ومطالبة بعض الشباب الثورى بصيانة الثورة واستمراريتها، تلك الأحداث التى وصفها بعضهم بالبلطجة، رغم أن معظم ذلك الشباب كانوا من مفجرى الثورة وكانوا هدفاً من أهداف بلطجية النظام.

تلا ذلك أحداث مجلس الوزراء التى استخدم فيها النظام الانتقالى أو بعض منه كل شىء حتى سلاح التسمم باستخدام «ساندوتشات» مسممة للتخلص من الثوار أو إرسالهم إلى المستشفيات، وتلا ذلك أحداث بورسعيد الرهيبة، ثم تهريب الأمريكان المتهمين فى قضايا التمويل الأجنبى. كل تلك الأحداث وقعت فى الفترة الانتقالية وتحت سمع وبصر المجلس العسكرى، هذا إن لم يكن بإيعاز من أحدهم أو بعضهم. وفى ظنى يجب أن تكون هناك محاسبة على هذا السلوك الإجرامى.

وعلى الجانب الآخر فقد وقع الثوار فى أخطاء قاتلة إما بسبب نقص الخبرات أو بإيعاز وخداع من بقايا النظام البائد أو المجلس العسكرى أو بسبب التركيز الواضح من كل الأحزاب السياسية على المسار الديمقراطى، وانتخابات البرلمان، وصولاً إلى الشرعية السياسية المطلوبة، التى خصمت من شرعية الميدان أى شرعية الثورة.

وكانت خدعة الإعلان الدستورى، والترويج لها رغم العوار الواضح فى الإعلان مارس2011، خصوصاً المادة 28، فضلاً عن رصد أكثر من تفسير للمادة 60 عند تشكيل الهيئة أو اللجنة التأسيسية الأولى، التى اختارها البرلمان لوضع الدستور والتى ألغيت بقرار من المحكمة الإدارية العليا، بل أبطلت المحكمة الدستورية العليا مجلس الشعب ذاته، وحدث الفراغ التشريعى وما صاحب ذلك من مهازل، وانتقلت السلطة التشريعية أخيراً إلى الرئيس.

لا نستطيع أن نتحدث عن تلك الفترة دون التلميح إلى الوعود الانتخابية الخادعة والمستقطبة للمشاعر أو على الأقل العشوائية، والتى أثبتت أن وعود المائة يوم كانت تحليقاً وأحلاماً، مما استدعى تبريرات غير مقبولة أو وهمية أو على الأقل غير دقيقة فى حديث الرئيس فى الاستاد بمناسبة(6) أكتوبر ومرور مائة يوم على تولى الرئيس السلطة، وهذه طامة كبرى لأن الرئيس محسوب على مدرسة أخلاقية هى مدرسة الإخوان المسلمين ومحسوب على الثورة السلمية العظيمة، أقول إن الرئيس ينتمى إلى مدرسة دعوية أخلاقية، من المفروض أن يكثر أعضاؤها عند المغرم ويقلون عند المغنم، ويعملون للناس فى سبيل الله أكثر مما يعملون لأنفسهم، وهم -كما وصفهم الإمام حسن البنا- «رهبان بالليل فرسان بالنهار».

وقف مرسى بعد نجاحه فى انتخابات الإعادة وسط ميدان التحرير دون صديرى واق، وكان الثوار على استعداد أن يحملوه على رءوسهم وأن يضعوه فى قلوبهم، ولكننا نلمس اليوم الاستعدادات الأمنية الضخمة حول الرئيس التى لم تظهر تغييراً ملموساً عما كان سائداً أيام النظام البائد.

كانت بداية علاج المشكلات الخمس أو الأزمات الخمس التى وعد الرئيس بحلها خلال 100 يوم، بداية لا تدل على تغيير حقيقى فى تفكير الرئيس ومن حوله، فدعا إلى مبادرات شعبية للقضاء على الزبالة وتحقيق الوطن النظيف، وهنا لم يضع الرئيس الحصان أمام العربة بل وضع العربة أمام الحصان، حيث ضاعت المسئولية بين الهواة والمتطوعين والمتحمسين لنجاح مرسى ولا يمكن محاسبتهم، وبين المسئولين الذين يتقاضون أجوراً عن مهمة لا يفعلونها ولا يؤدونها بشكل مرض، بل جاءت فى العهد البائد بشكل مَرَضى، واستمرت هذه الحالة المرضية حتى بعد الثورة فى الفترة الانتقالية، ثم بعد أن استقر الدكتور مرسى على كرسى الحكم.

وتأتى الأحكام فى موقعة الجمل لتخيب آمال وتوقعات الثوار والشعب، كما خابت آماله وتوقعاته من قبل أثناء محاكمة المخلوع وبعض أركان النظام البائد، قد تكون الأدلة أمام القاضى غير كافية والقاضى يحكم بما أمامه فى الملفات وبالإدعاء والدفاع، هنا لابد أن تثور مجموعة من الأسئلة تحتاج إلى إجابات دقيقة، أولها: لماذا لم تستكمل النيابة الملفات الخاصة بموقعة الجمل وتعدها إعداداً وافياً؟، ولماذا لم تحتو الدعوى على مسئولية الحفاظ على أمن الثوار، وتحديد المسئولين عن التفريط فى تلك المهمة البالغة؟، ولماذا لم تضف النيابة ملفات جديدة إلى الدعوى خلال تلك المدة الانتقالية الطويلة، وخصوصاً بعد تولى مرسى المسئولية، وتفكيك المجلس العسكرى؟، شهادات عمر سليمان والمشير طنطاوى كانت فى صالح النظام البائد وفى صالح مبارك وأعوانه أو على الأقل كانت كما يراها البعض حيادية؟

الإهمال مستمر للأسف الشديد على جميع الجبهات، ورغم ذلك لا يفارقنا الأمل لحظة فى التقدم والنهضة، إن من واجب الجميع بما فى ذلك القضاء- فى ضوء الثورة- السعى للوصول إلى الحقيقة لإحقاق الحق وإقامة العدل وإلا فما قيمة الحق والعدل، القضاء لا يستطيع أن يقيم العدل بمستندات غير كاملة ولا يحرره ذلك من المسئولية، الجريمة ظاهرة وواضحة، والمجرم الذى أخفى الأدلة أو الذى تستر على الجريمة، ولو كان من القضاء يجب أن يقدم للمساءلة فى ضوء الثورة.

أما أكبر الجرائم فى حق الثورة- كما أعتقد- هى الانفضاض عن القوى الثورية وإهمال الحالة الثورية، وترك الثورة دون قيادة حتى اليوم، وتخبط الجميع بدءاً من رئيس الجمهورية فى وعوده الانتخابية وخطاباته الحماسية، واستخدام أرقام ونسب قال المراقبون عنها إنها غير دقيقة، ولا يعرف الشعب كيف جاء بها ولا المعايير التى بنى عليها هذه الأرقام والنسب، وتخبط القضاء الذى شاهد تزوير الانتخابات فى عهد المخلوع مراراً دون احتجاج قوى، وشاهد بل شارك بعضهم فى تهريب الأمريكان المتهمين فى قضية التمويل الأجنبى، مما يدل على الهيمنة الأمريكية سواء كانت هناك قواعد أمريكية على أرض مصر، أم لا يوجد قواعد، كما صرح بذلك العقيد أحمد محمد على- المتحدث العسكرى الرسمى- فماذا نحن فاعلون إزاء تلك الهيمنة حتى يتحقق الاستقلال والتحرر الكامل، وهذا السؤال لا يقل أهمية عن السعى لتحقيق أهداف الثورة الأربعة.

والله الموفق