رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المتغيرات الدولية والإقليمية وتأثيرها فى المنظور الأمريكى «8»


تناولت فى المقالات السابقة نجاح قادة حلف الناتو فى ضم شركاء جدد، وحصار روسيا عسكريًا واقتصاديًا، لكنهم لم يحددوا التهديدات الجديدة التى اجتمعوا من أجلها فى نيوبورت البريطانية.

حيث حددها تقرير لجنة التخطيط الاستراتيجى لوزارة الخارجية الأمريكية فى فقرة منه بدول الأصولية الإسلامية فى العالم العربى الذى يعنى أنه مجموعة من الدول والشعوب التى لن تجد لها مكانًا فى عالم الغد مالم يُؤمن نفسه باستراتيجية موحدة، وأوضحت أنه يتعين دراسة الموقف الاستراتيجى أولاً لاستخلاص المحددات التى تعيق بناء هذه الاستراتيجية، وبدأت بالمنظور الجيوبوليتيكى الأمريكى باعتباره أهم المحددات، وأستكمل اليوم المستجدات التى طرأت على هذا المنظور، بادئًا بتصريح وزير الخارجية الأمريكى الذى أثار جدلاً كبيرًا.

فقد أعلن أننا قد نضطر للتفاوض مع الأسد للتوصل إلى حل سياسى للقضية السورية، ولكن ذلك يحتاج إلى مزيد من الضغط على الأسد، لأننا لا نريد أن ينهار النظام السورى ومؤسسات الدولة، إذ يعنى ذلك إخلاء الساحة تمامًا أمام الجماعات المتطرفة»، ثم قامت المتحدثة الرسمية للخارجية الأمريكية بنفى ما أعلنه وزيرها، وأعلنت أنه لن يكون هناك تفاوض مباشر مع الأسد، وهو ما يتسق مع الموقف الأمريكى المتناقض دومًا لإحداث الإرباك والبلبلة فى الرأى العام الأمريكى، واتساقًا مع هذا التناقض فقد صرح الرئيس الأكثر فشلاً فى إدارة شئون أقوى دولة فى العالم بأن السؤال الذى يتعين طرحه هو، متى سيرحل الأسد، وليس هل سيبقى أم سيرحل الأسد؟ وأضاف «أن الحل الذى سيتم التوصل إليه مع إيران لابد وأن يحظى بموافقة أممية من مجلس الأمن.. والغريب أن هذه التصرحات تأتى عقب إعلان بريطانيا أن جوهر الحل السياسى والانتقال السلمى للسلطة يكمن فى أن يكون الأسد خارج المعادلة السياسية السورية.

وبتحليل هذه التصريحات يُمكن ملاحظة أنها تنصرف إلى خمسة عناصر رئيسية، الأول هو أن أدوات القوة الصلبة فشلت حتى الآن فى إزاحة نظام الأسد وفشلت أيضًا فى تسليم سوريا إلى التنظيم الدولى للجماعة الإرهابية، مع ضرورة تجربة إحدى أدوات القوة الناعمة «التفاوض» مع نظام الأسد سواء كان هذا التفاوض مباشرًا أو غير مباشر لإيجاد آلية مقبولة لانتقال السلطة سلميًا، والعنصر الثانى هو ضرورة بذل جهد كبير وممارسة مزيد من الضغط على الأسد، والثالث هو ضرورة إحداث التقارب بين القوى الدولية التى بينها اختلاف شديد وتناقض كبير فى المواقف، فبينما ترى بريطانيا وفرنسا بألا يكون الأسد طرفًا فى المفاوضات وأن يكون خارج معادلة الحل السياسى، ترى روسيا والصين وإيران حتمية بقاء الأسد باعتباره جزءًا من الحل، أما العنصر الرابع فهو أن المنظور الأمريكى يربط ربطا مباشرًا بين الحل السياسى للقضية وتسوية القضية النووية الإيرانية، وهو ما يبدو واضحًا من تصريحات أوباما، والعنصر الأخير وهو الأهم هو أن الولايات المتحدة وضعت جميع الأطراف أمام خيارين أحلاهما مر، وهو إما قبول بقاء نظام الأسد وإما انهيار وسقوط سوريا فى يد داعش وهو ما يبدو واضحًا من تصريحات كيرى.

وترتيبًا على هذا التحليل، فإنه يتعين الإجابة عن التساؤلات التى قد تدور فى الأذهان الآن، وهى هل يمكن القول بأن الولايات المتحدة قد حققت أهدافها بعد أن أغرقت سوريا فى ثورة فوضوية أدت إلى تدمير جيشها وأوقعتها فى حرب أهلية ودمرت مقدراتها الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية، ودمرت بنيتها الأساسية وثروتها العقارية وشردت أهلها، وجعلت منها أنقاض دولة لن تقوم لها قائمة حتى على المدى البعيد، سواء بقى الأسد أو رحل؟!، وما الضغوط التى يمكن ممارستها على الأسد حتى يقبل الحل الذى سيفرض عليه؟ ومن الذي سيمارس الضغط عليه؟ هل هى إيران؟ وهل تقبل إيران أن تبيع حليفتها بهذا الثمن البخس الذى أعلنه «شمخانى» أمين المجلس الأعلى للأمن القومى الإيرانى بأن بلاده قد باتت على ضفاف المتوسط بعد أن قامت إيران بتعيين أحد جنرالاتها قائدًا للجبهة السورية الجنوبية، أو لتحقيق ما أعلنه «على يونسى» مستشار الرئيس الإيرانى بأن إيران قد أصبحت بالفعل إمبراطورية، كما كانت على مر تاريخها، بعد أن سيطرت على سوريا ولبنان والعراق واليمن؟! وما الذى سيفيد الولايات المتحدة من الحصول على موافقة أممية من مجلس الأمن على الاتفاق الذى سيتم التوصل إليه مع إيران طالما أن هذا الاتفاق سيتم التوصل إليه بواسطة مجموعة دول «5+1» وهى الدول دائمة العضوية فى المجلس، بالإضافة إلى ألمانيا؟ وهل يقصد أوباما بحصوله على هذه الموافقة الأممية تهميش دور الكونجرس الأمريكى الذى يسيطر عليه الجمهوريون بعدم مناقشت الاتفاق أمامه؟

هذا ما سأتناوله الأسبوع المقبل بإذن الله